وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إتهام إيران بعمليات اغتيالٍ في أوروبا: ما الذي حصل ولمَ؟

Specials- National Council of Resistance of Iran
ناشطون في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يحملون لافتاتٍ كتب عليها “سلموا الدبلوماسي – الإرهابي الإيراني إلى بلجيكا،” خلال مظاهرةٍ تدعو إلى تسليم مسؤول بجهاز المخابرات إلى بلجيكا، أمام وزارة الخارجية الألمانية في برلين في 11 يوليو 2018. Photo AFP

اتهمت فرنسا إيران في الثاني من أكتوبر 2018، بالتخطيط لهجومٍ إرهابي على أراضيها، حيث كانت تنطوي المحاولة المزعومة على تفجير عبوةٍ ناسفة أثناء مظاهرةٍ لحركة مجاهدي خلق الإيرانية في باريس- وهي منظمة تتألف من المعارضة الإيرانية التي تخوض منذ أربعة عقودٍ نضالاً وهجماتٍ مسلحة داخل إيران. فقد ألقي القبض على زوجين إيرانيين بلجيكيين يحملان أجهزةً ومواد متفجرة في بلجيكا، أعقب ذلك اعتقالاتٍ لعددٍ من الإيرانيين في فرنسا وألمانيا – من بينهم دبلوماسي إيراني. وقال وزراء الخارجية والداخلية والمالية في فرنسا في بيانٍ مشترك إن مثل هذه المؤامرة “الخطيرة للغاية على الأراضي الفرنسية لا يمكن التغاضي عنها دون رد.” وعليه، جمدت فرنسا أصولاً مملوكةً للمخابرات الإيرانية ومواطنين إيرانيين كإجراءٍ عقابي. ومن الجدير بالذكر أن إيران لطالما انتقدت فرنسا لاستضافتها حركة مجاهدي خلق، المُدرجة على القائمة السوداء كمنظمةٍ إرهابية في إيران وبعض الدول الغربية. من جهته، يتعارض هذا الإتهام مع المسار الجديد الذي تسلكه العلاقات الإيرانية مع الإتحاد الأوروبي بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (المعروفة أيضاً بالإتفاق النووي الإيراني) ومن المتوقع أن يؤثر سلباً على العلاقات، فقد أدانت العديد من دول الإتحاد الأوروبي المؤامرة وقالت الولايات المتحدة أن هذا يثبت حقيقة أن إيران هي أخطر الدول الراعية للإرهاب.

وبعد شهرٍ من ذلك، أي في 31 أكتوبر 2018، اتهمت الدنمارك طهران بالتآمر لاغتيال أحد زعماء المعارضة على أراضيها، وقالت المخابرات الدنماركية إن الوكالة تعتقد أن إيران “كانت تخطط لشن هجومٍ في الدنمارك” ضد ثلاثة نشطاء – أعضاء في حركة النضال العربي لتحرير الأحواز. ووفقاً لمعلوماتٍ استخباراتية دنماركية، التقط رجلٌ صوراً لمقر إقامة زعيم حركة النضال العربي لتحرير الأحواز في مدينة رينجستيد، جنوب غرب كوبنهاغن. وفي أكتوبر، قُبض على الرجل في مدينة غوتنبرغ السويدية وتم تسليمه إلى الدنمارك. تعتبر حركة النضال العربي لتحرير الأحواز جماعةً انفصالية، حيث تم تشكيلها في عام 2005 كحركةٍ مسلحة ونفذت هجماتٍ وتفجيرات في إيران منذ ذلك الحين، إذ تُدرج إيران الجماعة على قائمة الجماعات الإرهابية بسبب هجماتها المسلحة داخل البلاد. وجاء الاتهام الدنماركي بعد أن أعلن متحدثٌ باسم الجماعة التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم المسلح على العرض العسكري في الأحواز في 22 سبتمبر 2018 – أن هذا كان مجرد إدعاء.

رفضت إيران الإتهامين، حيث ادعت أن هذه مجرد محاولةٍ لتلفيق التهم لإيران كوسيلةٍ لزيادة الضغط الأمريكي على البلاد. وعلاوةً على ذلك، كانت تمتلك طهران مجموعةً من الحجج فيما يتعلق بالحوادث المذكورة، وفيما يتعلق بمؤامرة باريس، اتهمت إيران حركة مجاهدي خلق بتلفيق التهمة برمتها، حيث طرحت إيران ثلاثة إشكالاتٍ رئيسية لدعم قضيتها فيما يتعلق بالحادث. فأولاً وقبل كل شيء، ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن بعض المتآمرين الذين تم اعتقالهم كانوا معروفين وأعضاء فاعلين في حركة مجاهدي خلق وأن مسؤولي الأمن الإيرانيين كانوا على أتم الاستعداد لتقديم المستندات والأدلة المطلوبة لتوضيح السيناريو المخطط مسبقاً من قبل حركة مجاهدي خلق.

وثانياً، وفقاً لهذه المعلومات، كان من المقرر تنفيذ التفجير المخطط له في وقتٍ كان فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني في جولةٍ أوروبية، والتي زار خلالها السويد والنمسا. ووفقاً للإيرانيين، لم يكن من المنطقي تنفيذ مثل هذه المؤامرة، والتي كانت ستحوّل الانتباه من الزيارة إلى تغطيةٍ إعلامية مناهضة لإيران. وقد أوضح وزير الخارجية الإيراني ذلك في تغريدةٍ قال فيها: “يا لها من مصادفة: في الوقت الذي نشرع فيه في زيارة رئاسية لأوروبا، تظهر عملية إيرانية مزعومة ويعتقل مدبروها. إيران تدين بشكلٍ قاطع كل أشكال العنف والإرهاب في أي مكان، وعلى استعدادٍ للعمل مع كل الأطراف المعنية للكشف عن هذه المؤامرة الزائفة الشريرة.”

النقطة الثالثة التي أثارها بعض المحللين الإيرانيين هي أن حركة مجاهدي خلق تُنظم مسيراتها السنوية في باريس منذ سنوات دون أي محاولةٍ إيرانية ضدها وأنه لم يطرأ أي جديد يجبر إيران على تغيير هذا المسار. في الواقع، إذا ما كان هناك أي شيء، ينبغي أن تكون المرحلة الحالية من العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن كون الضغوط الأمريكية على كليهما مقنعةٌ بما فيه الكافية لإيران للإمتناع عن مثل هذه الأنشطة، حتى أكثر من أي وقتٍ مضى.

أما فيما يتعلق بالمؤامرة الثانية في الدنمارك، فبالإضافة إلى تكرار نفس رواية القضية الأولى، اتهم المسؤولون الإيرانيون إسرائيل بتلفيق التهمة لإيران، حيث قام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بنشر تغريدةٍ قال فيها إن “المحاولات العنيدة للموساد لفبركة ملفاتٍ ضد إيران تجعلنا أكثر ثباتاً على التواصل البنّاء مع العالم.” فقد جاء هذا الاتهام نتيجة حقيقة أن وكالة المخابرات الإسرائيلية، الموساد، من أبلغت المخابرات الدنماركية عن القضية. كان لاتهام ظريف صدى جيد داخل إيران، حيث يعتقد الإيرانيون أن عدداً من دول الشرق الأوسط، بمن فيهم إسرائيل والسعودية، يحاولون تعقيد العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي من أجل الضغط على الأخير للالتزام بسياسة الرئيس الأمريكي ترمب المناهضة لإيران والمتمثلة في ممارسة “أقصى قدرٍ من الضغط.”

وعلى الرغم من أنهم يدعمون قضيتها، إلا أن أياً من الحجج الإيرانية تُكذب صراحةً الاتهامات التي قدمتها فرنسا والدنمارك. ووفقاً للوكالات الأمنية الفرنسية والدنماركية، المدعومة من قبل عددٍ من الدول الأخرى، فإن الأحزاب داخل إيران مسؤولةٌ بالفعل عن هذه المؤامرات. هذا التفسير هو انعكاسٌ للتحليلات التي تُفيد بأن الصراع الداخلي على السلطة في إيران لربما يكون المكان الذي من المرجح أن تتجسد فيه المؤامرات التي تم الإبلاغ عنها. وعلى وجه التحديد، هناك فصائل تعمل ضد إدارة روحاني، حيث تحاول إضعافها داخل البلاد من خلال تعقيد علاقات إيران مع الاتحاد الأوروبي – مما يضر بإنجازات السياسة الخارجية القليلة للغاية لإدارة روحاني بعد الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة. يتماشى هذا التفسير مع حقيقة أن إدارة روحاني لا تسعى إلى مواجهة الاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة، وأنه أيضاً، إذا ما كانت إيران متورطة، فمن المحتمل أن يكون للأمر علاقةٌ بشخصٍ آخر داخل إيران.

وعلى الرغم من أن المنطق القائم على الانقسام الداخلي والحملة المناهضة لروحاني داخل إيران يبدو أكثر وضوحاً للحافز الحقيقي وراء المؤامرات، إلا أن هناك حقائق أخرى تقف في الطريق. الأول والأهم هو أن وزارتين حكوميتين كانتا مرتبطتين بالمؤامرات التي أعلنت عنهما فرنسا والدنمارك. ففي القضية الفرنسية، ألقي القبض على دبلوماسي إيراني، يعمل في سفارة إيران في فيينا، في ألمانيا بسبب صلاته بالزوجين الإيرانيين البلجيكيين. بعبارةٍ أخرى، يبدو أن وزارة الخارجية الإيرانية، أو على الأقل البعض داخلها، على صلةٍ بالمؤامرة. وبالإضافة إلى ذلك، جمدت فرنسا أصول وزارة الاستخبارات الإيرانية باعتبارها العقل المدبر للمؤامرة. وفي القضية الدنماركية، ارتبطت المؤامرة أيضاً بوزارة الاستخبارات الإيرانية. وبعبارةٍ أخرى، وفقاً للاتهامات، فإن وزارتين من إدارة روحاني مسؤولتان عن المؤامرات.

ولهذا السبب بالضبط يعتبر هذا ترويجاً يصعب إقناع الناس به داخل إيران، فضلاً عن تردد صدى تلفيق طرفٍ ثالثٍ للقضية، هناك أيضاً. فلا أحد، بما في ذلك منتقدي روحاني، يعتقدون أن إدارته، بسياستها الخارجية الموالية للغرب، ستنخرط بمثل هذه المؤامرات. ولا يزال هناك احتمالٌ آخر خرج من داخل إيران: دور العناصر المارقة. ففي حين قد يعتبر هذا ما حصل بالفعل من الناحية النظرية، إلا أن حقيقة وقوع الحادثتين على التوالي تشير إلى أن إدارة روحاني إما راضية عن الأمر، أو أنها لم تتصرف ضد تلك العناصر المارقة بعد الحادثة الأولى لكشف الثانية قبل وقوعها. كلا التفسيرين ضربٌ من الخيال، إلا أن ما هو مؤكد أن إدارة روحاني عالقة بين سيناريوهين رئيسيين: الأول ينطوي على خططٍ خارجية (إسرائيل وحركة مجاهدي خلق) لتلفيق التهم لإيران والثاني، يتضمن عناصر مارقة داخلية تعمل ضد سياسة روحاني الخارجية. يحتاج كلا السيناريوهين إلى مزيدٍ من الدعم، ويجب إعادة تقيمهما مع كل معلومةٍ جديدة متاحة.