وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تصاعد الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا

Syria- Syrian air defense
صورة التقطت فجر يوم 21 يناير 2019، والتي تظهر الدفاعات الجوية السورية تتصدى لما قالت وسائل الإعلام الرسمية السورية إنه صواريخ إسرائيلية تستهدف دمشق. Photo AFP

قالت القوات الإسرائيلية أن عمليةٍ شُنت ليلة 20-21 يناير 2019 استهدفت فيلق القدس من قوات النخبة التابع للحرس الثوري الإيراني والدفاعات الجوية السورية بالقرب من العاصمة دمشق في سوريا. تعتبر هذه أحدث خطوةٍ من الجانب الإسرائيلي ضد إيران في سوريا منذ بداية مشاركتها في الصراع الدائر هناك.

وبحسب المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي، الكولونيل جوناثان كونريكوس، استهدفت الضربات الإسرائيلية مستودعات الذخيرة ومواقع المخابرات ومعسكر تدريبٍ وأكثر من ذلك، بالإضافة إلى مخازن إيرانية في مطار دمشق الدولي وبطاريات سورية مضادة للطائرات عندما أطلقت تلك البطاريات العشرات من الصواريخ المضادة على الطائرات الإسرائيلية أثناء تنفيذها الهجمات. فقد نقلت إسرائيل رسالةً إلى سوريا مفادها أن الجيش يستهدف فحسب القوات الإيرانية وحذّرت سوريا من إطلاق النار على الطائرات الإسرائيلية. أسفرت الهجمات عن مقتل 11 مقاتل إيراني وموالي للنظام.

في حين صرّح الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، في 21 يناير، إن الهجمات جاءت رداً على صاروخ أرض أرض أطلقته القوات الإيرانية على إسرائيل في اليوم السابق. وخلال اجتماعٍ مع الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو في القدس، تحدث ريفلين عن الغارات ووصفها بأنها “رد مباشر على إطلاق صواريخ غير مقبولة علينا”. وأضاف، “يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن تعزيز القوات الإيرانية في الشرق الأوسط قد يقود المنطقة إلى تصعيد.”

بينما قال نيكولاي سوركوف، أستاذ مشارك بمعهد موسكو للعلاقات الدولية، لقناة الجزيرة أن من المرجح أن تزداد وتيرة الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا: “سيهاجم الإسرائيليون. فهم مقتنعون أن الإيرانيين يحققون تقدماً، وأنهم يزودون حزب الله بأسلحةٍ متطورة. بالتأكيد، يعتقد الإسرائيليون أنه يتوجب عليهم القيام بشيء ما.”

وفي هذا الصدد، نادراً ما يعترف الجيش الإسرائيلي بتنفيذ هجماتٍ داخل سوريا، إلا أنه أعلن عن بدء الضربات الأخيرة على فيلق القدس عبر تغريدةٍ على تويتر. تعتبر هذه من أكثر الهجمات المباشرة والمميتة من قبل إسرائيل ضد إيران منذ بداية ما يسمى “الصراع بالوكالة” في عام 2005 في سوريا. يرتبط هذا الصراع بهدف إيران المعلن بحل الدولة اليهودية، بينما يتمثل هدف إسرائيل بمنع إيران من حيازة أسلحةٍ نووية وإضعاف حلفاء إيرانيين مثل حزب الله، وهو جماعةٌ سياسية وميليشيا لبنانية قوية في حالة حربٍ مع إسرائيل.

ووفقاً لأوفر زلزبورغ، كبير محللي شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، “منذ فبراير 2018، لم يعد الصراع الإسرائيلي- الإيراني غير واضح، مع تبادل البلدين للضربات المباشرة بسبب الجهود الإيرانية الرامية إلى إقامة وجودٍ عسكري دائم في سوريا.” وأضاف لنا في فَنَك: ” إن تبادل إطلاق النار الأخير يعكس إشارةً جدية من قبل كلٍ من إسرائيل وإيران. تشير إسرائيل إلى أنها ستظل حازمة حتى بعد إعلان الانسحاب الأمريكي، بينما تشير إيران إلى أنها لن تتسامح مع الضربات الإسرائيلية داخل سوريا وأنها ستطلق النار على إسرائيل في مثل هذه الحالات.”

Syria- Golan heights
Aجندي إسرائيلي يسير أمام مركباتٍ عسكرية في جبل الشيخ في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، 21 يناير 2019. Photo AFP

تدعم إيران وحزب الله نظام بشار الأسد في الحرب السورية، كما أن إيران العدو الأزلي لإسرائيل، التي تشعر بالتهديد في ظل خطط حيازة الأسلحة النووية الإيرانية المزعومة. كما تتحالف روسيا مع النظام السوري، الذي تدعمه منذ عام 2015 من خلال مساعدته في استعادة السيطرة على الأراضي التي استولى عليها المتمردون السوريون. وعليه، تشعر إسرائيل بالقلق من أنشطة إيران وحزب الله في سوريا، لا سيما منذ أن استعاد النظام السوري السيطرة على درعا، معقل المعارضة، مما قرّب وجود القوات السورية إلى مرتفعات الجولان المحتلة من قِبل إسرائيل. ومن الجدير بالذكر أن مرتفعات الجولان السورية وقعت في أيدي إسرائيل عام 1967 في أعقاب حرب الأيام الستة بين إسرائيل والعرب.

وفي بداية شهر أكتوبر من عام 2018، قامت روسيا بتزويد القوات الجوية السورية بنظام صواريخ إس 300، بما في ذلك أربعة منصات إطلاق للصواريخ ورادارات ومركبات تحكم، بعد إلقاء اللوم على إسرائيل في مقتل 15 جندياً روسياً خلال غارةٍ جوية استهدفت طائرةً روسية.

أدى ذلك إلى زيادة حدة التوترات، مع شن هجماتٍ مباشرة ومميتة. وقال زلزبورغ لفَنَك: “هذا النوع من الإشارات باستخدام الصواريخ يمكن أن يزيد من حدة التصعيد ذلك أنه يتطلب سياسةً دقيقة للدفع بالأمور إلى حافة الهاوية.” فقد اعتادت إسرائيل نفي التداعيات العسكرية المباشرة في سوريا، إلا أن الأمر لم يعد كذلك. وبحسب زلزبورغ “هذا التراخي في الغموض يخدم هدف إسرائيل بتوضيح الأمور لإيران أنه بالرغم من الإعلان الأمريكي بالإنسحاب من سوريا، إلا أن إسرائيل على نفس القدر من الإلتزام بمنع الوجود العسكري الإيراني الدائم هناك، ولربما على نحوٍ أكثر جدية. كما يخدم أهداف [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين] نتنياهو الانتخابية، ضد اتهامات خصومه من اليمين واليسار بأنه أساء إدارة العلاقة فيما يتعلق بسوريا مع الولايات المتحدة وموسكو.”

ووفقاً لجوناثان ماركوس، المراسل الدبلوماسي لبي بي سي، “بات السياق الإستراتيجي على حدود إسرائيل الشمالية يتغير. تحاول جميع الجهات الفاعلة الرئيسية التأثير على القواعد الجديدة للعبة. لقد نجا الرئيس الأسد؛ ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير للدعم الإيراني، وسيسحب الرئيس ترمب القوات البرية الأمريكية من سوريا، كما أن روسيا، التي تدعم الأسد أيضاً، تتوق إلى ترك بصمتها الدبلوماسية على التطورات المستقبلية. هذا هو السياق الجديد الذي يفسر- جزئياً – رغبة إسرائيل الكبيرة في التحدث علناً عن حملتها الجوية.”

وأضاف “الحوار الاستراتيجي بين إسرائيل وروسيا مستمرٌ على مستوى عالٍ. ففي الأسبوع الماضي فقط تواجد كبار الضباط الروس في إسرائيل لإجراء محادثات، لكن روسيا لم تقنع السوريين بحصر أو احتواء الوجود الإيراني المتنامي. ومن المقرر أن تستمر حرب الاستنزاف الإسرائيلية، لكن إطلاق صاروخ من سوريا، الذي أدى إلى موجةٍ إضافية من الهجمات الإسرائيلية، يظهر مدى خطورة الأمور.”

وفي خضم هذا كله، نشرت روسيا بعض أفضل دفاعاتها الجوية في سوريا للحد من خطر الصواريخ والطائرات الأمريكية بينما تقاتل القوات الجوية والبحرية الأمريكية الضخمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” ومن الواضح أن هذا غير مجدٍ عندما تركز القوات العسكرية الإسرائيلية جهودها لاستهداف سوريا. وبحسب زلزبورغ، “تلعب روسيا في الوقت الراهن دوراً موازناً، إذ تحاول تشكيل نطاق وطبيعة تبادل الضربات الاسرائيلية الايرانية بدلاً من انهاءها.” وتابع القول “يتمثل هدفها الرئيسي في الحد من الضرر الذي لحق بسوريا من النزاع الإسرائيلي-الإيراني.”

قد يكون هذا الهدف معيباً ذلك أن الخطر المتزايد للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران يضع سوريا، على نحوٍ متزايد، وسط ساحة معركةٍ دولية.