وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اسلاميَّو المغرب يفوزون بالانتخابات، إلا أن تشكيل حكومة ائتلافية قد يبدو صعباً

الانتخابات المغب
مواطن يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية في أحد مراكز الاقتراع في الدار البيضاء، المغرب، 7 أكتوبر 2016. Photo Jalal Morchidi

منحت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من أكتوبر 2016، والتي تعتبر الثانية من نوعها منذ استفتاء عام 2011 حول الإصلاح الدستوري، حزب العدالة والتنمية الإسلامي أغلبية مقاعد البرلمان (125 مقعداً من أصل 395، أي أكثر بـ18 مقعداً من انتخابات 2012). أما غريمه الرئيسي، حزب الأصالة والمعاصرة الذي يُعنى بالحداثة، فقد حصد 102 مقعداً، مكتسباً 55 مقعداً إضافياًعن الانتخابات الماضية، في حين شهدت أصوات حزب الاستقلال المحافظ، والحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية انخفاضاً حاداً.

ومن ناحيةٍ أخرى، لم يتم الاعتراض على النتائج، بل في الواقع، يُنظر إلى الانتخابات، من قِبل شريحة واسعة، بتمتعها بالشفافية وخلوها من الانتهاكات الخطيرة للديمقراطية.

وعلى الرغم من ذلك، كانت النتائج مفاجأة للكثيرين، وذلك بشكلٍ رئيسي لأن فوز حزب العدالة والتنمية لا يبدو أنه أعيق بإصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية التي لم تحظى بشعبية، والتي من بينها رفع سن التقاعد وإلغاء الدعم عن الوقود. وعلاوة على ذلك، توقعت معظم استطلاعات الرأي فوز حزب الأصالة والمعاصرة.

يمكن توليف تحليلات ردود الفعل المختلفة على النحو التالي: يرجع فوز حزب العدالة والتنمية إلى عدم وجود بديل، وضعف أو هرم الأحزاب الأخرى، وأيضاً، خلافاً للتوقعات، أثرت مقاطعة الانتخابات على الأحزاب الأخرى وليس على حزب العدالة والتنمية.

ويبدو أن عدم وجود بدائل يرتبط بالنظر إلى اعتبار حزب العدالة والتنمية حزباً غير فاسد في ظل فسادٍ مستشرٍ وأحزاب تدعمها الحكومة. كما نجح حزب العدالة والتنمية في حشد قاعدةٍ من الموالين المخلصين، فضلاً عن أن رسالة الحزب لمكافحة الفساد أتت ثمارها في الفترة التي تسبق الانتخابات.

وعلى صعيدٍ آخر، نجح حزب الأصالة والمعاصرة في جذب أعداد كبيرة من الناخبين، فأهم جزءٍ من جدول أعماله، مكافحة الأفكار المحافظة وتشجيع التقدم والحداثة. فضلاً عن ذلك، فإن الميزة الرئيسية لهذا الحزب أنه على الرغم من قربه من القصر، إلا أنه لم يتقلد قط السُلطة، وبالتالي يتملّك الناخبين فضول ليروا ما يستطيع الحزب تقديمه. ومع ذلك، لم يساعده الإقبال على المشاركة في الانتخابات، الذي، بنسبة 43%، كان أقل بكثير من التوقعات وأقل بـ2% عما كان عليه في عام 2011.

يمكن هنا تقديم عدة استفسارات. أولاً، خيبة أمل الشباب بالانتخابات، وهو أمرٌ طبيعي في المغرب. وثانياً، لم تعد السياسة بشكلٍ عام تتمتع بسمعةٍ طيبة، وبات يُنظر إليها باعتبارها وسيلة لإثراء الذات على حساب المصالح العامة. وثالثاً، هناك شعورٌ متزايد بأن الانتخابات لم تعد أداةً فعالة من أجل التغيير، نظراً إلى أن التغيير يأتي من الأعلى. ورابعاً، يُنظر إلى الانتخابات، إلى حدٍ كبير، باعتبارها سوقاً حرة للوعود التي تُنسى بسرعة مع إسدال الستار عنها. وأخيراً وليس آخراً، العديد من المواطنين لا يصوتون لأسباب شخصية، وهي أسبابٌ تتراوح ما بين رفضهم ممارسة حقهم بالتصويت، وصولاً إلى إعلان الاستقلال السياسي.

وفي المغرب، من يستفيد من الإقبال الضعيف؟ ففي ظل غياب تصنيف موثوق للناخبين أو استطلاعات الرأي العام المستقلة، يبدو أن الرابح الأكبر هو حزب العدالة والتنمية، الذي يمتلك جموعاً من الناخبين المنضبطين والموالين، على النقيض تماماً من اليسار المجزأ، الذي كثيراً ما اتهم بممارساته غير الديمقراطية.

عاملٌ آخر مهم هو وجود قوتين متعارضتين في السياسة المغربية: المحافظين- حزب العدالة والتنمية، والحداثيين- حزب الأصالة والمعاصرة. وهنا يُطرح السؤال عما إذا كان المغرب على أعتاب حقبة نظام الحزبين.

أياً كان الأمر، لم يعزز حزب العدالة والتنمية مكانته فحسب على الساحة السياسية، بل ضمن له أيضاً المزيد من المقاعد في البرلمان، ووسّع نفوذه من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية.

ولا يمكن للمرء أن يغفل عن مساهمة زعيم حزب العدالة والتنمية في صعود الحزب. فمنذ تعيينه رئيساً للوزراء في عام 2011، رسخ عبد الإله بن كيران صورة الرجل الذي لا تخلو من العفوية مع الرغبة بالعودة إلى شكلٍ من أشكال السياسة التي تضع المصلحة العامة أولاً.

فقد نجح في حشد مؤيديه واختار مشاركة الرأي العام، حتى أنه ذهب إلى حد البكاء علناً لكسب تعاطف ناخبيه. وعلاوة على ذلك، سعى نحو إجراء إصلاحاتٍ اقتصادية للحد من عجز الموازنة وعالج مشكلة الدعم الحكومي، على الرغم من عدم تمتعها بالشعبية.

أما بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة، وعلى الرغم من عدم قدرته التفوق على حزب العدالة والتنمية، فقد حقق نجاحاً كبيراً، وذلك بشكلٍ أساسي من خلال جذب الناخبين من أحزاب سياسية أخرى أصغر حجماً. فقد استبعد تحالفه مع الإسلاميين، إلا أنه تعهد بالبقاء ضمن المعارضة. وهذا يعني أن حزب العدالة والتنمية من المحتمل أن يحتاج إلى إرساء شراكةٍ مع ثلاثة أحزاب أخرى على الأقل لتأمين الأغلبية. السؤال الذي يتوجب طرحه على حزب الأصالة والمعاصرة اليوم هو؛ هل يستطيع مشروعه الحداثي الاستمرار في جذب الناخبين مع الحفاظ على أهداف توفير المزيد من فرص والمزيد من الأمل، على قيد الحياة؟

من منظورٍ وطني ودولي، تؤكد نتائج الانتخابات على صورة المغرب كبلدٍ قادرٍ على دمج مختلف القوى السياسية والقوى المحركة التي تولدها، وهذه الحقيقة غاية في الأهمية في منطقةٍ أصبح فيها العنف وعدم الاستقرار المعيار الطبيعي.