وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

البرلمان المصري يتحدى المحكمة الإدارية العليا ويوافق على نقل مُلكية الجزيرتين

Egypt-Red sea islands
عشرات المحامين يرددون شعارات في مظاهرة تندد بتسليم الجزر المصرية الى السعودية، القاهرة، مصر، 13 حزيران 2017. photo AP

وافق البرلمان المصري في 14 يونيو 2017 على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي ستنقل مُلكية جزيرتي تيران وصنافير على البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية، متحدية حكم المحكمة الإدارية العليا الذي ألغى الاتفاق في يناير.

جاء التصويت بسرعة بعد أن وافقت اللجنة التشريعية والدستورية ولجنة الدفاع والأمن الوطني فى البرلمان على الاتفاق وأحالته إلى الاقتراع العام. صوت نحو 400 نائباً لصالح الإتفاق، بينما صوّت 40 نائباً ضده.

جرى التصويت برفع الأيدي من قِبل أعضاء البرلمان، عوضاً عن الاقتراع بمنادة الأسماء الذي من شأنه تسجيل الأصوات، الذي حسب ما ذكر، جاء لإخفاء أسماء النواب في عملية التصويت.

وقد بدأت بالفعل التحضيرات لتسليم الجزر، فقد حظرت السلطات المصرية صيد الأسماك والغوص بالقرب من تيران الواقعة بالقرب من المنتجعات السياحية على طول البحر الأحمر في جنوب سيناء. وعارض النواب من جنوب سيناء الاتفاق علناً.

وقد أثار هذا الاتفاق انتقاداتٍ واسعة النطاق. فقد وجد المركز المصري لبحوث الرأي العام في مصر، بصيرة، غير المعروف باستطلاعات الرأي الانتقادية، أن 47% من المصريين يعتقدون أن الجزر جزءٌ من مصر، مقابل 11% يعتقدون أنها ملكٌ للمملكة العربية السعودية. ففي أبريل 2016، عندما أعلن عن الاتفاق لأول مرة، وجد مركز بصيرة أن 30% يعتقدون أن الجزر مصرية، و23% يعتقدون أنها سعودية.

وفي يوم التصويت، اندلعت احتجاجات على نطاقٍ ضيق أمام نقابة الصحفيين في وسط القاهرة، والتي سرعان ما فرقتها قوات الأمن. وغردت الصحفية المصرية أميرة الفقي أن المتظاهرين هتفوا “خبز وحرية والجزر المصرية،” في إشارةٍ إلى المطالب الثورية لعام 2011.

تم اعتقال ثمانية متظاهرين، حيث بلغ إجمالي الاعتقالات في أسبوع التصويت البرلماني 112، ليتم الإفراج عن 37 منهم، وفقاً لحملة الناشطين “الحرية للجدعان.” ومن الجدير بالذكر أن معظم المعتقلين أعضاء في أحزاب المعارضة أو صحفيين أو نشطاء.

ومع ذلك، تمتد جذور المعارضة للاتفاق بما يتخطى المجال السياسي. ففي يونيو 2017، وقع 180 من صانعي الأفلام عريضةً تُفيد بأن تيران وصنافير جزءٌ لا يتجزأ من أراضي الدولة المصرية.

وبعد فترةٍ وجيزة من إعلان الإتفاق، رفع المحامي والمرشح الرئاسي السابق، خالد علي، دعوى قضائية بالنيابة عن مجموعة من المواطنين الذين عارضوا الاتفاق. وفي يناير، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكماً نهائياً في القضية، وألغت الاتفاق، مما يضمن مصرية تيران وصنافير.

وفي أبريل 2017، ألغت محكمة أخرى، محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة، حكم المحكمة العليا. وقال المحامي مالك عدلي، وهو جزء من الفريق القانوني لعلي، لـFanack في وقتٍ سابق أن هذه المحكمة “أقل شأناً” ووفقاً للدستور لا تتمتع باختصاص المحكمة الإدارية العليا. وفي الأسبوع الذي أعقب الموافقة البرلمانية، قضت المحكمة الإدارية العليا بأن محكمة الأمور المستعجلة لا تتمتع في الواقع بأي اختصاصٍ بشأن القضية وأكدت إلغائها السابق للاتفاق.

كما رفع علي دعوى قضائية بوقف جلسات البرلمان، حيث حاجج بأن البرلمان لا يملك كلمة الفصل في القضية بعد أن صدر الحكم النهائي للمحكمة الإدارية العليا، أعلى محكمة في مصر، كما أن التصويت على سيادة تيران وصنافير يشكل تهديداً للأمن الوطني وسلامة الأراضي المصرية.

من جهةٍ أخرى، علي نفسه عرضة للمقاضاة. فقد اعتقل لفترةٍ وجيزة في مايو  2017ويواجه تهماً لقيامه بـ”ايماءات غير لائقة” في العلن. وذكرت تقارير أن القضية ما هي إلا محاولة لردع علي من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع عقدها في عام 2018، والتي أشار علي أنه يفكر بالترشح لها.

ورداً على موافقة البرلمان أعرب علي عبر منشورٍ على الفيسبوك، عن تشكيكه بقدرة النواب البتّ في الأمر بعد ثلاثة ايام من المناقشات، في حين استغرقت المحكمة عشرة أشهر للاستماع الى الخبراء وفحص الوثائق. وتعهد بعدم التخلي عن كفاحه من أجل الجزر، مشيراً إلى أنه ما زالت هناك وسائل لمنع نقل الملكية.

وعلى ما يبدو فإن معركة علي القانونية مستمرة، ومن المقرر أن تبت المحكمة الدستورية العليا في دستورية اتفاق الجزيرة في 30 يوليو 2017. فقد أوقفت المحكمة مؤقتاً جميع قرارات المحاكم الأخرى بشأن عملية النقل إلى أن تُصدر حكماً نهائياً. وإذا ما أصدرت هذه المحكمة حكماً يؤيد حكم المحكمة الإدارية العليا، وبالتالي ضد نقل مُلكية الجزر إلى المملكة العربية السعودية، سترتفع احتمالية المواجهة بين الحكومة والقضاء.

فهناك بالفعل مؤشراتٌ أن هذا ما سيحصل بالفعل، فقد أعربت لجنة تقدم المشورة للمحكمة الدستورية العليا عن تأييدها لقرار المحكمة الإدارية العليا.

فوسط محاكم مصر التي يُقدر عددها بعشرات الآلاف، وكما تصفها وكالة أسوشيتد برس، “هيكل السُلطة الضبابي في بعض الأحيان،” من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه مثل هذه المواجهة.

وعلى صعيدٍ متصل، تقع جزيرتي تيران وصنافير في موقعٍ استراتيجي في مضيق تيران، الذي يربط خليج العقبة بالبحر الأحمر. فقد كان إغلاق مصر لمضيق تيران أمام السفن الاسرائيلية عام 1967، مما فرض حصاراً فعلياً على مدينة ايلات الساحلية الاسرائيلية، سبباً كافياً لاسرائيل لشن حرب الأيام الستة.

إن التخلي عن الجزيرتين في سيناء حساسٌ على وجه الخصوص نظراً للحروب التي خاضتها مصر مع إسرائيل في شبه الجزيرة في عام 1956 و1967 و1973. وفي المناهج التعليمية “شديدة القومية” في مصر، تعتبر المعارك على سيناء عنصراً أساسياً في شعور مواطني البلاد بالفخر الوطني، والتضحية من أجل “الأرض”. فبالنسبة لكلٍ من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي والمصريين السياسيين كلياً، فإن التخلي عن الأرض قضية مزعجة للغاية.

وقد أثر إحباط المعارضة المصرية من اتفاق الجزيرتين على العلاقات السعودية المصرية. فمنذ الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين في عام 2012، تلقت مصر المليارات على شكل مساعدات من المملكة العربية السعودية، والتي تعتبر شريان حياة غاية في الأهمية بعد سنواتٍ من الاضطراب والركود الاقتصادي. كما تم إبرام صفقة جديدة للإمدادات النفطية مدتها خمس سنوات في مارس 2016، مدعومة بقرض مواتٍ من صندوق الدولة السعودي.

غير أنه في شهر أكتوبر 2016، توقفت الشحنات النفطية فجأة وشهدت العلاقات بين البلدان بروداً واضحاً، الذي ذكرت تقارير أنه يعود جزئياً على الأقل، إلى تأخر صفقة الجزيرتين. استؤنفت شحنات النفط في مارس 2017، وفي قمة الجامعة العربية في الأردن في الشهر نفسه، استعرض السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان صداقتهما أمام وسائل الإعلام.

وفي الوقت نفسه، تحرز المملكة العربية السعودية ومصر تقدماً فيما يتعلق بمشروع سيربط بين شبكات الكهرباء في البلدين عبر كابل بحري تحت خليج العقبة.

وعليه، وضع السيسي نفسه في موقفٍ غير مستقر، فمن أجل إرضاء جارته القوية وضمان الدعم المالي، يتوجب عليه إكمال اتفاق نقل ملكية الجزيرتين، ولكنه في الوقت نفسه يجافز بتنامي المعارضة الشعبية وسلطة قضائية تميل إلى العصيان في الديار.