وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لائحة اتهام مساعد ترامب تهدد جهود الضغط الإماراتية وتثير تساؤلات بشأن الحملة الإماراتية ضد الإسلام السياسي

اتهام مساعد ترامب
توماس باراك، المستشار المقرب من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس لجنة تنصيبه، بعد مغادرته لجلسة الاستماع التي عُقدت في المحكمة الجزئية الأمريكية للمنطقة الشرقية من نيويورك يوم ٢٦ يوليو ٢٠٢١. وكان توماس باراك، الذي يعد حليفاً وثيقاً للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأحد أكبر جامعي التبرعات الخاصة به، قد تم اعتقاله وتوجيه الاتهام له يوم ٢٠ يوليو ٢٠٢١ بعدم الكشف عمّا يقوم به من جهود للضغط لصالح حكومة أجنبية. باراك، وهو مستثمر أسهم خاصة وصديق قديم لترامب، ترأس لجنة تنصيب هذا الأخير في عام ٢٠١٧. وتجدر الإشارة إلى توجيه الاتهام لباراك أيضاً بعرقلة العدالة والقيام ببيانات كاذبة متعددة لمكتب التحقيقات الفيدرالي عن عمله لصالح الإمارات. المصدر: Kena Betancur / AFP.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي مقالةً على مدونته الخاصة تناول فيها تداعيات اتهام أحد مساعدي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالعمل لصالح الإمارات في الولايات المتحدة.

ويرى دورسي أن لائحة الاتهام الصادرة خلال الشهر الجاري ضد توماس باراك، وهو ملياردير ومستشار سابق ومساعد مقرب للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تسلّط الضوء على نجاحات وإخفاقات الجهود الإماراتية المحفوفة بالمخاطر للتأثير على السياسة الأمريكية. وتجدر الإشارة هنا إلى اللائحة الموجهة ضد باراك تتضمن اتهامه بالعمل كعميلٍ أجنبي غير مسجل في الولايات المتحدة لصالح الإمارات.

وتهدد الاتهامات الموجهة لباراك علاقة الإمارات بإدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، سيّما وأن باراك حافظ على علاقات لصيقة بولي العهد الإماراتي الأمير محمد بن زايد عندما كان مستشاراً نافذاً في 2006 للمرشح الرئاسي حينها ترامب. كما أن باراك كان رئيساً للجنة تنصيب ترامب في الحكم بمجرد فوز الأخير في انتخابات 2016.

ويرى دورسي أن لائحة الاتهامات تهدد بتقليص ثمار الاستثمارات الضخمة التي قامت الإمارات بضخّها لتعزيز جهود الضغط والعلاقات العامة، والتي جعلتها محببة في واشنطن خلال السنوات الأربع الأخيرة.

وبحسب دراسة صدرت عام 2019، فقد قام عملاء إماراتيين بتعيين 20 شركة ضغط أمريكية لتقديم عروضهم بتكلفة 20 مليون دولار أمريكي، بما في ذلك 600 ألف دولار أُنفقت كمساهمات في الحملة الانتخابية. وتعتبر هذه الميزانية واحدة من أكبر النفقات التي تخصصها دولة واحدة لجهود الضغط واستغلال النفوذ في واشنطن، ما لم تكن الأكبر على الإطلاق.

وتثير هذه الاتهامات تساؤلاً حول الأسباب التي جعلت إدارة بايدن تسمح لإجراءات قانونية تهدد علاقتها بواحدة من أقرب حلفائها في الشرق الأوسط. فهذه الدولة فتحت الباب في العام الماضي أمام اعتراف العديد من الدول العربية ذات الأغلبية الإسلامية بإسرائيل.

وسعت جهود الضغط الإماراتية إلى وضع الإمارات، والسعودية، بتوصية إماراتية، تحت قيادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مركز السياسة الأمريكية. كما أنها سعت لضمان حماية المصالح السعودية والإماراتية، وحماية كلا الحاكمين المستبدين من الانتقادات الموجهة لسياساتهما وانتهاكهما لحقوق الإنسان.

وبصورة مثيرة للاهتمام، فإن جهود الضغط الإماراتية في الولايات المتحدة فشلت في إقناع إدارة ترامب بتبني أحد أهداف السياسة الإماراتية الأساسية على النقيض من فرنسا والنمسا. وتمثل هذا الهدف في شن الولايات المتحدة حملة قمعية على الإسلام السياسي مع التركيز على جماعة الإخوان المسلمين. ويرى ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد أن الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، التي تؤيد مبدأ الانتخاب، تمثل تهديداً وجودياً لبقاء نظامه.

ومن الأمثلة الموجودة في لائحة الاتهام، المناقشة التي اجراها اثنين من المتهمين الشركاء لباراك، وهما رشيد الملك، وهو إماراتي مقيم في الولايات المتحدة، وماثيو غرايمز، وهو موظف لدى باراك. ودار النقاش بين الاثنين بعد أيام من تنصيب حول إمكانية إقناع الإدارة الجديدة بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية. وكتب الملك لغرايمز في 23 يناير 2017: “سيكون هذا فوزاً كبيراً إذا استطعنا إدراجها في القائمة”.

وأتت المحاولة الفاشلة لتصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية بعد ثلاثة أشهر من كتابة باراك لمقالة رأي في مجلة Fortune، عرَّف خلالها الأميرين الإماراتي والسعودي بأنهما عضوان في جيل جديد “للقادة الشباب البارعين”. وجادل الملياردير حينها بأنه “على السياسة الخارجية الأمريكية إقناع هذين القائدين ذوي البصيرة بالميل صوب الغرب بدلاً من الشرق… وعبر دعم منصاتهم المناهضة للإرهاب في الخارج، فإن الولايات المتحدة تعزّز سياساتها لمواجهة الإرهاب في الداخل”.

كما سعى باراك إلى إقناع صناع السياسة الأميركية الجدد، تماشياً مع الفكر الإماراتي، بأن تهديد الإسلام السياسي لا ينبع فقط من النظام الديني الإيراني وسياساته الأمنية والدفاعية غير المتماثلة، بل أيضاً من الإخوان المسلمين والحكومة التركية الإسلامية. كما ردّد الدعاية الإماراتية للسعودية بعد صعود محمد بن سلمان باعتبارها حصناً ضد الإسلام السياسي.

وكتب باراك: “من المستحيل أن تتحرك الولايات المتحدة ضد أي جماعة إسلامية معادية في أي مكان في العالم بدون الدعم السعودي.. إنّ المفهوم المرتبك القائم على النظر للسعودية كمرادف للإسلام المتطرف يعتمد خطأً على الاعتقاد الغربي بأن (هناك تصنيف واحد ينطبق على كل الحالات)”.

إن رفض إدارة ترامب استثناء الإخوان المسلمين من دعمها للسياسة الإماراتية هو نتاج الاختلافات الموجودة داخل الحكومة الأمريكية والعالم الإسلامي، على الأرجح. ويشير محللون إلى أن بعض أعضاء إدارة ترامب خشوا أن يؤدي تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية إلى تقوية شوكة العناصر، التي تكن خوفاً وكراهية للإسلام والمسلمين في قاعدة دعم ترامب.

وبحسب دورسي، فإن مسؤولو الإدارة الأمريكية أدركوا أيضاً أن الإمارات، والسعودية، ومصر يشكلون أقلية في العالم الإسلامي، رغم أنهم أقلية قوية، في حربهم ضد الإخوان المسلمين.

وفي أماكن أخرى، كانت الفروع الأخرى من جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من الهيكل السياسي سواء عبر المشاركة في الحكومة أو عبر كونها جزءاً من المعارضة الشرعية. ويشمل ذلك مثل الكويت، والعراق، واليمن، والبحرين، والمغرب، والأردن، وإندونيسيا.

ودعمت هذه الفروع السياسة الأمريكية في بعض الأوقات أو عملت بشكل وثيق مع حلفاء الولايات المتحدة مثل حزب التجمع اليمني للإصلاح المتحالف مع القوات المدعومة من قبل السعودية.

على النقيض من الجهود الإماراتية الرامية إلى ضمان سحق الإخوان المسلمين حتى في ظل خطر تأجيج مشاعر الإسلاموفوبيا، فقد اختارت جمعية نهضة العلماء أن تواجه الفرع المحلي لجماعة الإخوان في إندونيسيا سياسياً وعبر إطار ديمقراطي بدلاً من الاستعانة بتكتيكات قسرية. وتعتبر جمعية نهضة العلماء واحدة من أكبر المنظمات الإسلامية في العالم ما لم تكن الأكبر على الإطلاق والتي تشارك الإمارات في رفضها للإسلام السياسي والإخوان المسلمين.

وتفتخر جمعية نهضة العلماء بتمكنها من تقليص نفوذ حزب العدالة والرفاهية، فرع الإخوان المسلمين في إندونيسيا، منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2009. وتمكنت نهضة العلماء من زرع الشقاق بين سوسيلو بامبانج يودويونو، الرئيس الإندونيسي حينها، وحزب العدالة والرفاهية، الذي كان شريكاً في تحالفه منذ انتخابات 2004 التي أتت به إلى الحكم.  وبفعلها هذا، أقنعت الجمعية يودويونو برفض تولي مرشح الحزب الإسلامي منصب نائب الرئيس في ولايته الرئاسية الثانية.

وشملت مناورات جمعية نهضة العلماء نشر كتاب يؤكد عدم إنهاء حزب العدالة والرفاهية لعلاقته بالجماعات المسلحة. ومنذ ذلك الحين، فشل الحزب في الفوز حتى بنصف ذروة عدد مقاعد البرلمان التي فاز بها في انتخابات 2004، والتي بلغت 38 مقعداً.

وقال ماغنوس رانستورب، الخبير في ملف الجماعات المسلحة: “إن نشر كتاب ( The Illusion of an Islamic State: The Expansion of Transnational Islamist Movements to Indonesia) كان له أثرٌ كبير على السياسة المحلية. فقد ساهم بشكل أساسي في تحييد فرص أحد المرشح للفوز بمنصب نائب الرئيس في حملة الانتخابات القومية لعام 2009، والذي كان على علاقة بالإخوان المسلمين”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/ في 24 يوليو 2021