وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التحريض ضد الفلسطينيين: عندما يصبح القول فعلا

تم إحراق الرضيع الفلسطيني علي الدوابشة وهو على قيد الحياة عندما أضرم المستوطنون النار في منزل عائلته في منتصف الليل في قرية دوما بمحافظة نابلس. أصيب والدا الصبي الذي كان يبلغ من العمر 18 شهرا وشقيقه البالغ من العمر بجروح خطيرة، توفي على إثرها والد الطفل فيما بعد.

funeral of Saed Dawabsheh
جنازة سعيد الدوابشة، الذي توفي بعد عدة أيام من وفاة طفله علي الدوابشة، بعد ان تم احراق منزله من قبل المستوطنين اليهود، في قرية دوما في الضفة الغربية, 8 أغسطس 2015. Photo AP/Majdi Mohammed

“جميعهم مقاتلون أعداء لنا، ويجب أن تكون دماؤهم فوق رؤوسهم. الأمر ذاته ينطبق أيضا على أمهات (الشهداء) اللواتي يرسلن أبناءهن إلى الجحيم ويودعنهم بالورود والقبلات.” هكذا كتبت ايليت شاكيد، عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب البيت اليهودي، على صفحتها على الفيسبوك في شهر أيار من عام 2015. كما تابعت ايليت قائلة:” عليهن أن يتبعن أبناءهن، ولا يوجد شيء آخر يمكن أن يكون أكثر عدالة من ذلك. عليهن أن يفعلن ذلك، شأنهن في ذلك شأن منازلهن التي ربّين فيها الثعابين، وإلّا فإنّ ثعابين صغيرة ستنمو وتتكاثر هناك”. كان ذلك قبل يوم واحد من اختطاف الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وإحراقه حيا من قبل ستة شبان يهود. تداول هذا التعليق أكثر من ألف شخص على الانترنت كما لقي ما يقرب من خمسة آلاف “إعجاب” على الفيسبوك. وبعد انتخابات الكنيست في آذار من عام 2015، تم تعيين شاكيد كوزيرة عدل في الحكومة الاسرائيلية.

أما عضو الكنيسيت الحاخام إيلي بن دهان فيقول في شهر آب من عام 2013: “(الفلسطينيون) وحوش وليسوا آدميين.” وفي شهر كانون الثاني من نفس العام يقول الحاخام إيلي: “إن روح اليهودي أرقى بكثير من روح غير اليهودي، حتى لو كان مثلي الجنس.” وبن دهان يشغل حاليا منصب نائب وزير الدفاع الإسرائيلي وهو المسؤول عن فرع الإدارة المدنية التابعة للجيش، وهو مسؤول عن جميع الجوانب غير العسكرية كالتخطيط والبناء والبنية التحتية للاحتلال في المنطقة (C ) في الضفة الغربية. والإدارة المدنية هي أيضا مسؤولة عن قاعدة بيانات السكان الفلسطينيين وهي مسؤولة كذلك عن منح وإلغاء دخول وتصاريح عمل الفلسطينيين.

من جانبه يقول أفيغدور ليبرمان ( من حزب إسرائيل بيتنا) خلال حملة انتخابات الكنيست من عام 2015: “هؤلاء [عرب إسرائيل] الذين يعادوننا، لا يوجد ما يمكننا أن نفعله بهم سوى أن نلتقط الفؤوس ونقطع بها رؤوسهم. لو لم نفعل ذلك لما بقينا على قيد الحياة هنا.” ليبرمان كان يشغل منصب وزير خارجية إسرائيل في ذلك الوقت.

هذه ليست سوى ثلاثة أمثلة بسيطة على كثير من سلوكيات السياسيين الإسرائيليين الذين لم يظهروا أي تردد في إذلال الفلسطينيين أو التحريض على العنف ضدهم. ويبدو أن هذا الخطاب يشجع ويحرض المتطرفين من المستوطنين اليهود الذين يعيشون في مستوطنات أو بؤر استيطانية في الضفة الغربية المحتلة لأسباب أيديولوجية.

فقد وثقت الأمم المتحدة منذ عام 2010 ما بين 300 و 400 حالة عنف يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة سنويا، بما في ذلك 120 حالة تهجم على الاقل منذ بداية عام 2015. وفي معظم تلك الحالات، لا تتم مقاضاة المستوطنين المتورطين.

هناك نوعان من أنظمة القانون التي تطبقها إسرائيل في الضفة الغربية: العدالة المدنية للمستوطنين الاسرائيليين مقابل القانون العسكري للفلسطينيين. وهو الأمر الذي يؤدي إلى فروقات كبيرة في عملية الفصل القانوني والقضائي بين الاثنين. فالمتهم الفلسطيني مذنب في 99.74 في المئة من الحالات، في حين لا يدان سوى 1.9 في المائة من المستوطنين فقط، وفقا للبيانات الصادرة عن منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية ييش دين (“هناك قانون”).

“النازيون الجدد”

وفيما يتعلق بالحكم على الأخوين نحمان تويتو وشلومو تويتو من مستوطنة بيتار عيليت بالضفة الغربية فكان ذلك أمرا استثنائيا ونادرا. فالأخوان الذان تتراوح أعمارهما بين 18 و 22 على التوالي، اعترفا بارتكاب جريمة كراهية استهدفت مدرسة يدا بيد اليهودية العربية الشهيرة في القدس بتاريخ 29 تشرين الثاني من عام 2014. وبعد أن أضرما النار في صفوف الحضانة التابعة للمدرسة، قام الأخوان بكتابة عبارات باللغة العبرية على جدران الباحات الداخلية في المدرسة تقول: “لا يمكن أن تتعايش مع مرض السرطان” و “كفى استيعابا (للعرب)” و “الموت للعرب.” وفي تاريخ 22 تموز من عام 2015، حكم عليهما بالسجن لمدتي 30 شهرا و 24 شهرا على التوالي، ودفع غرامة قدرها 25 ألف شيكل (أي ما يعادل 6600 دولار أمريكي). كما نقل عن الأخوين قولهما بأن الجريمة كانت “تستحق كل ذلك العناء،” كما أنهما بدآ في الغناء بعد انتهاء جلسة المحاكمة.

الاخوان تويتو هما عضوان في عصابة للشبان اليهود المتطرفين والعنيفين يطلق عليها إسم “النازيون الجدد.” وهذه المجموعة، التي كشف الشاباك عن نشاطها ووجودها في العام الماضي فقط، قد حددت أهم أهدافها وهي زعزعة استقرار البلاد وإسقاط الحكومة وإقامة نظام قائم على الشريعة اليهودية. وفي سبيل تعزيز تلك الأهداف، تمارس تلك المجموعة مبدأ “التضحية بالذات” ومن ذلك قبول أفرادها دخول السجن لمدد طويلة مقابل تنفيذ مخططاتها. ويشير مصطلح “النازيون الجدد” إلى الفكرة القائلة بأن على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية أن يحاسبوا على كل الإجراءات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية بحق المستوطنين والتي يعتقد هؤلاء المستوطنون بأنها ليست في صالحهم.

وصلت جرائم الكراهية التي يرتكبها المستوطنون المتطرفون إلى أدنى مستوياتها بتاريخ 31 تموز من عام 2015. حيث تم إحراق الرضيع الفلسطيني علي الدوابشة وهو على قيد الحياة عندما أضرم المستوطنون النار في منزل عائلته في منتصف الليل في قرية دوما بمحافظة نابلس. أصيب والدا الصبي الذي كان يبلغ من العمر 18 شهرا وشقيقه البالغ من العمر بجروح خطيرة، توفي على إثرها والد الطفل فيما بعد. وعلى الرغم من القبض على بعض المستوطنين المتطرفين المتورطين في هذا الفعل، لا يزال مرتكبوا جريمة إضرام الحريق المتعمد طلقاء إلى هذه اللحظة. كما يعتقد بأنهم أعضاء في مجموعة “النازيين الجدد.”

الحكومة الإسرائيلية سارعت في إدانة الجريمة. حيث أفاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “إن دولة إسرائيل تتخذ سياسة حازمة وصارمة ضد الإرهاب وبغض النظر عن هوية الجناة. وحكومة إسرائيل موقفها واحد في إدانتها الشديدة لتلك الأعمال المؤسفة والفظيعة.” من جهته أفاد نفتالي بينيت، وزير التعليم الإسرائيلي، قائلا: “هؤلاء لا يمثلون أحدا سوى أنفسهم، فهم ارهابيون. وتماما كما فعلت إسرائيل في حربها السابقة على الإرهاب، فإننا سنلحق الهزيمة بهم بكل الوسائل المتاحة لدينا.” ولأول مرة، اشتملت تلك الوسائل على “الاعتقال الإداري،” وهو إجراء مثير للجدل كان مخصصا للفلسطينيين في السابق.

كان ذلك هو الأسلوب الأمثل، بل الوسيلة الوحيدة للسياسيين الإسرائيليين في الرد على هذا الحدث الدرامي الذي استحوذ على قدر كبير من اهتمام وسائل الإعلام الدولية. إلا أن العديد من المعلقين والكتاب الاسرائيليين اتهم الحكومة بتهيئة الأجواء التي تسهل لارتكاب مثل تلك الجرائم. حيث تتساءل الصحفية الاسرائيلية جودي مالتز على سبيل المثال قائلة: “هل يتحمل قادة إسرائيل المنتخبين ديمقراطيا المسؤولية عن تلك الأفعال العنصرية؟” كما يلمح زميلها الصحفي جدعون ليفي بأن جميع الإسرائيليين مذنبون في قضية حرق العائلة الفلسطينية.

وبتاريخ 8 آب، توفي سعد والد الرضيع علي عن عمر يناهز 32 عاما متأثرا بجراحه في مستشفى سوروكا، حيث كان يعالج على إثر إصابته بحروق من الدرجة الثانية في أكثر من 80 في المائة من جسمه. ودفن سعد في نفس اليوم في قرية دوما بالقرب من قبر ابنه، وحضر الجنازة آلاف الأشخاص. أما حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس فدعت جميع المدنيين الفلسطينيين إلى الالتحاق بمجموعات تتولى مراقبة الأحياء الفلسطينية لحماية أنفسهم من “عدوان المستوطنين.” وإلى الآن، يبدو أن هذا هو الخيار الوحيد للفلسطينيين في الضفة الغربية.”

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles