وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

من المسؤول في لبنان؟ شرخٌ أمني بعد صفقة خروج داعش

Lebanon-Arsal
حافلات تنقل مقاتلين سوريين وعائلاتهم من شرق لبنان إلى الحدود السورية بعد هدنة مع حركة حزب الله، عرسال، لبنان، 14 أغسطس 2017. Photo STRINGER / AFP

على ما يبدو أن صفقة إجلاءٍ مثيرةٍ للجدل بين حزب الله، وهو حزبٌ سياسي وجماعة مسلحة لبنانية مدعومة من إيران، والنظام السوري تسمح للمئات من مقاتلي داعش وأسرهم بمغادرة منطقةٍ حدودية سورية- لبنانية، أسفرت عن نتائج عكسية.

فقد أدى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أواخر أغسطس 2017 إلى مواجهةٍ مع التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة في سوريا، وسط رواياتٍ متضاربة حول الأدوار التي لعبها حزب الله، والقوات المسلحة اللبنانية والحكومة السورية في العملية.

ففي 30 أغسطس 2017، شن التحالف ضرباتٍ جوية لعرقلة طريق قافلة مؤلفة من 17 حافلة تقل المقاتلين وعشرات اللاجئين المدنيين إلى مقاطعة دير الزور الشرقية الواقعة على الحدود مع العراق، المقاطعة السورية الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة داعش.

وقال بيانٌ للتحالف “التحالف وشركاؤه العراقيون لم يكونوا طرفاً في الاتفاق بين حزب الله اللبناني والنظام السوري وداعش للسماح لهؤلاء المقاتلين ذوي الخبرة بالعبور عبر الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام السوري إلى الحدود العراقية.” مؤكداً ان “داعش يشكل تهديداً عالمياً؛ إذ أن نقل الإرهابيين إلى مكانٍ آخر ليتعامل معهم شخصٌ آخر ليس بالحل الدائم.” كما عبر مسؤولون عراقيون عن غضبهم من الصفقة، وقال رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن الأمر “غير مقبول” ويشكل “إساءة للشعب العراقي.”

ونتيجةً لتدخل التحالف، تقطعت السبل بالقافلة في الصحراء السورية. وفي نهاية المطاف، عادت ست حافلاتٍ أدراجها. وقال مسؤولون في التحالف أنهم لم يقصفوا الحافلات بسبب وجود نساء وأطفال على متنها، كما تم تأمين الطعام والماء لهم.

غير أن المتحدث باسم التحالف صرّح لمجلة فورين بوليسي أن الطائرات الأمريكية كان تطلق نيرانها على مقاتلين منفردين حاولوا الفرار عبر الصحراء، أو في بعض الحالات عند مغادرتهم للحافلات لأخذ قسطٍ من الراحة.

وفي أواخر يوليو 2017، شن حزب الله هجوماً على نقطةٍ مركزية لهيئة تحرير الشام، وهو ائتلافٌ برئاسة جبهة فتح الشام، وهي جماعةٌ جهادية كانت تُعرف في السابق باسم جبهة النصرة وتتبع تنظيم القاعدة، على مشارف بلدة عرسال اللبنانية الحدودية.

انتهى الهجوم بصفقةٍ أسفرت عن عودة ما يصل إلى 9 آلاف مقاتل ولاجىء مدني إلى ما يُسمى “بالمناطق الآمنة” في سوريا، فيما فر آلافٌ آخرون إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها جبهة النصرة سابقاً في بلدة عرسال اللبنانية، التي عُزلت بشكلٍ أساسي عن باقي البلاد منذ أن شنت النصرة وداعش هجماتٍ على الجيش اللبناني هناك في عام 2014.

وفي صفقةٍ منفصلة بين حزب الله وسرايا أهل الشام، وهي جماعة متمردة تابعة للجيش السوري الحر الذي يعمل أيضاً في المنطقة الحدودية، تمت إعادة 3 آلاف مقاتل ولاجىء آخرين إلى سوريا.

وفي 19 أغسطس 2017، شن الجيش اللبناني هجومه ضد مقاتلي داعش في منطقتي رأس بعلبك وقاع المتجاورتين، بينما حارب حزب الله والجيش السوري الجماعة على الجانب الآخر من الحدود. وفي إطار اتفاق الإجلاء اللاحق، وافق تنظيم داعش على سحب مقاتليه وتقديم معلومات عن مصير تسعة جنود لبنانيين تم أسرهم في عام 2014، حيث عثر على جثث ثمانية جنود فيما بعد بالقرب من الحدود.

وأصر المسؤولون اللبنانيون على عدم تنسيقهم المباشر مع النظام السوري أو حزب الله. وقال المتحدث باسم الجيش، العميد علي قانصو، يوم شن الهجوم، أنه لم يكن هناك أي “تنسيق مباشر أو غير مباشر مع حزب الله والجيش السوري.”

ولكن بعد إعلان صفقة الإجلاء، بدا أن زعيم حزب الله يناقض هذه الرواية، حيث وصف النصر على داعش بـ”المعادلة الذهبية” للتعاون بين حزبه والجيش اللبناني والشعب اللبناني، كما اقترح إضافة الجيش السوري لهذه المعادلة. أثار هذا الاقتراح عاصفةً من الانتقادات من قِبل الفصائل السياسية اللبنانية المعارضة للنظام السوري.

وقال سمير جعجع، زعيم حزب القوات اللبنانية، أن التأكيد على تنسيق الجيش اللبناني مع حزب الله والجيش السوري “سيؤدي إلى إلحاق الضرر والأذى بالجيش اللبناني، داخلياً او خارجياً، حيث العديد من الدول التي تساعد الجيش بأشكال مختلفة ستعمد الى وقف دعمها في حال تبين انه ينسق مع حزب الله والجيش السوري.”ومن المرجح أن جعجع كان يُشير إلى الولايات المتحدة، التي قدمت ما يُقدر بنحو 1,5 مليار دولار دعماً للجيش اللبناني على مدى العقد الماضي.

وادعى نصر الله- الذي أشاع نظرية خلق الولايات المتحدة وإسرائيل لداعش لتحقيق أهدافهم الخاصة في الشرق الأوسط- في خطاب النصر أن الولايات المتحدة كانت تعارض العملية الحدودية وحاولت منع الجيش اللبناني من المشاركة.

ويبدو أن هذا الإدعاء يعارض حقيقة أنه قبل العملية، في 14 أغسطس 2017، سلمت الولايات المتحدة ثماني مركبات قتالية جديدة من طراز برادلي، وهي أول شحنة من إجمالي 32 مركبة، إلى الجيش اللبناني. وفي صفعة واضحة لحزب الله، قالت السفيرة الامريكية اليزابيث ريتشارد أن المساعدات كانت دليلاً على”التزامنا الطويل الأمد تجاه لبنان ودعمنا الطويل الأمد لجيشه، فقط الجيش اللبناني، فيما يحارب الإرهاب ويدافع عن حدود هذا البلد.” وأضافت “أن الجيش اللبناني يحتاج للحفاظ على مكانه الصحيح كموِّفر وحيد لأمن الشعب اللبناني واستقراره.”

وقال آرام نيرغيزيان، أحد كبار المحللين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لموقع Syria Deeply الإخباري، أن العملية الحدودية سلطت الضوء على “الخط الرفيع” الذي يتبعه حزب الله فيما يتعلق بالجيش اللبناني.

وقال “لا يستطيع حزب الله تحمل ألا يكون الجيش اللبناني قوةً مؤهلة ومحترفة قادرة على الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان في الوقت الذي يقوم هو فيه بعمليات انتشارٍ عسكرية لعناصره في سوريا وغيرها من الأماكن.” وأضاف “وفي الوقت نفسه، لا يريد حزب الله أن يكون الجيش اللبناني مؤهلاً بالشكل الذي يجعله يؤمن أنه الجهة الفاعلة المتفوقة للحفاظ على الأمن الوطني في لبنان، ولربما تقويض دور حزب الله في الأمن الوطني وثقة بعض اللبنانيين بالحزب بكونه حامي حمى المقاومة.”