وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إسرائيل تسحب الغطاء الأخلاقي عن قادة وسط أوروبا

إسرائيل الغطاء الأخلاقي أوروبا
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت “يمين” إلى جانب وزير الخارجية يائير لابيد، وذلك على هامش ترؤس الأول لأول الاجتماعات الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية الجديدة في القدس يوم ٢٠ يونيو ٢٠٢١. المصدر: EMMANUEL DUNAND/ POOL / AFP.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي على مدونته الخاصة مقالة سلط فيها الضوء على عدول وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد يائير لابيد عن السياسات الإسرائيلية السابقة التي غضت الطرف عمّا يقوم به قادة المنطقة الوسطى من أوروبا من محاولات لغسل أيديهم من إرث الهولوكوست.

ويبدأ دورسي مقالته بالإشارة إلى الحرب الكلامية التي أشعلها لابيد مؤخراً مع رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيكي. ويرى دورسي أن لابد أشعل تلك الحرب الكلامية لأهداف تتجاوز فكرة مقاومة محاولات وسط أوروبا لإعادة كتابة التاريخ وإرث المحرقة اليهودية “الهولوكوست”، ومداعبة القوميين المنتمين للتيار اليميني للجماعات المعادية للسامية.

وتمحورت هذه الحرب الكلامية حول مشروع قانون يجري مناقشته في البرلمان البولندي. ومن شأن مشروع القانون هذا تحويل مطالبة اليهود بالعقارات التي كانوا يمتلكونها قبل الهولوكوست إلى أمر مستحيل. واستهجن لابيد هذا القانون واصفاً إياه بـ “غير الأخلاقي”، محذّراً من أنه “سيضر بالعلاقات بين بلدينا بشدة”.

وواصل وزير الخارجية الإسرائيلية كلامه قائلاً: “إن ملايين اليهود قتلوا على تراب بولندا وما من قانون سيمحي هذه الذكرى. ليس لدينا أي اهتمام بالأموال البولندية وإن التلميح بهذا يعد معاداة للسامية. نحن نحارب من أجل ذكرى ضحايا الهولوكوست، لفخر أمتنا، ولن ندع أي برلمان يمرر قوانين تهدف إلى إنكار الهولوكوست”.

وبحسب دورسي، فإن الدفاع عن إرث الهولوكوست يمنح لابيد، بكل تأكيد، مكاسب بين الإسرائيليين ويهود الشتات، فهو يناور ليحل محل نفتالي بينيت كرئيس للوزراء في 2023 كجزء من اتفاق تحالفهم، أو كرئيس للحكومة عبر انتخابات مبكرة إذا ما انهار التحالف قبل أوانه.

ويمثل نقد لابيد اللاذع تحولاً عن سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، الذي أبدى استعداداً لمنح القوميين المستبدين والمنتمين إلى تيار أقصى اليمين في دول مجموعة فيشغراد – بولندا، والمجر، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا – غطاءً أخلاقياً وسياسياً لجهودهم الرامية إلى غسل أيديهم من تاريخ الحرب العالمية الثانية وتعاونهم، المتفاوت في درجته، مع النازيين لإبادة مجتمعات اليهود.

وبدا نتنياهو متعاطفاً مع الغرائز الاستبدادية لقادة دول مجموعة فيشغراد حتى وإن كان هذا يضع إسرائيل في موقف غريب يجعلها تغض الطرف عما يحدث أحياناً، ما لم يكن الدفاع عن إثارة المشاعر المعادية للسامية. وكان هذا جلياً عبر هجمات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على جورج سوروس، الليبرالي والمجري المولود والمحب لعمل الخير.

ويبدو نتنياهو أيضاً متعاطفاً مع معتقدات قادة وسط أوروبا المعادية للمهاجرين، فضلاً عن استعدادهم لتفريغ جوهر نظمهم الديمقراطية وتقليص حقوق الأقليات في بلادهم.

وربما كان نتنياهو يرى دول مجموعة فيشغراد باعتبارها حصناً ضد النقد الأوروبي لسياسته المتشددة تجاه الفلسطينيين. ويبدو أنّ لابيد يعتقد بأن زيادة التعاون مع الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر فاعلية.

ويضيف توقيت خطوة لابيد أهميةً لتحول سياسته عن النهج السابق نظراً للسياق العام المتمثل في انتصار جو بايدن على دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر الماضي. هذا السياق يشمل في الوقت نفسه الأداء الضعيف لمرشحي أقصى اليمين في الانتخابات الإقليمية في فرنسا وألمانيا، وتباطؤ الدعم الممنوع للشعبويين الإيطاليين بالإضافة إلى قادة وسط أوروبا مثل أوربان ومورافيكي.

ويقول دورسي: “عبر مواجهة المراجعات الفكرية لوسط أوروبا، لا يستعيد لابيد فحسب جزءاً من نزاهة ادعاء إسرائيل بأنها ملاذ آمن لليهود، حتى وإن كان هذا الادعاء يواجه علامات استفهام بسبب صراعها الذي لم يحل مع الفلسطينيين. بل إنه أيضاً يراكم الضغط المفروض على قادة وسط أوروبا في الوقت الذي يشدد فيه بايدن على أن التحالفات الديمقراطية تمثل حجر أساس في سياسته الخارجية، وفي ظل ما يقوله بعض قادة غرب أوروبا لأقرانهم في وسط أوروبا بأن عليهم الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي مثل استقلال القضاء والإعلام بالإضافة إلى حقوق الأقليات، وخاصة المتعلقة بحقوق الجنس والنوع الاجتماعي أو ترك الاتحاد”.

ويتزامن ابتعاد لابيد عن حلفاء نتنياهو السابقين مع تصريحه بأن إسرائيل ستتخلى عن سياسة رئيس الوزراء السابق المتمثلة في الاصطفاف الحزبي مع الجمهوريين في الولايات المتحدة لأنها تضعف الدعم الديمقراطي أو دعم الحزبين لإسرائيل.

وحاد نتنياهو عن السياسة الإسرائيلية التقليدية المتمثلة في ضمان حصول إسرائيل على دعم كلا الحزبين في واشنطن. وبدلاً من هذا، ربط إسرائيل بترامب وحزبه الجمهوري بسبب دعمهم غير النقدي للسياسات الإسرائيلية المتشددة.

واعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وبضم الأخيرة لمرتفعات الجولان التي احتلتها من سوريا خلال حرب 1967. كما أنه طرح خطة لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، تمنح دعماً كاملاً لسياسات نتنياهو على حساب الفلسطينيين.

وقال لابيد لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقاء في روما: “حدثت أخطاء خلال السنوات القليلة الماضية. وتضرر موقف إسرائيل من الحزبين. سنصلح هذه الأخطاء معاً”.

سياسة لابيد الرامية إلى الحصول على دعم كلا الحزبين في الولايات المتحدة لا تنطوي على نهجٍ أكثر اعتدالاً تجاه السلام مع الفلسطينيين. ويعود السبب في ذلك إلى تحالفه مع بينيت المعارض لقيام دولة فلسطينية مستقلة والمؤيد لسياسة الاستيطان الإسرائيلي.

بيد أن هذا يعني تبنّي سياسة أقل استفزازاً في ظل وجود إدارة أمريكية تحافظ على دعمها لحل الدولتين حتى وإن لم تستثمر الجهد السياسي، والوقت، والطاقة لتحقيق هذا الهدف.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “في غضون ذلك، قد يكون من المبكر للغاية التخلص من الشعبويين والقوميين سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا. ورغم هذا، فإن الانتصار الانتخابي الأخير لبايدن، والانتكاسات الانتخابية في أوروبا وانتهاء الغطاء الإسرائيلي الممنوح لقادة وسط أوروبا، الذين يريدون إجراء مراجعات فكرية وتاريخية لفترة الحرب العالمية، يجعل القادة في آسيا، مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، يبدون مسيطرين على الموقف أكثر من نظرائهم الغربيين”.

 

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/ في 4 يوليو 2021