وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نظرة فاحصة على قرار المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في “الوضع في فلسطين”

ICC
Photo: STRINGER Image / Shutterstock.com

في 20 ديسمبر 2019، أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بياناً قالت فيه إنها تنوي التحقيق في “الوضع في فلسطين.”

وخلصت فاتو بنسودا إلى أن جميع المعايير القانونية بموجب نظام روما الأساسي، وهي الآلية القانونية التي تحكم المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، قد تم الوفاء بها وأن المحكمة لها اختصاص على الأحداث في فلسطين.

تبرز قضية الاختصاص القضائي في هذه الحالة لأن وضع فلسطين كدولة ذات سيادة قد تم رفضه من قبل اللاعبين العالميين الرئيسيين، إذ جاء هذا على الرغم من تصويت الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012 الذي شهد تصويت 138 دولة عضو لصالح الاعتراف الفعلي بدولة فلسطينية ذات سيادة في الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤلفة من 193 عضواً.

وبصرف النظر عن قيام دولةٍ طرف بإحالة قضيةٍ ما، إلا إن الطرق الأخرى الوحيدة لتمكن المحكمة الجنائية الدولية من إجراء تحقيقٍ هي بإحالةٍ من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو في حال ارتكب طرف في نظام روما الأساسي الجرائم. ومع ذلك، إسرائيل ليست طرفاً في نظام روما الأساسي.

وبينما خلصت بنسودا إلى أن فلسطين دولة، وطرفٌ في نظام روما الأساسي، وبالتالي، يمكنها أن تطلب من المحكمة التحقيق في جرائم الحرب المزعومة، وطلبت من الدائرة التمهيدية الأولى أن تأذن بقرارها بفتح التحقيق بسبب “القضايا القانونية والوقائعية الفريدة والمتنازع عليها بشدة المرتبطة بالوضع.”

كما طلبت من المحكمة تأكيد أنها تستطيع ممارسة اختصاصها على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. كما قدمت حججها من أجل اعتبار فلسطين دولة وكذلك حججاً بديلة، إذا لم تقنع حججها الأولية الدائرة التمهيدية الأولى، بما في ذلك تخفيف المعايير في الحالات التي يُرفض فيها الحق المعترف به لتقرير المصير في إقليمٍ ما بسبب أفعالٍ تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.

وفي خطوةٍ استباقية، أصدر المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت مذكرة تفيد بأن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى الاختصاص للتحقيق في جرائم الحرب المزعومة في فلسطين.

وقالت بنسودا إن هناك أساساً معقولاً للاعتقاد بأن جرائم الحرب قد ارتكبت من قبل الجانبين خلال العملية العسكرية الجرف الصامد عام 2014. وفي الوقت نفسه، قالت إن حماس وغيرها من الجماعات المسلحة الفلسطينية ربما ارتكبت جرائم حرب وأنه ينبغي التحقيق في مسألة التوسع الاستيطاني والاستخدام غير المتناسب للقوة ضد المتظاهرين في غزة منذ عام 2018.

وعليه، استقبل قرارها بالثناء والإنتقاد، إلا أن أي إدانة ستدخل في صراعٍ مع المسائل الإجرئية وسياسة الواقع والوقت.

بدورها، أفادت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيانٍ إن ” فلسطين ترحب بالخطوة باعتبارها خطوة للمضي قدماً نحو فتح التحقيق الجنائي الذي طال انتظاره في الجرائم، بعد ما يقارب خمس سنوات من بدء الدراسة الأولية في الحالة في فلسطين.”

من جهته، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً قال فيه: “ليس للمحكمة الجنائية الدولية أي صلاحية لبحث هذا الموضوع. للمحكمة الجنائية الدولية صلاحية فقط لبحث قضايا ترفع من قبل دول ذات سيادة، ولكن لم تكن هناك أبداً دولة فلسطينية. لقد حول قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية المحكمة الجنائية الدولية إلى أداةٍ سياسية لتجريد إسرائيل من شرعيتها.”

ومضى بالطلب من الدول الأطراف في نظام روما الأساسي فرض عقوباتٍ على المحكمة.

في حين قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الولايات المتحدة لا تعتقد أن فلسطين تعتبر دولة ذات سيادة، مضيفاً أنها تعارض قرار المحكمة الجنائية الدولية “وأي عملٍ آخر يسعى لاستهداف إسرائيل بشكل غير عادل.”

بينما قال عمر شاتس، المحامي الدولي الذي مارس المحاماة في إسرائيل قبل عام 2014، لفَنَك أنه ينتقد قرار بنسودا. وقال “لم يكن من الضروري طلب إذن من المحكمة، من الناحية الإجرائية، فيما يتعلق بالاختصاص.”

بعد أن توصلت بالفعل إلى نتيجة مفادها أن فلسطين دولة، فإن السؤال عما إذا كانت على حق أم على خطأ يظهر عدم الثقة في فهمها للقانون وكذلك الشجاعة لتحمل النقد السياسي لاستنتاجها، بحسب قول شاتس. لذا، من وجهة نظره، حاولت تبرير عملية صنع القرار هذه.

ومن الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تلاحق فيها المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل بسبب جرائم حربٍ مزعومة. ففي قضية الغارة الإسرائيلية عام 2010 على أسطولٍ يحمل مساعدات إلى غزة والتي أسفرت عن مقتل تسعة مواطنين أتراك، رفضت بنسودا توجيه اتهامات، وخلصت إلى أنه “لا أساس وجيه يدفع إلى الاستنتاج بأن أي قضية محتملة قد تنجم عن هذا الوضع ستكون على قدر كاف من الخطورة.”

فقد سبق وناشدت فلسطين فتح تحقيقٍ من قبل المحكمة الجنائية الدولية في عام 2009 عن أفعالٍ ارتكبت منذ 1 يوليو 2002، حيث تعامل لويس مورينو أوكامبو، سلف بنسودا، مع القضية من خلال الاستعانة بمصادر خارجية من الأجهزة السياسية في الأمم المتحدة حول مسألة كون فلسطين دولة.

ومع ذلك، لاحظ شاتس أن الإطار الزمني والسياق مختلفان وأن “مسألة الدولة أمرٌ يتطور.” وبالطريقة نفسها، بينما يمكن أن تقول بنسودا إنها تنقذ الموارد المحدودة للمحكمة الجنائية الدولية في التحقيق إذا ما تم رفضها على أساس الاختصاص لاحقاً، فقد قال شاتس إنه إذا سُمع عن محاكمةٍ في المستقبل، فقد تكون الظروف مواتية أكثر للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، قد يكون لمتابعة التحقيق تأثير للحد من الأنشطة الإسرائيلية.

“كان بإمكانها أن تنقذ أرواح الناس، وكان بإمكانها تجنب إنشاء مستوطنات جديدة وضم مناطق في الضفة الغربية وتجنب جرائم حرب محتملة يمكن ارتكابها في الجولة المقبلة من العمليات العسكرية، فقط بمجرد حقيقة أنها [اسرائيل] ستكون قيد التحقيق الرسمي،” على حد تعبير شاتس.

أمام المحكمة 120 يوماً للتوصل لقرار، بيد أنه تم تجاوز هذه المدة لتجاوز المدعية العامة الحد الأقصى لعدد الصفحات في ملفها، مما يُجبرها على تقديم طلبٍ جديد. ومن المرجح أن يتم نشر القرار بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة في الثاني من مارس 2020.

يمكن للقضاة في الدائرة التمهيدية الأولى أن يحكموا أن فلسطين دولة، أو أنها ليست دولة أو أن المناطق المعنية في الضفة الغربية فقط كالمناطق “أ” و “ب” هي جزءٌ من الدولة الفلسطينية وأن المنطقة “ج” لا تخضع لاختصاص المحكمة، ذلك أنها تخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية. وبالمثل، لا تخضع غزة لسيطرة السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية، بل تحت سيطرة حماس التي تعتبرها العديد من الدول منظمة إرهابية.

القضية الأخرى التي ظهرت في بيان بنسودا هي مبدأ التكامل، الذي يُملي عدم اختصاص المحكمة إذا كان هناك عمليات محلية كافية تحقق في الجرائم المزعومة، وهو الأمر الذي قد تستخدمه إسرائيل كحجة.

كما طالبت بنسودا بـ”عملية تشاركية” للسماح بتقييم “مجموعة من وجهات نظر الأطراف ذات الصلة”.

وفي حال أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى قرارها بعدم اختصاص المحكمة، يمكن لفلسطين أن تحيل قضيتها إلى دائرة الاستئناف، التي ستستغرق عدة أشهر للتداول.

إسرائيل، بدورها، لن تكون قادرةً على الطعن في قرار المحكمة الجنائية الدولية لأنها ليست عضواً في المحكمة. وما إذا كان يمكن لطرفٍ ثالث صديق لإسرائيل وطرفٍ في نظام روما الأساسي أن يستأنف نيابة عن إسرائيل، يبقى مسألةً مفتوحة للنقاش.

وإذا ما أمكن الشروع بتحقيق بنسودا، فستجمع شهادة الشهود لإثبات الجرم بما لا يدع مجالاً للشك، وبعد ذلك يمكنها إصدار أوامر اعتقال لإجراء مقابلات إضافية.

فجميع الأطراف البالغ عددهم 123 طرفاً في نظام روما الأساسي ملزمين، من الناحية النظرية، بالتعاون مع مذكرات التوقيف، الذي من شأنه إعاقة قدرة المسؤولين الإسرائيليين على السفر دولياً.

إن الطريق إلى الإدانة بارتكاب جرائم خطيرة ربما تكون قد ارتكبت في الأراضي الفلسطينية هو طريق طويل ومن المرجح أن يمتد إلى ما بعد ولاية بنسودا كمدعي عام، والتي من المقرر أن تنتهي في يونيو 2021.