وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إسرائيل توسع استراتيجيتها تجاه إيران وسط اضطرابات اجتماعية محتملة في الجمهورية الإسلامية

إسرائيل توسع استراتيجيتها
صورة تم التقاطها لإسرائيلي من أصول إيرانية وهو يحمل علم إيران في حقبة ما قبل الثورة الإسلامية إلى جانب العلم الإسرائيلي في تل أبيب. المصدر: JACK GUEZ / AFP.

نشر الصحفي المعروف جيمس دورسي مقالة على مدونته سلط فيها الضوء على استراتيجية إسرائيل تجاه إيران وكيف أنها توسعت لتشمل خيارات الحرب الإلكترونية تمهيداً لتسديد ضربة عسكرية محتملة. ويقوم دورسي، وهو باحثٌ بارز في معهد دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، بتناول المحاولات الإسرائيلية في هذا الخصوص، في وقت يواجه فيه الداخل الإيراني تهديد الاضطرابات الاجتماعية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

ويبدأ دورسي مقالته بالإشارة إلى وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لاستراتيجية إسرائيلية موسعة لمواجهة إيران، ويبدو أن هذه الاستراتيجية تتجاوز توجيه ضربة عسكرية محتملة ضد المنشآت النووية للجمهورية الإسلامية.

وبدا أن بينيت لا يسترشد فقط بالقلق بشأن تداعيات العمل الإسرائيلي أحادي الجانب، بل أيضًا بالمخاوف المتزايدة على ما يبدو في طهران من احتمالية أن تشعل الصعوبات الاقتصادية انفجاراً اجتماعياً.

وقال جوناثان ليس، الصحفي في صحيفة هآرتس: “يتثمل نهج بينيت الجديد في اتخاذ إجراءات تدريجية في محاولة لاستنفاد قوة إيران، وإرهاقها وإضعاف الطاقة العنيفة التي ترسلها إلى فروعها في الشرق الأوسط”.

وتستمد الاستراتيجية الموسعة جذورها، ولو جزئياً، من الاعتقاد بأن العقوبات الأمريكية القاسية عمقت من محن إيران الاقتصادية، لكنها أيضًا نتيجة لسوء الإدارة الاقتصادية الجسيمة، والفساد المستشري، وتكلفة دعم التدخل الإيراني في سوريا والميليشيات في لبنان والعراق واليمن. تأمل إيران في أن يؤدي رفع العقوبات الأمريكية كجزء من اتفاق في فيينا إلى تخفيف حدة مشاكلها الاقتصادية.

وبدا أن استراتيجية إسرائيل ترتكز حتى الآن على توجيه ضربة عسكرية محتملة ضد منشآت نووية إيرانية، وهو ما يستعد له الجيش الإسرائيلي.

وشكك محللون عسكريون في مدى فعالية الضربة الإسرائيلية في تدمير القدرة النووية الإيرانية. علاوة على ذلك، قد تواجه إسرائيل انتقادات دولية شديدة، بما في ذلك من جانب الولايات المتحدة، إذا قامت بضربها من جانب واحد بمجرد نجاح محادثات فيينا في إحياء الاتفاق النووي.

وكرر بينيت الشهر الماضي قوله بأن إسرائيل لن تكون ملزمة بأي اتفاق نووي مع إيران وستواصل اعتبار نفسها حرة في التصرف “دون قيود” إذا لزم الأمر.

يأتي ذلك في الوقت الذي حذر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي المشاركين في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لعام 2022 من أن “الاستثمار في إيران ليس استثمارًا سليماً سواء كانت هناك صفقة أم لا”، معلّلا ذلك بأن اقتصاد إيران في حالة تدهور. وفي هذا السياق، يضيف بينيت: “الريال آخذ في الانخفاض. إنهم غير أكفاء لدرجة أنهم غير قادرين على إيصال المياه إلى الصنابير في مساحات شاسعة من الأراضي، على سبيل المثال، في منطقة أصفهان”.

وبحسب دورسي، فإن الاعتقاد بأن الدخول في حرب استنزاف مع إيران قد يرهقها اكتسب زخماً على الأرجح مع تسريب ملخص من سبع صفحات لاجتماع عقد في نوفمبر الماضي. وفي الاجتماع، حذر كبار قادة الحرس الثوري الإسلامي من أن المجتمع الإيراني في “حالة انفجار”، على حد تعبير السيد محمدي، الذي عُرِّفَ بأنه مسؤول في جناح المخابرات بالحرس الثوري.

وزاد من أهمية خطورة التحذير حقيقة أن الاجتماع عقد بواسطة “مجموعة عمل تابعة للحرس الثوري والمعنية بمنع حدوث أزمة أمنية متعلقة بتلبية الاحتياجات الأساسية للمعيشة”.

وجادل محمدي بأن ارتفاع التضخم؛ وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والسيارات؛ وانخفاض أسعار الأسهم “هز ثقة عامة الشعب” في حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي بعد شهور فقط من توليه السلطة.

ونظم المساهمون الشهر الماضي احتجاجاً أمام بورصة اسطنبول، نددوا فيه بالسيد رئيسي ووصفه بـ “الكاذب”، ورددوا هتافات “الموت لهذه الحكومة المخادعة”.

وقال مستشار قانوني واقتصادي إيراني إن الملايين من صغار المستثمرين تكبدوا في الآونة الأخيرة خسائر فادحة في البورصة الإيرانية.

وأضاف: “لقد شهدوا على ضياع جزء كبير من مدخراتهم… عندما تجد صاحب المتجر في الزاوية يتحدث عن سوق الأسهم، فأنت تعلم أنك في مرحلة متقدمة من الفقاعة. لذا، فإن الناس ينقلون الأصول إلى الخارج ويشترون العقارات في الخارج”. والإيرانيون من بين أكبر مشتري العقارات السكنية في تركيا.

ورجح المستشار أن تقود الميزانية المقترحة للحكومة الإيرانية إلى تأجيج الاضطرابات في العالم المقبل. وتزيد الميزانية بشكل كبير من الإنفاق على الحرس الثوري والجيش على حساب الإنفاق الاجتماعي. علاوة على ذلك، فإن زيادة رواتب موظفي الحكومة بنسبة 10% تقل كثيراً عن معدل التضخم المتفاقم في إيران والذي يقدر بنحو 40%.

ووفقًا للوثيقة المسربة، أخبر العقيد كافياني الحاضرين في اجتماع الحرس الثوري أن التضخم الحقيقي يتراوح بين 86 و268%.

وبحسب بعض المسؤولين الإيرانيين، فإن سلسلة الهجمات الإلكترونية الأخيرة، التي استهدفت شركات الطيران، والسكك الحديدية، ومحطات الوقود، والجامعات، ومحطات البث الحكومية الإيرانية، جزءٌ من جهد إسرائيلي للاستفادة من السخط الاجتماعي الواسع النطاق وتغذيته.

وقال آخرون إن الهجوم على الإذاعة والتلفزيون الإيراني الذي تديره الدولة ربما لم تنفذه إسرائيل، بل كان محاولة لمتشددين إيرانيين لتقويض موقف المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون، بيمان جبلي، الذي يتهمونه بأنه غير محافظ بدرجة كافية. وفي كلتا الحالتين، فإن الهجوم والحوادث الإلكترونية الأخرى المحتملة سوف تخدم أغراض إسرائيل حتى لو لم تكن هذه الأخيرة مسؤولة بشكل مباشر عنها.

يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه محللون إن الهجمات تشكل توسعًا في استهداف إسرائيل للمواقع العسكرية والنووية الإيرانية نحو حرب إلكترونية أكثر شمولاً على البنية التحتية المدنية بالإضافة إلى حرب المعلومات المتصاعدة.

وفيما بدا كرد على هذه الهجمات، قامت مجموعة إلكترونية يديرها حزب الله، الميليشيا المدعومة من إيران في لبنان، باختراق شركات في إسرائيل، وفلسطين، والإمارات، والسعودية، والأردن، ومصر، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفقاً لشركة كلير سكاي، وهي شركة متخصصة في الأمن الإلكتروني. ويُعتقد أيضًا أن إيران استهدفت شبكة المياه الإسرائيلية، ومستشفى، وموقع مواعدة لمجتمع الميم.

وقال ميسم بهرافيش، مستشار السياسة الخارجية السابق في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية: “نظرًا لانتشار منشآت إيران النووية في جميع أنحاء البلاد ولأن مهاجمة البرنامج باتت أكثر تعقيدً، تبنت إسرائيل نهجًا جديدًا وهو شن هجمات إلكترونية ضخمة… لإثارة أعمال شغب على مستوى البلاد بهدف الإطاحة بالنظام أو إبقاء الحكام مشغولين بأعمال شغب يومية لا نهاية لها”.

وجادل بهرافيش بأن الهجمات الإلكترونية لم تكن بديلاً عن هجوم إسرائيلي ولكنها كانت بهدف كسب الوقت قبل تنفيذ الضربة العسكرية.

وأضاف: “إن هذا التغيير في النمط من قبل الإسرائيليين لضرب أهداف مدنية هو مرحلة ما قبل الهجوم العسكري، ما يعني أنهم يمنحون هذا فرصة أخيرة قبل اللجوء إلى عملية عسكرية واسعة النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية”.

وفي تصعيد واضح لحرب المعلومات، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي الأسبوع الماضي عن شبكة إيرانية مشتبه بها على فيسبوك، تستهدف اليهود القوميين وشديدي التدين في محاولة لإذكاء الانقسام وتأجيج التوترات مع الفلسطينيين.

وحاولت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بشكل منفصل، في الماضي، وبدون جدوى، إثارة اضطرابات واسعة النطاق في إيران عبر دعم الإثنيات المعارضة.

يذكرنا المجهود السعودي بأن ما يبدأ في الشرق الأوسط لا يبقى دائمًا في الشرق الأوسط. فقد أثار ذلك سياسة انتقامية متبادلة بين فروع المخابرات السعودية والإيرانية في هولندا والدنمارك والنرويج.

وشهد الأسبوع الماضي إدانة محكمة جزئية دنماركية لثلاثة أعضاء ينتمون لجماعة معارضة عربية إيرانية بتهم تمويل ودعم نشاط إرهابي في إيران بالتعاون مع المخابرات السعودية وكذلك التجسس.

وسبق لإحدى المحاكم الدنماركية تأييد حكم في العام الماضي بالسجن لمدة سبع سنوات على مواطن نرويجي من أصل إيراني بتهمة التجسس والتعاون في مؤامرة فاشلة لقتل أحد العرب الإيرانيين.

إن الاعتقاد بأن الحرب الإلكترونية المتصاعدة يمكن أن تتسع إلى ما وراء إسرائيل وإيران، كما حدث على ما يبدو في هجمات حزب الله على الشركات في جميع أنحاء المنطقة وخارجها، هو أحد الأسباب التي دفعت السلطات في العديد من الدول لتكثيف تدريباتها المشتركة للتركيز على الهجمات الإلكترونية التي ينفذها عدد متنوع من الكيانات الإجرامية والكيانات التي ترعاها الدول، وإيران هي إحدى هذه الدول لكنها ليست الأهم بالضرورة.

ونظمت شعبة الدفاع الإلكتروني المشتركة الإسرائيلية والقيادة الإلكترونية الأمريكية تدريباتهما المشتركة للمرة السادسة خلال عام في ديسمبر 2021. وقادت إسرائيل محاكاة، شاركت بها 10 دول، لهجوم إلكتروني كبير على النظام المالي العالمي في نفس الوقت تقريبًا.

وكان من بين المشاركين مسؤولي الخزانة من إسرائيل، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والإمارات، والنمسا، وسويسرا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وتايلاند، بالإضافة إلى ممثلين عن صندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التسويات الدولية.

قال إيغال أونا، رئيس المديرية الوطنية للإنترنت في إسرائيل: “في نهاية المطاف، نحن نعرف كل من يقف وراء (أي هجوم) ونتذكر، ويمكننا أن نرد الضربة… لا نشعر لثانية واحدة أننا لا نملك اليد العليا.”

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com/ في 06 فبراير 2022