وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الفساد يُقوّض النظام الإيراني، إلا أن الشهية نحو التغيير شبه منعدمة

علي خامنئي الفساد في إيران
صورة تم توزيعها من قبل مكتب المرشد الأعلى الإيراني في 30 أبريل 2018، والتي تُظهر آية الله علي خامنئي أثناء إلقائه خطاباً بمناسبة عيد العمّال.

يعتبر الفساد قضيةً رئيسية في إيران. وعلى الرغم من أن النخبة الدينية- السياسية تعترف بالمشكلة، إلا أنه لم تبذل جهودٌ تُذكر لكبح جماح هذا الوباء، الذي يؤثر على كل جانبٍ من جوانب الحياة السياسية والإقتصادية. واليوم، بات هناك هياكل شبيهة بالعصابات الإجرامية في مختلف قطاعات الاقتصاد، مثل قطاع السيارات، ونوادي كرة القدم، وواردات السكر، والعملات الصعبة. فالمحسوبية، والاختلاس من قِبل شخصياتٍ رفيعة المستوى، والفساد المستشري، إلى جانب الفجوة الضخمة في الدخل ما بين الأغنياء والفقراء، تهدد الركيزة الأساسية للجمهورية الإسلامية، بعد 40 عاماً على تأسيسها.

وعلى الرغم من أن الفساد مضّر لأي بلد، إلا أن له تداعيات خطيرة على إيران. ففي نهاية المطاف، وصل النظام إلى السلطة عام 1979 بتفويضٍ لتمكين الفقراء، ومحاربة الفساد، وإنشاء دولةٍ إسلامية لا تشوبها شائبة. ومؤخراً، قدرت وزارة المالية أن الشركات التي تستأثر بنسبة 20% إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني لا تدفع الضرائب. كما أن اقتصاد البلاد السري آخذٌ بالإزدهار. وتشير دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السري للبلدان النامية تعادل ما بين 35 و44% من الناتج المحلي الإجمالي. وهناك مقاييس مختلفة لحجم الاقتصاد السري الإيراني، حيث بلغت بعض التقديرات للنشاط غير المشروع ما يعادل 36% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبالتالي، ليس من المستغرب أن تصنف منظمة الشفافية الدولية إيران في المرتبة 130 من أصل 180 بلداً على مؤشر مدركات الفساد للعام 2017. وعلى الرغم من أن الفساد أصبح قضيةً ملحة، إلا أنه كان جزءاً من الواقع السياسي السائد لأجيالٍ عديدة. وحتى خلال الدولة البهلوية (1925- 1979) كان الفساد أحد القضايا الرئيسية. وبخاصة بعد عام 1973، عندما ارتفعت أسعار النفط، حيث ارتفعت أيضاً مستويات الفساد، مما خلق استياءً بين الطبقات الاجتماعية المهمشة التي أصبحت فيما بعد جنوداً للثورة. فعلى سبيل المثال، في عام 1958، أنشأ الشاه مؤسسة بهلوي باعتبارها مؤسسة خيرية معفاة من الضرائب. كانت هذه المؤسسة تمتلك أصول العائلة المالكة، والتي قُدرت في أوجها بحوالي 3 مليارات دولار. وغالباً ما وجهت لها تهمٌ بالفساد. وفي أعقاب الثورة الإسلامية في عام 1979، أعيدت تسمية المؤسسة إلى جمعية بونياد موستازافان “مؤسسة المضطهدين أو المعوزين،” وتضاعفت ممتلكاتها الاقتصادية أكثر من الضعف بعد مصادرة ممتلكات 50 مليونير وإضافتها إلى الوقف. واليوم، تعدّ واحدةً من أكبر الشركات التجارية في إيران وواحدةً من أكبر الشركات القابضة في الشرق الأوسط. ولا تزال معفاة من الضرائب، وهناك القليل من الشفافية حول أنشطتها الاقتصادية.

كما تشارك العديد من الكيانات الأخرى في أنشطةٍ اقتصادية واسعة، مستفيدةً من امتيازاتها غير العادلة والسلطة السياسية والثقافية للحصول على حقوقٍ اقتصادية حصرية. وتتضمن هذه الكيانات لجنة إمداد الإمام الخميني، والحرس الثوري الإيراني، ومؤسسة الشهيد، ومؤسسة آستان قدس رضوي، ومنظمة الباسيج المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. فالمحسوبية تجلب الولاء للنظام، والأهم من ذلك، للمرشد الأعلى علي خامنئي. فعلى سبيل المثال، عندما تم كشف النقاب عن قضية اختلاسٍ بقيمة 2,5 مليار دولار- التي تعدّ الأكبر في تاريخ البلاد- في عام 2011، طلب المرشد الأعلى من وسائل الإعلام عدم التطرق للقضية.

بيد أنه بينما تتذمر شخصياتٌ بارزة في الجمهورية بشكلٍ علني من الطابع المتوطن لمشكلة الفساد، إلا أنهم أنفسهم متورطين بقضايا فسادٍ كبرى. فعلى سبيل المثال، قال رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني: “هذه الجرائم [المالية] تتم تحت مظلة السلطة السياسية، مما يجعل من الصعب التحقيق فيها. وفي العديد من الحالات المتعلقة بالجرائم الاقتصادية، يمكن رؤية آثار أقدام المخابرات والشخصيات المؤثرة.” ومن المفارقات أن عائلة لاريجاني متهمة بالفساد المستشري. ففي عام 2013، خاطب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد البرلمان للدفاع عن أحد وزرائه ضد الاقالة. وعليه، استغل هذه الفرصة ليشغّل محادثة سُجلت بين شقيق لاريجاني ورجل أعمال بارز أدَّى إلى تورط أسرة بأكملها في الفساد.

الإمبراطورية التجارية للحرس الثوري الإيراني الفساد في إيران
المصادر: BBC, al-Arabiya

وبالمثل، أشار محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، إلى أن الفساد والفقر مصادر الشكوى الرئيسية ضد النظام. ومع ذلك، يعتبر الحرس الثوري الإيراني واحداً من أكثر المنظمات البعيدة كل البعد عن الشفافة في البلاد. فقد تأسس الحرس الثوري الإيراني في الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية لحماية الثورة، إذ عززت الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع العراق (1980-1988) موقعه السياسي والأمني. ومع ذلك، بعد الحرب، أصبح الحرس الثوري الإيراني متورطًا بشدة في الأنشطة الاقتصادية الرئيسية. فقد استفادت الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني، ولا سيما شركة خاتم الأنبياء للإعمار- شركة الهندسة والإعمار الرئيسية التابعة للحرس الثوري الإيراني- بشكلٍ كبير من برنامج خصخصة أحمدي نجاد. ففي عام 2006 وحده، عقدت شركة خاتم الأنبياء للإعمار صفقاتٍ بقيمة 7 مليارات دولار على الأقل في قطاعات النفط والغاز والنقل وغيرها من القطاعات.

وعلى صعيدٍ متصل، يُعتبر تهريب السلع، للتحايل على العقوبات الدولية، أحد أهم جوانب الاقتصاد السري الإيراني. ففي عام 2016، بلغ الحجم الإجمالي للسلع المهربة إلى إيران 15,5 مليار دولار، وفقاً لقاسم خورشيدي، المتحدث باسم الإدارة المركزية لمكافحة تهريب السلع والعمل الأجنبية. ويعتبر الحرس الثوري الإيراني المهرب الرئيسي في البلاد. ففي أوائل عام 2000، اشتكى مهدي كروبي، رئيس البرلمان السابق، من وجود موانىء غير مصرح بها تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني تستخدم لتهريب البضائع. كما وصف أحمدي نجاد، الذي كان يدعم في السابق الحرس الثوري الإيراني للحصول على امتيازاتٍ اقتصادية غير مسبوقة، الحرس الثوري بـ”إخواننا في التهريب.” ويسيطر الحرس الثوري الإيراني على كل الحدود الإيرانية بالإضافة إلى موانىء ومطارات وطرقات البلاد، وقد اتُهم باستخدامها لمصلحته الشخصية. كما أن قادة الحرس، الذين يمتلكون الكثير من العقارات في العاصمة طهران، متورطون في عمليات تهريب مربحة عبر الحدود.

فقد سبق وصرّح الرئيس روحاني، في بداية ولايته الأولى عام 2013، أن الفساد “تهديدٌ للأمن القومي.” ومع ذلك، تورطت عائلته أيضاً بالفساد، ففي عام 2017، تم اعتقال شقيق روحاني في قضية فساد، بالرغم من أن التهم كانت غامضة. كما واجه العديد من أقارب روحاني المصير ذاته.

وفي الآونة الأخيرة، قال المرشد الأعلى “الفساد كالتنين الذي له سبعة رؤوس. وليس من السهولة القضاء عليه، ولكنه من الأمور الصعبة التي يجب إنجازها بكل تأكيد،” وحثَّ جميع فروع الحكومة على مكافحة هذه الآفة. ومع ذلك، كشف تحقيقٌ أجرته رويترز لمدة ستة أشهر أن المرشد الأعلى يسيطر على “إمبراطورية مالية” تبلغ قيمتها حوالي 95 مليار دولار لا يشرف عليها البرلمان، وهو رقم أعلى بكثير من الثروة المقدرة للشاه الراحل.

يحدث كل هذا في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم القياسي. ويعني الحد الأدنى للأجور أن على معظم المواطنين أن يعملوا في عدة وظائف للبقاء على قيد الحياة، هذا وتستمر الفجوة في الدخل بين الأغنياء والفقراء في الاتساع. فقد أظهر تقريرٌ حديثٌ صدر في مؤتمرٍ عُقد في طهران بعنوان “القياس والتحليل الاقتصادي للفقر الحضري” أن ما بين 44,5% و55%من سكان الحضر في إيران يعيشون تحت خط الفقر. وعلاوة على ذلك، فإن 46% من النساء الإيرانيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً عاطلاتٍ عن العمل، كما يبلغ معدل البطالة بين الشباب ضعف معدل البطالة الوطني. وهذا يعني أن البلاد تعاني رسمياً من أزمة بطالة.

تسبب الفساد المستشري وقضايا الاختلاس على مستوياتٍ مرتفعة بخلق استياءٍ شعبي، إذ تُدرك النخب السياسية تنامي الغضب، الذي أدى بالفعل إلى احتجاجاتٍ واسعة النطاق، إلا أن الإصلاح الجذري أمرٌ غير محتمل. كما تستفيد قطاعاتٌ مختلفة من النظام، ولا سيما جهاز الأمن، من الوضع الحالي مقابل ولائهم. وفي الوقت الذي يواجه فيه النظام أزمة شرعية داخل البلاد وتهديداتٍ خارجية رئيسية، فإن ولاء الكيانات مثل الحرس الثوري الإيراني ضروريٌ لبقاء النظام. وعلى الرغم من أن الفساد المتفشي يؤدي إلى تقويض النظام ببطء، إلا أن هناك القليل من الرغبة في التغيير.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles