وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العلاقات الأمريكية الإيرانية في ظل إدارة ترامب: تصلب في المواقف من كلا الجانبين

Internationa Affairs-Donald Trump
رئيس الأمريكي دونالد ترامب يخاطب الجمعية العامة ال 72 للأمم المتحدة، نيويورك، 19 سبتمبر 2017. Photo AFP

وصف دونالد ترامب مراراً وتكراراً، طوال حملته الرئاسية، خطة العمل الشاملة المشتركة- التي تم التفاوض عليها قبل عامين من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وروسيا والصين للحدّ من البرنامج النووي الإيراني– بـ”أغبى صفقة على الإطلاق.”

وعلى الرغم من أنه لم يتمتع بالفهم الكافي للتعقيدات السائدة في الشرق الأوسط، إلا أن ترامب جعل من إيران سمةً من سمات جميع مناقشاته، تقريباً، حول السياسة الخارجية خلال حملته الإنتخابية. وبالتالي، لم يكن من المستغرب أن تصبح إيران على رأس قائمة أولويات السياسية الخارجية بعد توليه منصبه في يناير 2017.

وعلى الفور تقريباً، شكل ترامب فريقاً للسياسة الخارجية والأمن القومي يتشارك بتفسيراته بكون إيران بؤرة المشاكل التي يُعتقد أنها تقوّض المنطقة وتهدد المصالح الأمريكية. يرتكز هذا الولع بإيران، بشكلٍ جزئي تقريباً، على الاعتقاد بأن سياسة أوباما في الشرق الأوسط مكنّت طهران وأضعفت حلفاء الولايات المتحدة مثل اسرائيل والمملكة العربية السعودية.

باشر ترامب بالتحرك في الاتجاه المعاكس. وفي غضون أيام، وقع أمراً تنفيذياً يُقيد دخول الإيرانيين ورعايا ست دول أخرى ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الفور، ردت إيران بوقف التعامل بالدولار الأمريكي في البيانات الرسمية والتقارير المالية. وبالرغم من احتجاج إيران على إنتهاك هذه القيود لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن إدارة ترامب أصرت على معاقبة إيران.

وفي فبراير2017، غرّد ترامب عبر تويتر قائلاً “تم تحذير إيران رسمياً” بسبب سلوكها في المنطقة. وفي مايو 2017، تفاجأ بعض الأشخاص عندما قرر ترامب بدء جولته الخارجية الأولى من المملكة العربية السعودية. ومع نهاية الزيارة التي استمرت ليومٍ واحد، وقع البلدان صفقاتٍ اقتصادية بقيمة 380 مليار دولار، من ضمنها صفقة بقيمة 110 مليار دولار نظير توريد أسلحة أمريكية إلى المملكة، إذ بدى من الواضح الهدف الأمريكي المتمثل في مساندة موقف المملكة العربية السعودية أمام منافسها الإقليمي.

ومنذ تشكيل إدارته، حاول ترامب بكل قوته التقريب بين إسرائيل والدول العربية، وبخاصة المملكة العربية السعودية، لتشكيل تحالفٍ ضد إيران. وقال في تصريحاتٍ علنية في القدس، محطته الثانية في جولته الخارجية، “ما حدث مع إيران قرب أجزاءً كثيرة من الشرق الأوسط من إسرائيل.” ويمكن التماس عنصر الحقيقة في تصريحاته لسببين: أصبح مبدأ “عدو عدوي صديقي” أداة واضحة استخدمها ترامب للتقريب بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. كما أن الدفء بدأ يتسرب إلى العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل في ظل إدارة أوباما، إلا أنه شهد تسارعاً في ظل إدارة ترامب.

ولا تزال “صفقة إيران” الشغل الشاغل الرئيسي لإدارة ترامب. ففي يوليو 2017، اضطر ترامب للاعتراف رسميا أمام الكونجرس الأمريكي بمواصلة امتثال إيران لشروط الإتفاق. كانت تلك المرة الثانية التي يوثق فيها امتثال إيران ببنود الإتفاق منذ توليه منصبه، بيد أنه بدى من الواضح هذه المرة أنه يبحث عن مفر.

وفي الشهر نفسه، أمر ترامب أعضاء فريقه بالبحث عن “سببٍ” لوقف الإتفاق من خلال مراجعته في مدة تستمر 90 يوماً. وعليه، أقلق هذا العديد من المراقبين والخبراء. وادعى ديفيد كوهين، الذي شغل منصب نائب مدير وكالة المخابرات الأمريكية (سي أي إيه) في الفترة من 2015 إلى 2017، أن الإدارة كانت تقوم بجمع الأدلة الاستخبارية من أجل تعزيز موقفها للانسحاب من الإتفاق.

واتهم مجموعة من الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين، بمن فيهم جون كيري، نيكي هالي السفيرة الامريكية لدى الامم المتحدة، بالضغط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية للشروع في تفتيش المواقع العسكرية الايرانية بحثاً عن أنشطةٍ نووية دون أي دليلٍ واضح على وجود مثل هذه الأنشطة.

من جهته يرى المجلس الوطني الأمريكي الإيراني أدلةً متزايدة على محاولة الولايات المتحدة الانسحاب من طرفٍ واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة. وقد يخلق هذا مشاكل مع الدول الأخرى الموّقعة، التي لا تشاطر واشنطن الرغبة في خرق الاتفاق. وهذا بالضبط ما عبر عنه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون خلال مؤتمرٍ صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في لندن يوم 14 سبتمبر 2017.

ومع ذلك، بالكاد ردعت هذه العقبات ترامب، فقد فرض بالفعل عقوباتٍ جديدة على إيران بسبب برنامجها الصاروخي الباليستي، وقال مسؤولون كبار في الإدارة أنه يعتزم إعلان عقوباتٍ اضافية في الاسابيع القادمة.

وفي مطلع سبتمبر2017، أفيد أن ترامب يدرس استراتيجية تسمح باتخاذ ردود فعلٍ أمريكية أكثر عدوانية تجاه القوات الايرانية، ووكلائها الشيعة في العراق وسوريا، ودعمها للجماعات المسلحة. وبالفعل، أدت الضغوطات المتصاعدة من قِبل واشنطن إلى تمكين المتشددين في إيران، الذين يتهمون حكومة حسن روحاني المعتدلة بعدم قدرتها على التعامل مع موقف ترامب الأكثر عدوانية. ويمكن أن يُسهم ذلك في تصلب المواقف الإيرانية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، مما يهيىء المجال لمزيدٍ من عدم الاستقرار في المنطقة، إن لم يكن المواجهة المباشرة.