وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الجدل الدائر حول برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني

Iran- Mohammad Javad Zarif
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف (الثاني إلى اليسار)، ووزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون (يمين)، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان (يسار)، ووزير الخارجية الألماني هيكو ماس (الثاني يمين) – وزراء الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015 – والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية فيديريكا موغيريني (يسار) قبل اجتماع الاتحاد الأوروبي/ الدول الأوروبية الثلاث مع إيران في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 15 مايو 2018. Photo AFP

تم اعتماد خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، في شهر أكتوبر من عام 2015 بين إيران والاتحاد الأوروبي، ألمانيا والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. بموجب الإتفاق، تم التنازل عن العقوبات المالية المفروضة على إيران مقابل أن توقف إيران برنامجها لتطوير أسلحةٍ نووية.

في 8 مايو 2018، انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مع إعلانه انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، الصفقة لـ”صمتها شبه التام على برامج الصواريخ الإيرانية.” ومع ذلك، يدعو قرار مجلس الأمن الدولي 2231 إلى “عدم القيام بأي نشاط مرتبط بالصواريخ الباليستية المصممة لتكون قادرة على إيصال أسلحة نووية.” وبناءً على ذلك، على سبيل المثال، في 29 مارس 2016، نصت رسالة أمريكية وبريطانية وفرنسية وألمانية مشتركة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على إن “تجارب إيران الباليستية الأخيرة شملت صواريخ قادرة على إيصال أسلحةٍ نووية،” وبكونها “غير متسقة مع” و”في تحدٍ” لقرار المجلس 2231 ، في إشارةٍ إلى اختبارات الصواريخ الإيرانية.

على الرغم من أن قرار الأمم المتحدة 2231 قد ذكر برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، إلا أن ترمب كان محقاً في مسألتين، الأولى هو أن القرار لم يكن جزءاً من خطة العمل الشاملة المشتركة، والثانية هو أنه غير ملزم قانوناً لإيران. وبالفعل، صرح وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، مراراً وتكراراً بأن اختبارات الصواريخ الإيرانية لا تنتهك قرار مجلس الأمن رقم 2231. في الواقع، وبعد اتخاذ هذا القرار مباشرةً، أوضح ظريف وغيره من المسؤولين الإيرانيين أن إيران لن تقبل فرض أي قيودٍ على برنامجها للصواريخ الباليستية. السؤال هو: لماذا؟ بمعنى آخر، لماذا يشعر الإيرانيون بالحاجة إلى الاستمرار في إجراء اختبارات الصواريخ، على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لكبحها؟

بدأت إيران بتطوير برنامجٍ صاروخي كوسيلةٍ للردع في الثمانينيات، عندما أمطرت الصواريخ العراقية المدن الإيرانية. في ذلك الوقت، لم يكن لدى طهران سوى عدد قليل من صواريخ سكود بي للرد على هذا القصف. وخلال التسعينيات، ومع الحضور الأمريكي المهيمن في الشرق الأوسط، انتقل تصور إيران للتهديد من العراق إلى الولايات المتحدة وشمل إسرائيل. وبالتالي، أدى توفير ردعٍ فعّال ضد الولايات المتحدة والتهديدات الأخرى إلى دفع الاستراتيجيين الإيرانيين لمحاولة بناء برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. بدأ البرنامج بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي بإنتاج صواريخ قصيرة المدى تضمنت مع مرور الوقت فجر-1 إلى فجر-5، والتي يتراوح مداها بين 8 و80 كيلومتراً، بالإضافة إلى زلزال-1 إلى زالزال-3 بمدى يتراوح ما بين 150 إلى 250 كيلومتر، وفاتح-110 (200-300 كيلومتر)، وشهاب-1 (350 كيلومتر).

Iran Missile Range AR 3000
المصادر: Wikipedia, Al-Jazeera, GlobalSecurity/FAS, Center for Strategic and International Studies and AFP. اضغط للتكبير. @Fanack.com ©Fanack CC BY 4.0

بدأت إيران بتطوير صواريخ باليستية متوسطة وطويلة المدى بعد أن اشترت طهران عدداً من صواريخ سكود بي وبدأت عملية إعادة الهندسة، حيث أنتجتها تحت اسم شهاب-1 وشهاب-2 (500- 750 كيلومتر) وقيام-1 (700- 800 كيلومتر). فقد كان صاروخ شهاب-3 أول صاروخٍ باليستي طويل المدى في إيران، ويبلغ مداه 1300 كيلومتر، والذي وصل إلى 2000 كيلومتر بصاروخ من طراز شهاب1 أي آر. تمت إضافة صاروخ سفير (2000 كيلومتر) وبي إم-25 (2500 كيلومتر) وسجيل (2000-2400 كيلومتر) إلى الصواريخ الباليستيةالإيرانية في وقتٍ لاحق. لكن البرنامج الأهم كان تطوير إيران لسلسلٍة من صواريخ كروز، فقد كان صاروخ سومار واحداً من أول صواريخ كروز أرض-أرض بإيران والتي يصل مداها إلى 700 كيلومتر، لينضم له لاحقاً عددٌ من الصواريخ الأخرى، كان آخرها صاروخ هويزة بمدى 1200 كيلومتر. بالإضافة إلى ذلك، طورت إيران أنظمة دفاعٍ صاروخي مثل مرصاد، والتي تم تقديمها في عام 2016 وتلتها أنظمة أخرى مثل زهراء-3. إن تطوير البلاد السريع لمجموعةٍ واسعة من تلك الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز قد تسبب بشكلٍ تدريجي بإثارة القلق في المنطقة وخارجها.

لرؤية الوضع الإيراني من زاويةٍ مختلفة، ينبغي على المرء أن يأخذ بعين الإعتبار حجج كلٍ من إيران ومنتقديها. بادئ ذي بدء، يجادل الإيرانيون بأن المنطق وراء برنامج الصواريخ الباليستية في إيران دفاعي وأنهم بحاجةٍ إليه لردع الأعداء الإقليميين وكذلك التهديدات الأمريكية. وعلى الرغم من أن هذا المنطق مقبول، لربما يجادل المرء أنه حتى في ظل هذا المنطق، فإن الانتشار السريع للصواريخ الباليستية من قبل إيران يمكن أن يؤدي إلى سباقٍ إقليمي وبالتالي يسبب معضلةً أمنية من شأنها أن تعمل في نهاية المطاف بما يعارض هذا المنطق. نقطةٌ أخرى هي أن إيران يمكنها استخدام صواريخها الباليستية، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ضد خصومها الإقليميين، وبذلك تهدد السلام الإقليمي بطريقةٍ يمكن أن يتحول فيها صراعٌ محلي مثل الحرب اليمنية إلى صراعٍ إقليمي. أما النقطة الثالثة وهي أنه على الرغم من ما يقوله الإيرانيون، لا يمكن تفسير البرنامج على أنه دفاعي طالما استمرت إيران في تعزيز مدى صواريخها. وفي ظل انعدام الثقة، يُقال إن إيران ربما تطوّر صواريخ قادرةً على حمل رؤوس حربية نووية يمكن استخدامها في المستقبل بعد أفول شروط خطة العمل الشاملة المشتركة لحمل هذه الرؤوس الحربية.

من ناحيةٍ أخرى، يضع الإيرانيون حججهم الخاصة، فالنقطة الأولى في هذا الجدل الدائر أن إيران لا يمكن أن تكون القوة الإقليمية الوحيدة في الشرق الأوسط من دون صواريخ باليستية وأن تتهم بالتسبب في معضلةٍ أمنية عند محاولة الحصول عليها. في الواقع، إيران ليست أول فاعلٍ إقليمي يحصل على مثل هذه الأسلحة، فلدى إسرائيل، على سبيل المثال، أسلحةٌ نووية. النقطة الثانية للإيرانيين هي أن القوى الكبرى (الولايات المتحدة والصين وغيرها) قد زودت خصوم إيران بالفعل بالصواريخ الباليستية قبل أن تبدأ إيران حتى برنامج الصواريخ الباليستية. في الواقع، استخدم العراق الصواريخ الباليستية المستوردة ضد المدن الإيرانية خلال الثمانينيات، والمملكة العربية السعودية وإسرائيل وتركيا وغيرها حصلت عليها أيضاً قبل إيران. لذلك، يقول الإيرانيون، إن إيران ليست هي الطرف الذي يتحمل مسؤولية المعضلة الأمنية في الشرق الأوسط. ونظراً لأن خيارات إيران لإنشاء رادعٍ موثوق به محدودة، لا يمكن اعتبارها عنصراً مارقاً يضيف التوتر بإنتاج صواريخ باليستية.

إلى جانب ذلك، يجادل الإيرانيون أيضاً بأن إيران تركز على دقة صواريخها الباليستية بدلاً من تعزيز مداها. فقد حدد المرشد الأعلى لإيران الحد الأقصى بمسافة 2000 كيلومتر للصواريخ البالستية الإيرانية. وعلى هذا النحو، توصل أحد المستشارين لوزير الشؤون الخارجية الإيراني إلى الحجة التي تشير إلى أن الهدف هو، بالتالي، الردع وليس الهجوم – لأنه فيما يتعلق بالأعمال الهجومية، لا يحتاج المرء إلى هذا القدر من الدقة. هناك نقطة أخرى ناقشها الإيرانيون وهي أن خطة العمل الشاملة المشتركة أثبتت أن إيران لا تسعى خلف الحصول على سلاح نووي وأن البنود المتعلقة بأفول شروط خطة العمل الشاملة المشتركة لا تتعلق بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تعدّ أمراً دائماً. تجادل طهران أيضاً أنه نظراً لأن إيران قبلت خطة العمل الشاملة المشتركة كاتفاقية حظر انتشار الأسلحة من تلقاء نفسها وثبت أنه كان قراراً خاطئاً في ظل الانسحاب الأمريكي، فإذا ما قبلت بفرض قيودٍ على برنامج الصواريخ الباليستية باعتباره استراتيجيةً لنزع السلاح، فعندئذ ينبغي لمثل هذا الاتفاق أن يضم جميع الأطراف التي تمتلك مثل هذه الصواريخ في المنطقة أو تتقاسم الحدود مع إيران.

وبالتالي، كلٌ منهم يغني على ليلاه. وبالقراءة ما بين السطور، يمكن للمرء أن يلخص المواجهة على النحو التالي: 1) لأن العالم لا يزود إيران بصواريخ باليستية لتكون قادرةً على تحقيق التوازن وردع أعدائها الإقليميين، وتوفير إمكانية تطوير هذه الأسلحة، حشدت إيران الكثير من مواردها وطاقاتها للحصول عليها بمفردها. 2) لا يمكن للغرب أن يثق في إيران مع وجود برنامج الصواريخ الباليستية المتنامي وبسبب ذلك، يضغط على إيران للحد من برنامجها. 3) تحاول إيران، من خلال تعزيز قدراتها الباليستية، أن تثبت من ناحية أن السياسات الغربية تأتي بنتائج عكسية ويجب أن تتوقف، ومن ناحية أخرى تنشىء رادعاً موثوقاً به ضد خياراتها العسكرية ضد إيران. 4) تزايد الضغط الغربي، وخاصةً من الولايات المتحدة، بعد القرار الأمريكي بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة لإجبار إيران على فعل الشيء نفسه حتى يتسنى لواشنطن التوصل إلى إجماعٍ دولي لزيادة الضغط على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. 5) تتمسك إيران بسياساتها السابقة، إلا أنها تركز هذه المرة فحسب على تعزيز دقة صواريخها وعلى تطوير صواريخ كروز، والتي تهدف مرةً أخرى إلى ردع التهديد الأمريكي المتزايد. في الواقع، تنتهج إيران هذه السياسة على افتراض أن الهدف النهائي للولايات المتحدة يتماشى مع هدف إسرائيل: التخلص من برنامج الصواريخ الباليستية في إيران، وذلك لتيسير هجومٍ أمريكي -إسرائيلي مشترك في نهاية المطاف على المنشآت النووية الإيرانية.

يمكن أن يؤدي هذا المسار من الأحداث إلى مزيدٍ من التصعيد. لا ترى إيران خياراً آخر سوى التمسك بخياراتها الحالية للردع، بينما تريد الولايات المتحدة حرمان طهران من هذه القدرة التي يمكن أن تسبب المتاعب لواشنطن وسياستها الإقليمية. إلا أن الإيرانيين ينظرون إلى انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة كطعنةٍ في الظهر ولا يريدون تكرار نفس الخطأ فيما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية. لهذا السبب يجادل البعض بأن الإنسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي يتعارض مع سياستها لنزع السلاح. لذلك، كلما أصرت واشنطن على موقفها خلال العامين الماضيين، كلما عززت إيران من قدراتها. يمكن اعتبار هذه السياسة بحد ذاتها سياسة ردع. وفي هذا الصدد، قال العميد الإيراني حسين سلامي، نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني، في فبراير الماضي: “في حال سعى الأوروبيون أو غيرهم إلى التآمر من أجل نزع صواريخ إيران، فسيجبرنا ذلك على القيام بقفزةٍ استراتيجية،” كما رفض أي احتمالٍ لإجراء محادثاتٍ حول برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية مع قوى خارجية. بشكلٍ عام، يبدو أن مستقبل المجابهة يتوقف على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قادرةً على حشد الدعم الدولي لموقفها وما إذا كانت إيران ستقبل مثل هذا الضغط لوضع قيود على برنامج الصواريخ الباليستية.