وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

شن هجمات جوية أمريكية على برنامج إيران النووي ستزيد الطين بلّة

Donald Trump during press conference
صورة تم التقاطها صباح يوم ٤ نوفمبر ٢٠٢٠ ويظهر فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متحدثاً في ليلة الانتخابات من الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض بواشنطن دي سي. المصدر: MANDEL NGAN/ AFP.

Paul Keaveny
نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على تداعيات دراسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخيار شن هجمة عسكرية ضد إيران بسبب برنامج الأخيرة النووي. ويقوم صاحب المقالة كريستوفر بلوث، وهو أستاذ مختص في شؤون الأمن والعلاقات الدولية بجامعة برادفورد، بشرح التداعيات الإقليمية والدولية التي قد تحدث في حال مضي واشنطن قدماً في مثل هذا التوجه، معرّجاً في الوقت نفسه على الأسباب الرئيسية للصراع الاستراتيجي القائم بين الدولتين منذ أمدٍ طويل.

وقال بلوث إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلب من مستشاريه رفيعي المستوى دراسة خيارات شن ضربات جوية ضد المنشآت النووية الرئيسية في إيران، وفقاً لما نشرته مؤخراً صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية. وبحسب تقرير الصحيفة، فقد جرى اللقاء بين ترامب ومستشاريه بعد يوم واحد من إبلاغ المحققين عن ارتفاع كبير في مخزون إيران من المواد النووية. ونصح مستشارون بارزون بعدم اتخاذ هذا الإجراء محذرين من احتمالية تصعيد الصراع الإقليمي في المنطقة على نحو سريع.

ويرى بلوث أن هذا الموقف صنيعة أعمال إدارة ترامب. فالاتفاق النووي الموقع مع إيران (والمعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة) كان نتيجة مفاوضات طويلة قامت بسبب الانتهاكات الواضحة التي قامت بها طهران لمعادة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وبموجب الاتفاق، فُرِضت قيود صارمة على أنشطة تخصيب اليورانيوم في إيران لمدة 10 سنوات. وتخلت طهران عن مخزونها الكامل من اليورانيوم متوسط التخصيب بالإضافة إلى 98% من مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب.

بيد أن إدارة ترامب أعلنت عن انسحابها في ٨ مايو ٢٠١٨ من اتفاق خطة العمل الشامل المشتركة وفرضت عقوبات على إيران. وبحسب بلوث، لم يكن هناك جدوى من العقوبات الموجهة ضد برنامج الصواريخ البالستية، والعمليات العسكرية الإيرانية خارج البلاد، سيّما وأن إيران ظلت ملتزمة بالاتفاق النووي لبعض الوقت. وحافظت طهران على شروط الاتفاق حتى يوليو 2019، لكن أنها أعلنت رفضها لأي قيود على برنامجها النوي بعد قتل إدارة ترامب للواء قاسم سليماني في يناير 2020.

ولا يعني هذا القرار أن إيران ستبني سلاحاً نووياً. فهي لا تزال ملتزمة بكونها دولة غير نووية بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، سيّما وأن خرقها لهذا الالتزام وتحولها إلى دولة نووية يعني تعرضها لتداعيات جمة، من بينها خسارة أي تعاون تكنولوجي مع روسيا، ومنعها من الوصول إلى سوق اليورانيوم العالمي. كما أن طهران ستصبح هدفاً واضحاً للقدرات النووية الإسرائيلية والأمريكية.

وبحسب بلوث، فإن بعض الدول قد ترد على هذا الأمر بالتحول إلى الخيار النووي أيضاً. وإذا ما اعتبرت السعودية أنها لا تستطيع الاعتماد على الحماية الأمريكية، فإنها قد تلجأ إلى تطوير أسلحتها الخاصة بها، ما سيفتح الباب أمام انتشار الأسلحة النووية. ولجميع الأسباب السابقة، ستظل إيران على الأرجح ملتزمة بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

[/vc_column]

لا للتدخل العسكري

يحمل خيار اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران مخاطر عالية كما أوضح مستشارو ترامب له. وهنا لا بد من الإشارة إلى عدم وجود أي أساس في القانون الدولي يبرر استخدام القوة العسكرية ضد دولة لمجرد أنها تمتلك برنامجاً نووياً. ومن المستبعد أن يوافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران. كما أن تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى، الذي سيُفسر على الأرجح بأنه انتهاكٌ للقانون الدولي، سيكون لها تداعيات واسعة النطاق بالنسبة لمكانة الولايات المتحدة والنظام العالمي ككل.

وإذا ما قررت إيران الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، فإنه لن تكون هناك أدوات قانونية تمكننا من مراقبة إيران، ولن يكون هناك دعم دولي لاستخدام القوة. ولم يكن ترامب أو رئيس أمريكي يفكر في استخدام الخيار العسكري ضد برنامج إيران النووي، لكن القيادة العسكرية كانت توضح دائماً أن القوة الجوية وحدها لن تحقق الهدف. ربما يكون الغرض الرئيسي وراء طرح ترامب لفكرة شن هجمة عسكرية هو منع إدارة بايدن من إعادة تفعيل الاتفاق النووي.

وفي الوقت الذي قد تساهم فيه الضربات الجوية ضد المنشآت النووية الإيرانية في تأخير امتلاك طهران لأسلحة نووية، فإن ذلك لن يمنع حدوث هذا الأمر بشكلٍ كامل. ويرى بلوث أنه ليس بالإمكان وقف برنامج إيران النووي إذا قررت طهران التحول إلى خيار الأسلحة النووية إلا عن طريق غزو البلاد وتغيير النظام هناك. ولن تكون ردة الفعل هذه غير متناسبة مع الفعل الإيراني وحسب، بل ستفتقر أيضاً أي إدارة أمريكية للدعم السياسي الكافي لاتخاذ إجراء كهذا.
وبوصف إيران المسلحة نووياً بأنها خطرٌ مطلق لا يمكن قبوله، فإن النخبة السياسية في الولايات المتحدة تكون بهذا تحفر لنفسها حفرة كي تقع فيها نظراً لأنها تفتقر الوسائل التي تمكنها من التعامل مع هذا التهديد على نحو فعال. وبحسب بلوث، فإن السبب الرئيسي وراء الصراع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران يكمن في طبيعة النظام الإيراني، وقمعه لمواطنيه، وسياساته الخارجية العدوانية (من بينها توظيف الإرهاب). وبكلماتٍ أخرى، فإن الأمر يتعلق بالحوكمة المحلية، والاستخدام غير الشرعي للقوة لتحقيق المزيد من الأهداف السياسية.

ويقول بلوث: “إن حرص الولايات المتحدة على الحفاظ على بسط نفوذها القوي دولياً له ما يبرره، بيد أن الهدف الاستراتيجي للسياسة الأميركية يجب أن يتمثل في حث إيران على الالتزام بالقانون محلياً وعلى مستوى سياستها الخارجية، وهو ما يتضمن التخلي عن استخدام التهديد العسكري والإرهاب كأدوات دبلوماسية”.
ويختم بلوث مثالته بالتالي: “>الصراع الاستراتيجي مع إيران هو لعبةٌ معقدة وطويلة الأمد، ويتطلب الصبر والعزم. والملف النووي هو أحد أسباب هذا الصراع، لكنه ليس العامل الأكثر أهمية بكل تأكيد. تحتاج واشنطن إلى الاعتماد على أدوات القوة الناعمة إلا إذا لم يكن هناك خيار آخر فعلاً”.

ملاحظة
تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/ في 18 نوفمبر 2020.


ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

user placeholder
written by
Mattia Yaghmai
المزيد Mattia Yaghmai articles