وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السياسة المحفوفة بالمخاطر: هل يضع ترمب الولايات المتحدة على طريق الحرب مع إيران؟

Specials- trump
متظاهرون إيرانيون حول قناعٍ للرئيس الأمريكي دونالد ترمب خلال تجمع حاشد في طهران في 19 مايو 2019. Photo AFP

يُحيط بالذكرى السنوية الأولى لإنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الإتفاق النووي الموقع عام 2015 مع إيران عدم يقين جيوسياسي. فمنذ انتخابه في نوفمبر 2016، وضع الرئيس الامريكي دونالد ترمب العالم على مسارٍ لا يمكن التنبؤ به، وبالرغم من أن هذا المسار يبدو عشوائياً حتى الآن، إلا إنه يتخذ حالياً منعطفاً محفوفاً بالمخاطر. فالأحداث الأخيرة تدق ناقوس الخطر: في 12 مايو 2019، أصابت عمليةٌ تخريبية أربع سفن شحن على ساحل الفجيرة، ميناءٌ في الإمارات العربية المتحدة. وأعقب ذلك بيومين هجومٌ بطائرةٍ بدون طيار استهدفت محطتي ضخ للنفط بين الرياض وميناء ينبع في المملكة العربية السعودية. وعليه، ادعت جماعة الحوثي اليمنية الحليفة لإيران أن الهجوم كان رداً على “استمرار العدوان والحصار” من قبل التحالف الذي تقوده السعودية في صراع ذلك البلد.

وعلى الرغم من أن إيران أنكرت تورطها في هذه الأحداث، إلا أن الأحداث الأخيرة أثارت سلسلةً من الاستفزازات المتبادلة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، بناءً على التوترات المتصاعدة في الأسابيع السابقة. وقبل عامٍ تقريباً، سحب ترمب الولايات المتحدة من الصفقة النووية بحجة أنها لم تغطِ برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية وفشلت في معالجة دعمها للجماعات المسلحة والميليشيات في الشرق الأوسط.

ومنذ ذلك الحين، شددت إدارة ترمب قبضتها الاقتصادية تدريجياً على إيران، مما قوض صادراتها النفطية بشدة. وعلى وجه التحديد، أعلنت واشنطن في 22 أبريل 2019 أنها ستضع حداً للإعفاءات التي تسمح للهند وتركيا والصين بالاستمرار في شراء النفط من إيران دون مواجهة العقوبات الأمريكية.

وقبل أسبوعين، في 7 أبريل، أدرجت الإدارة الأمريكية الحرس الثوري الإسلامي الإيراني على قائمتها الخاصة بالمنظمات الإرهابية الأجنبية. والأهم من ذلك كله، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في 12 مايو أن بلاده ستنشر قواتٍ في الشرق الأوسط رداً على تهديدٍ من إيران، بيد أنه لم يقدم بولتون ولا نائب زير الدفاع، باتريك شاناهان، المزيد من التفاصيل حول طبيعة هذا التهديد.

ومع ذلك، رفض وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف احتمال نشوب صراع، وصرّح لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم 18 مايو، بقوله، ” لن تكون هناك حرب لأننا لا نريد الحرب ولا يملك أي شخص فكرة أو وهماً بأن بإمكانه مواجهة إيران في المنطقة.”

وخلال زيارةٍ قام بها إلى نيويورك قبل شهر، حذر ظريف من أن “متآمري الفريق ب،” والذي يضم بولتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد ونظيره السعودي محمد بن سلمان يهدفون إلى دفع إيران والولايات المتحدة نحو الصراع.

ومع ذلك، نأى ترمب بنفسه عن مستشاريه الأكثر إثارةً للحروب، وأصدر تأكيداتٍ بأنه لا يسعى إلى الصراع ويدعو إيران إلى تخفيف التوترات بين البلدين على طاولة المفاوضات. وبالرغم من هذه المحاولة لتهدئة الخطاب العدواني السابق رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني في 18 مايو دعوة ترمب للتفاوض، ووصفها بأنها “لا قيمة لها،” وأضاف أن إيران لن تذعن لأي شخص ينوي “التنمر” عليها.

وفي الوقت الراهن، واصلت إيران التزامها بشروط الصفقة النووية، على الرغم من الانسحاب الأمريكي. ولكن لربما يكون هذا على وشك الانتهاء: فقد أعلن روحاني في وقتٍ سابق من هذا الشهر أن إيران ستتراجع عن بعض التزامات الصفقة.

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد قال وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير خلال مؤتمرٍ صحفي إن المملكة تريد تجنب حربٍ في المنطقة لكنها سترد بكل “قوة وحزم” إذا اختارت إيران الحرب.

أما فيما يتعلق بالعملية التخريبة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن الدولة لم توجه أي أصابع إتهامٍ حتى الآن، في انتظار نتائج التحقيق. ومع ذلك، فقد اعترفت بـ”الوضع الصعب” الناتج عن “سلوك إيران.”

ووفقاً لما قاله علي فايز، مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية، فإن سياسة الولايات المتحدة تجاه الجمهورية الإسلامية تستند إلى افتراض أن إيران ستستسلم إذا ما تعرضت لضغوطٍ شديدة. قد يثبت أن هذا لا أساس له من الصحة، ذلك أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها إيران عقوباتٍ اقتصادية قاسية. ومع ذلك، فإن الآثار المترتبة على أحدث العقوبات جلية بالفعل، إذ تبلغ معدلات البطالة والفقر 12% و40% على التوالي. وعلاوةً على ذلك، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن التضخم قد يصل إلى 40% هذا العام. فالأدوية باهظة الثمن للغاية، كما توقف الكثير من الناس عن طلب العلاج.

وعلى الرغم من هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي المقلق، فلربما يكون بمقدور إيران الحفاظ على خطها الدبلوماسي على الأقل حتى الانتخابات الأمريكية القادمة في نهاية عام 2020. فقد تعلمت البلاد من تجربة إحباط العقوبات والبقاء على قيد الحياة. وعلاوةً على ذلك، أظهر الماضي أن إيران تدخل في مفاوضات جادةٍ فحسب عندما تتمتع بالنفوذ وبمركز قوة. فعلى سبيل المثال، في عام 2012، عندما كانت المفاوضات مع الولايات المتحدة لا تزال سرية، طورت إيران بالفعل “الآلاف من أجهزة الطرد المركزي النووية، وأطنان من اليورانيوم منخفض التخصيب، ومرافق لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، ومفاعل شبه مكتمل للمياه الثقيلة.” بالإضافة إلى ذلك، قام باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة آنذاك ، بإلغاء مطلب تغيير النظام من جدول أعمال الولايات المتحدة وقَبِلَ بإمكانية تخصيب إيران لليورانيوم على أراضيها.

ولربما تفسر أوراق المساومة غير الكافية اليوم سبب عدم استعداد القيادة الإيرانية للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة.

إن من المغري أن نقارن الوضع الحالي بالفكرة الأساسية للحرب على العراق عام 2003: الدوافع التي لا أساس لها من الصحة، والخطاب المانوي وجون بولتون. ومع ذلك، فإن التشبيه والمساواة شيئان مختلفان، كما أن المزيد من الأشخاص المعنيين بالسياسة الأمريكية يحذرون اليوم من التصعيد مع إيران. فقد أعربت إليز جوردان، وهي مساعدة سابقة في إدارة جورج بوش الابن، عن قلقها لعدم تعلم أي دروسٍ من حرب العراق. ومن بين التداعيات المهمة الأخرى، أسفرت الحرب عن مقتل ما لا يقل عن مليون شخص وزعزعة استقرار المنطقة وأشعلت الإرهاب الجهادي وكانت بمثابة أرضٍ خصبة للدولة الإسلامية.

إن إمكانية مهاجمة بلدٍ أكبر من العراق بأربعة أضعاف وثلاثة أضعاف سكانه في سياقٍ إقليمي يتميز بالحرب في سوريا واليمن يبدو أمراً بعيداً كل البعد عن الحكمة الجيوسياسية، بما في ذلك داخل الحزب الجمهوري.