وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل تمت أخيراً هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”؟

داعش سوريا
أفراد طاقم حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس هاري إس ترومان” يجهزون الطائرات المقاتلة على مدرج الطيران على سطح السفينة في شرق البحر الأبيض المتوسط يوم 8 مايو 2018. تشتمل فرقة الهجوم على طراد حامل لقذائف موجهة وأربعة مدمرات مزودة بصواريخ موجهة شنت هجوماً في 3 مايو ضد أهداف لداعش في سوريا. Photo AFP

في أكتوبر 2014، وصلت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على الأراضي في سوريا والعراق ذروتها. فقد سيطرت الجماعة المتطرفة المتفرعة عن تنظيم القاعدة على منطقةٍ تمتد من وسط سوريا إلى ضواحي العاصمة العراقية بغداد، بما في ذلك المدن الكبرى مثل الموصل والفلوجة وتكريت والرقة. وبدا أن الجماعة في طريقها إلى إقامة “الخلافة” لإنهاء نموذج الدولة ما بعد الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط. ففي أوج “دولة الخلافة،” حكم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أكثر من 10 ملايين شخص، واتخذ تدابير صارمة لمواصلة التوسع خارج معقله في العراق وسوريا. ومع ذلك، بحلول يونيو 2018، فقد داعش تقريباً جميع أراضيه في الشرق الأوسط. وقد تم قتل أو أسر العديد من جنود المشاة المحليين التابعين للتنظيم، كما تم القضاء على العديد من مقاتليه الأجانب أو إعادتهم إلى ديارهم. فهل يعني هذا نهاية داعش؟

تضمنت عملية تحرير الأراضي من داعش تحالفاً عسكرياً عالمياً غير مسبوق. ففي 3 ديسمبر 2014، اجتمع ممثلوا 59 دولة في مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، للتخطيط لإجراءٍ موحدٍ ضد داعش. وعلى الرغم من رغبة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، آنذاك، الانسحاب من الشرق الأوسط، إلا أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تم تشكيله مرةً أخرى للقيام بعملية عسكرية كبيرة في المنطقة، وهذه المرة ضد داعش. كانت التكاليف مرتفعة: فبحلول 30 يونيو 2017، أنفقت الولايات المتحدة وحدها 14,3 مليار دولار على العملية.

كما سارعت إيران، المنافس الإقليمي لأمريكا، إلى الانضمام إلى النزاع. ورغم أنها لم تكن جزءاً من التحالف، إلا أن فيلق القدس التابع لإيران، بقيادة الجنرال قاسم سليماني، انتشر في سامراء وبغداد وكربلاء. وفي أواخر سبتمبر 2015، شكلت روسيا والعراق وإيران وسوريا “مركزاً للمعلومات المشتركة” في بغداد لتنسيق العمل العسكري ضد داعش. كما أعلنت قوى إقليمية أخرى مثل السعودية الحرب على داعش. وفي 14 ديسمبر 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية أن 34 دولة مسلمة ستنضم إلى الحرب على الإرهاب.

وفي 9 ديسمبر 2017، أعلن العراق انتصاره على داعش ذلك أن الجماعة لم تعد تسيطر على أي أرضٍ في البلاد. وبصرف النظر عن منطقةٍ صغيرة، لم يعد تنظيم داعش يُسيطر على أي منطقةٍ في سوريا أيضاً. وعلاوة على ذلك، فإن الانخفاض الكبير في عمليات التحالف العسكرية ضد داعش لا يدل سوى على أن التنظيم لم يعد يُشكل نفس التهديد. فعلى سبيل المثال، في أبريل 2017، ألقت الطائرات الحربية الأمريكية أكثر من 3 آلاف قنبلة على داعش في كلٍ من العراق وسوريا. وبعد عام، تم إلقاء 254 قنبلة فقط على أهدافٍ لداعش، وهذا دليلٌ على مدى تغير الحرب. وفي الوقت نفسه، قُتل أكثر من 15 ألف مدني في غاراتٍ جوية عام 2017، بزيادة قدرها 42% في السنة. وليس هناك أدنى شك في أن هذه العمليات المعادية لداعش ستساهم في حد ذاتها في المزيد من التطرف والمشاعر المعادية للغرب في المجتمعات المتضررة.

ومع ذلك، وبينما تم إضعاف تنظيم داعش في الشرق الأوسط، إلا أنه ما زال يتمتع بحضورٍ كبير في أفغانستان. وبالطبع، لم يصل لكونه حركةً شعبية مثل حركة طالبان، التي تتمتع بقاعدةٍ اجتماعية كبيرة. ومع ذلك، فإن التنظيم على استعدادٍ لشن هجماتٍ ضخمة وقاتلة. فقد جعلت المؤسسات الأمنية الضعيفة وعدم الاستقرار السياسي والفساد المستشري من أفغانستان أرضاً خصبة لداعش. كما تنشط منظمات التمرد التابعة لداعش في كلٍ من شبه جزيرة سيناء المصرية وغرب إفريقيا.

وبعيداً عن أفغانستان، من المهم أن نلاحظ أن تنظيم داعش لا زال يستغل السوق السوداء والفساد المستشري في العراق لجمع ملايين الدولارات لتغذية تمرده. فعلى الرغم من الانتصار العسكري للحكومة العراقية، إلا أنه لم تتمكن حتى الآن من تقويض القدرات المالية لداعش. فقد استثمر التنظيم بما لا يقل عن 250 مليون دولار في الأعمال التجارية المشروعة في العراق. ويتم تشغيل هذه الشركات من خلال وسطاء محليين يتمثل دافعهم فحسب بالربح الاقتصادي الشخصي. ومن خلال هؤلاء الوكلاء، ينشط تنظيم داعش في قطاعاتٍ مختلفة مثل وكلاء السيارات ومحلات الإلكترونيات والصيدليات، والأهم من ذلك، صرف العملات. وعليه، تعترف السلطات العراقية بأنه تتم المئات من عمليات الصرف الصغيرة المرتبطة بالداعش في بغداد وحدها.

وبالرغم من هزيمة التنظيم على أرض المعركة، إلا أنه يواصل تكديس الثروات، مما يساهم في نهاية المطاف في عملياته داخل المنطقة وخارجها. فقد عاد الآلاف من مقاتلي داعش الأجانب ممن حاربوا في المعارك إلى ديارهم. وبالرغم من أن البعض منهم قد يشعرون اليوم بالإحباط من التنظيم، إلا أن البعض الآخر لربما لا يزال موالياً له. وهذا يعني أن لتنظيم داعش إمكانية الوصول إلى شبكة عالمية من الأشخاص المستعدين للموت من أجل القضية. وليس من المستغرب إذن أن مستوى التهديد الحالي للإرهاب الدولي في المملكة المتحدة والعديد من الدول الغربية الأخرى لا يزال مرتفعاً. ففي الأسابيع الأخيرة، نشر مؤيدو داعش ملصقاتٍ على الإنترنت وهددوا باستهداف منافسات كأس العالم في روسيا، الذي يعدّ أكبر حدثٍ رياضي في العالم.

فقد قُتل العديد من قادة داعش، ولكن وفقاً للمسؤولين العراقيين، لا يزال أبو بكر البغدادي على قيد الحياة ويُعالج في منشأةٍ طبية في شمال شرق سوريا بعد إصابته بجروحٍ بالغة في غارةٍ جوية. وعلى الرغم من أن هذه تعتبر ضربةً موجعة للتنظيم، إلا أنها لم تتسبب بشلله بشكلٍ دائم. في الواقع، أظهر تنظيم داعش أنه تنظيم انتهازيٌ للغاية، وإذا ما وجد أرضاً خصبة، فسرعان ما سينتعش من جديد. وعلى الرغم من أهمية القيادة القوية لاستمراريته، إلا أن داعش يزدهر بشكلٍ أساسي في مناخٍ من عدم الاستقرار السياسي.

فقد ظهر التنظيم في البداية في العراق نتيجة ضعف مؤسسات الدولة وانعدام الأمن وارتفاع الطائفية. كما استفاد من المظالم المحلية والغضب الشعبي، وحولها إلى قوةٍ عنيفة بقصد تدمير النظام السياسي واستبداله بنظامٍ مثالي.

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يستعيد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” نفوذه الذي كان يتمتع به في عام 2014، طالما استمر عدم الاستقرار السياسي وضعف مؤسسات الدولة، إلا أنه سيشكل تهديداً وشيكاً. ففي أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق في 12 مايو 2018، والتي شهدت انتصاراً مفاجئاً لتحالف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، إلا أن هناك بصيص أملٍ في توجهٍ سياسيٍ جديد قد يوفر بعض الاستقرار. ومع ذلك، لا يزال الوضع في سوريا غامضاً، فعلى الرغم من أن الرئيس بشار الأسد، بمساعدة روسيا وحلفاء آخرين، قضى على قوى المعارضة، إلا أن البلاد بعيدة كل البعد عن تحقيق الاستقرار المطلوب بشدة لردع تنظيم داعش ومنظمات متمردة مماثلة.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles