وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل بات النفوذ الإيراني في العراق أكثر انحساراً؟

Iraq- Muqtada al-Sadr
زعيم الشيعة العراقي ورئيس تيار الحكمة الوطنى عمار الحكيم (يسار) ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر يتحدثان إلى وسائل الإعلام خلال اجتماع في مدينة النجف العراقية في 17 مايو 2018. Photo AFP

كان غزو العراق عام 2003 من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نقطة تحولٍ في العلاقات بين إيران والعراق، ولم يتغير فقط ميزان القوى في المنطقة، ولكنه منح طهران أيضاً حريةً غير مسبوقة لممارسة السلطة في العراق. وخلال العقدين الأخيرين، كان يُنظر إلى العراق على أنه “دولة عميلة” للجمهورية الإسلامية، إلا أن هذا الوضع بدأ يتغير.

ففي أعقاب غزو صدام حسين للكويت عام 1990، لم تدعم إيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، إلا أنها استمرت في استضافة العديد من المنظمات السياسية الشيعية المعارضة للنظام العراقي. أصبح دعم هذه المنظمات فيما بعد رصيداً سياسياً لا غنى عنه لطهران. وفي أعقاب الإطاحة بصدام عام 2003، وصلت الأحزاب المدعومة من طهران إلى أروقة السلطة، كما أدى الواقع السياسي الناشىء في العراق إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.

وإلى جانب تعزيز نفوذها السياسي، وسعت إيران من دورها الاقتصادي في العراق، التي تشترك معها في حدودها البالغ طولها 1,458 كلم. وبحلول عام 2016، كانت إيران ثالث أكبر شريكٍ تجاري للعراق. كما يُعّد العراق ثاني أكبر وجهة للتصدير غير النفطي في إيران بعد الصين. وفي المتوسط، صدّرت إيران ما قيمته 6 إلى 6,5 مليار دولار من السلع للعراق سنوياً في السنوات الثلاث الماضية. وعلى العكس، بلغت صادرات العراق إلى إيران ما بين 50 و60 مليون دولار فقط.

وبعد عام 2003، كان ظهور المنظمات السُنيّة المتطرفة وسقوط الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، بيد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” نقطة تحولٍ مهمة أخرى في العلاقات الإيرانية العراقية. وعلى النقيض من الولايات المتحدة، سارعت طهران إلى الرد على التهديد الذي يلوح في الأفق، وقدمت الدعم الذي تشتد الحاجة إليه لكلٍ من الحكومة المركزية العراقية والمنطقة الكردية العراقية.

فقد كانت قوات الحشد الشعبي أحد الجهات الفاعلة الرئيسية في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وقوات الحشد الشعبي هي تحالفٌ حر من جماعاتٍ مقاتلوها إما مخلصين لقادة العراق الدينيين أو السياسيين، أو للحرس الثوري الإيراني. وفي عام 2014، أصدر المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني مرسوماً دينياً لمحاربة داعش. وقد تم تمكين العديد من المقاتلين من قبل إيران الذين لديهم بالفعل علاقة راسخة مع مختلف الميليشيات الشيعية التي كانت موجودة في العراق لسنواتٍ عديدة.

وعلى الرغم من تمتع إيران بصلاتٍ وثيقة بالعديد من الميليشيات الشيعية مثل لواء بدر، إلا أن جميع الفصائل الشيعية لا تدعم دور إيران في العراق. بل في الواقع، انتقد بعض رجال الدين الشيعة المؤثرين بشكلٍ صريح إيران ونظامها الديني السياسي. وفي 6 مارس 2018، اعتقلت قوات الأمن الإيرانية حسين الشيرازي في مدينة قم، حيث تعرض للضرب والإهانة أمام والده، آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي. وجاء اعتقال حسين نتيجة محاضرة ألقاها أمام طلاب إحدى حوزات الفقه في قم، حيث قارن بين ممارسات المرشد الأعلى الإيراني وممارسات الفراعنة المصريين المستبدين الذين لم يكونوا مسؤولين أمام أي أحد. وتعتبر عائلة الشيرازي إيرانية الأصل إلا أن لها جذوراً في العراق تعود إلى 150 عاماً. ويتمتع علماء الشيرازي بتأييدٍ واسع النطاق عبر المجتمعات الشيعية في العراق والشرق الأوسط بشكلٍ عام.

جاءت الضربة الأخيرة للنفوذ الإيراني بانتصار ائتلاف مقتدى الصدر السياسي في الانتخابات البرلمانية العراقية في مايو 2018. فقد كان رجل الدين الشيعي القومي منتقداً صريحاً لإيران والولايات المتحدة لسنوات، مما جعله يتمتع بشعبيةٍ لدى الملايين من الشيعة الذين يشعرون أنهم لم يستفيدوا من ارتباط حكومتهم الوثيق مع طهران أو واشنطن.

ولسنوات، تم تهميش الصدر من قِبل المنافسين المدعومين من إيران، إلا أنه استطاع أن يستفيد سياسياً من الفساد المستشري – على الرغم من أن أتباعه أيضاً أيديهم ملوثة بالفساد – وسوء الإدارة الاقتصادية لإعادة إنعاش منصبه. وعليه، تواصل مع الشيعة الفقراء، والمهمشين من السُنّة، وحتى الأحزاب العلمانية التي أرادت التغيير في بغداد. وعلى الرغم من أن ميليشياه السابقة، جيش المهدي، لعبت دوراً في الحرب الشيعية – السنية الدموية التي اندلعت في الفترة ما بين 2005-2006، إلا أنه تمكن من استعادة الروابط مع جيران العراق السُنّة الأقوياء مثل السعودية. وخلافاً لمنافسيه المدعومين من إيران، تجاوز الحدود الطائفية لتوسيع قاعدة مؤيديه وتوحيدهم بشكلٍ كبير حول القضايا الملموسة مثل الاقتصاد وجودة الحياة. وعلى الرغم من أنه لا يستطيع تشكيل حكومةٍ بمفرده أو أن يصبح رئيساً للوزراء، إلا أنه سيلعب دوراً مهماً في تشكيل مناخٍ سياسي جديد، الذي من المرجح أن يكون الاقوى في مواجهة النفوذ الإيراني.