وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الناخبون الإسرائيليون: تغيير الحال من المُحال

الانتخابات إسرائيل
ئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يؤدي حركةً بيده خلال اجتماعٍ للكتلة اليمينية في الكنيست (البرلمان)، في القدس في 4 مارس 2020. Photo: Menahem KAHANA / AFP

غاليا غولان

تعتبر الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في مارس 2021 استثنائية من عدة نواحٍ، فأولاً هناك حقيقة كونها الجولة الرابعة من الانتخابات الإسرائيلية في غضون عامين فحسب، إذ من غير المعتاد أن تجري الحكومات الائتلافية الإسرائيلية انتخاباتٍ قبل انتهاء ولايتها الرسمية.

في واقع الأمر، من الشائع أن يدعو الحزب الحاكم إلى اجراء انتخاباتٍ، متخلياً عن بعض الأشهر المتبقية في منصبه شريطة أن يقدّر وجود فرصةٍ جيدة للفوز بالأغلبية اللازمة لتحالفٍ جديد، أو لربما تحالف أكثر توافقاً. يمكن القول إن هذا ما يفعله نتنياهو حالياً، وما فعله ثلاث مراتٍ مسبقاً في غضون العامين الماضيين، إذ يحاول استغلال اتفاقاته التي وقعها مع أربع دولٍ عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) برعاية ترمب، فضلاً عن شرائه المبكر للقاح فيروس كورونا وحملة التطعيم الناجحة.

والأهم من ذلك، فقد خطط نتنياهو لإجراء انتخاباتٍ جديدة في المقام الأول من خلال رفض الموافقة على ميزانيةٍ جديدة، من أجل الاستفادة من تراجع منافسه الرئيسي، حزب أزرق أبيض. فقد خاض حزب أزرق أبيض بقيادة بيني غانتس، الحزب الوحيد الذي هدد بإزاحة الليكود في الانتخابات السابقة، الانتخابات على أساس برنامجٍ مناهض لـ”بيبي” لينضم في نهاية المطاف إلى حكومة نتنياهو بعد انتخابات مارس 2020.

وعليه، تسبب تخلي غانتس عن ناخبيه بتفكك حزبه وحصوله على ما يُقدر بحوالي 4 مقاعد فحسب في الانتخابات المقبلة (في انخفاضٍ من 33 في انتخابات مارس 2020). وبمثل هذه الإحصائيات الاستطلاعية، رأى نتنياهو على ما يبدو فرصةً تلوح في الأفق لهزيمة منافسه السابق والتمتع بإمكانية تشكيل ائتلاف أكثر خضوعاً.

الاختلاف الثاني بين الانتخابات المقبلة والانتخابات السابقة هو العدد الكبير من الأحزاب التي تخطط لخوض الانتخابات. ومن الجدير بالذكر إن تعدد الأحزاب، أي إلى ما يصل إلى أربعين حزباً في الانتخابات، غالباً ما شكّل ظاهرة للانتخابات الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن الاختلاف هذه المرة هو أن هذه ليست مجرد أحزاب صغيرة مخصصة، على سبيل المثال، للترويج لإضفاء الشرعية على الماريجوانا أو حماية حقوق المسنين – الأحزاب التي لا تجتاز عادةً الحد الأدنى من المتطلبات وهو 2,5% من إجمالي الأصوات اللازمة لدخول الكنيست، بل هذه المرة يقود الأحزاب شخصيات معروفة، بل وحتى مرموقة، التي قد تحصل على ما يصل إلى 36 مقعداً أو أكثر.

كما يقود بعض هذه الأحزاب شخصياتٌ بارزة تركت حزب أزرق أبيض، منهم على سبيل المثال، يائير لبيد الذي يمتلك حزباً يتمتع بشعبيةٍ كبيرة، أو رئيس بلدية تل أبيب الشهير رون حولدئي، بينما البعض الآخر من المنشقين عن حزب الليكود، بقيادة جدعون ساعر الذي يقدم بديلاً مناهضاً لبيبي لا يختلف تقريباً في المحتوى عن زعيم الليكود نتنياهو. بالإضافة إلى ذلك، ترتفع في استطلاعات الرأي أسهم أحزاب يمين الليكود التي تدعي أنها “معادية لبيبي” على الرغم من مواقفها اليمينية المتطرفة أو ربما بسببها.

ومن المتوقع أن تتحد هذه الأحزاب وغيرها من الأحزاب الصغيرة في الوسط أو اليسار، وبالتحديد ميرتس وبقايا حزب العمل الإسرائيلي الذي كان يوماً ما يتمتع بالقوة، بطريقةٍ ما، من أجل الانتخابات. ومع ذلك، لم تتضح بعد عمليات الاندماج والشراكات، بيد أن استطلاعات الرأي في الوقت الراهن تُظهر إمكانية واضحة لتشكيل نتنياهو ائتلافاً جديداً يضم أكثر من 60 عضواً في الكنيست ممن سيتم انتخابهم في مارس.

علاوةً على ذلك، فإن الشركاء المعروفين لبعض هذه الأحزاب اليسارية أو أحزاب يسار الوسط، على سبيل المثال، القائمة العربية المشتركة، قد انهاروا بالفعل. فقد بدا أن العضو البارز في أحد مكونات القائمة المشتركة، منصور عباس من حزب القائمة العربية الموحدة (الإسلامي)، يستجيب بشكلٍ إيجابي لتقدم الليكود. وعليه، أدى النقاش الداخلي الناتج داخل القائمة العربية المشتركة إلى انهيار تذكرة الدخول المشتركة إلى الكنيست.

فقد تمثل أحد تكتيكات نتنياهو الجديدة كلياً، والمشكوك فيها بشدة، بجذب أصوات الناخبين العرب، إذ زار مؤخراً البلدات العربية. ومع ذلك، من غير المرجح نجاح نتنياهو في مساعيه هذه، بالنظر إلى تصريحات نتنياهو الصارخة المعادية للعرب في الماضي، مثل حثه ناخبيه على الخروج للمشاركة في انتخابات مارس 2015 من خلال الادعاء بأن “العرب يخرجون إلى صناديق الاقتراع بأعدادٍ كبيرة.” كما ما يزال نتنياهو يتحدث عن السلام والوحدة، رغم أنه من الواضح أنه لا يعتبر الأحزاب العربية شركاء شرعيين لتحالفٍ يقوده الليكود. هذه اللهجة موجهة أيضاً نحو ناخبي الوسط، الذين تخلى عنهم حزب أزرق أبيض، لكن هذا أيضاً قد لا يلقى آذاناً صاغية.

في الواقع، ليس من الواضح أن أياً من الأحزاب الأخرى، باستثناء حزب ميرتس وربما حزب العمل، سيكون على استعدادٍ لقيادة ائتلاف يعتمد على القائمة العربية، ولكن بطبيعة الحال، لن يكون ميرتس ولا حزب العمل في موقعٍ يسمح لهما بتكوين ائتلاف حاكم، إذ قد لا يجتازون العتبة الانتخابية. فحزب العمل لديه زعيمة جديدة، ميراف ميخائيلي، التي كانت العضو الوحيد للحزب في الكنيست بمجرد انضمام زملائها إلى حكومة نتنياهو في عام 2020.

وفي الوقت الحالي، بالكاد يتجاوز حزب العمل العتبة الانتخابية، بأربعة مقاعد فقط، وفقاً لاستطلاعات الرأي قبل انتخاب ميخائيلي زعيمةً لحزب العمل. لكن التحالف الأكثر احتمالاً لحزب العمل قد يكون حزب رئيس بلدية تل أبيب حولدئي الذي يُنظر إليه على أنه أكثر وسطية من حزب ميرتس.

اجتذب حزب ميرتس تصويتاً كبيراً من الناخبين العرب في بعضٍ من الانتخابات الأخيرة، بل وغازل لفترةٍ وجيزة فكرة أن يصبح حزباً عربياً يهودياً بإخلاص، واليوم، يضم اثنان من العرب في المراكز الخمس الأولى على قائمته للكنيست، ومع ذلك، يكافح ميرتس من أجل الحفاظ على قاعدته من التصويت لصالح حولدئي الليبرالي، أو حزب العمال الذي تم إحياؤه تحت القيادة الجديدة حديثة العهد لميخائيلي.

أما على اليمين، فسيتم تعزيز حسابات الائتلاف من قبل شركاء الليكود الطبيعيين، الأحزاب الدينية المتطرفة التي عادة ما تحصل معاً على ما يصل إلى 15-18 مقعداً. في حين أن أحزاب اليمين المتطرف، بما في ذلك الحزب الديني السابق، يمينا، بقيادة نفتالي بينيت، تنخر أيضاً بناخبي بعضها البعض، فضلاً عن جذب البعض من قاعدة نتنياهو.

بالطبع، قد لا تكون استطلاعات الرأي اليوم مؤشراً دقيقاً لنتائج مارس 2021، حيث يبدو أن الجمهور ما يزال يمينياً بشكلٍ عام أو يتجه على نحوٍ أكبر ليمين الوسط، إذ لم يعد هناك يسارٌ تقريباً. والأهم من ذلك، لا يبدو أن هناك منافس حقيقي لنتنياهو، على الرغم من حقيقة أن العديد من الأحزاب التي تتحدى الليكود، من الوسط إلى اليمين المتطرف، يمكن وصفها أيضاً بأحزاب “لا تؤيد بيبي.” في واقع الأمر، جذبت التظاهرات ضد نتنياهو، والمستمرة منذ عدة أشهر، حشوداً متنوعة جداً، معظمها من الشباب، بيد أنه لا يوجد مؤشر على قدرتهم العمل معاً لتشكيل ائتلاف قوي بما يكفي للاستمرارية لفترةٍ طويلة بدون الليكود.

المشهد السياسي الإسرائيلي مُجزأ تماماً بطريقةٍ لم تشهدها الدولة من قبل، إذ لا تتمثل السمة الأبرز فقط بمعارضة استمرار حكم نتنياهو، بل بالافتقار إلى بديلٍ واقعي. يحظى كلٌ من حولدئي ولبيد وجدعون ساعر بشعبيةٍ كبيرة، كما أن للحريديم المتطرفين وكذلك العرب جمهور ناخبين فطري، لكن لا يوجد حزبٌ ولا زعيمٌ قادر على اجتذاب الدعم الهائل نسبياً الذي اجتذبه غانتس ورؤساء الأركان السابقين في حزب أزرق أبيض في الانتخابات الماضية.

علاوةً على ذلك، فإن جميع هذه الأحزاب – بما في ذلك بقايا حزب أزرق أبيض – قد تُضعف من عدد الناخبين المحتملين لبعضهم البعض، مما يترك الطريق مشرعاً أمام جناحٍ يميني آخر؛ تحالفٌ بقيادة نتنياهو ينضم إليه ربما اليمين المتطرف والمتشددون. في الواقع، من خلال غض الطرف عن حقيقة أن الحريديم يتجاهلون قيود فيروس كورونا، يبدو أن نتنياهو يبذل قصارى جهده لمغازلة هؤلاء الحلفاء التقليديين له. وفي هذه المرحلة، يبدو أن نتنياهو سيكون لديه مرةً أخرى عددٌ كافٍ من الأحزاب القريبة منه بما يكفي لتشكيل ائتلاف.

قد لا يكون هذا هو الاحتمال الأكثر تفاؤلاً بالنسبة لأولئك الذين يأملون في ازدهار السلام، لكن السلام لم يعد قضيةً في الانتخابات الإسرائيلية. وفي حين قد يتحدث اليمين عن المزيد من المستوطنات والضم للأراضي، يركز محتوى الانتخابات على سوء إدارة جائحة وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية ذات الصلة، وبدرجةٍ أقل، الفساد (رهناً بنهاية محاكمة نتنياهو – المؤجلة في الوقت الراهن). ومع ذلك، لدى نتنياهو إجابات للعديد من هذه القضايا، بما في ذلك وعلى وجه الخصوص، حملة التطعيم الناجحة، بل لربما سيكون قادراً على الاستفادة من الخطاب المتجدد المعادي لإيران في حال قررت إدارة بايدن الانضمام إلى الاتفاقية النووية الإيرانية أو رفع العقوبات عن إيران.

قد تكون هناك نقاطٌ جيدة وتحالفاتٌ غير متوقعة، ولكن يبدو من المؤكد إلى حدٍ ما أن الحكومة المنتخبة في مارس 2021 لن تختلف كثيراً عن الحكومة القائمة في إسرائيل اليوم ولسنواتٍ عديدة. هذا هو المكان الذي كان يقف فيه الناخبون منذ بعض الوقت، وعلى ما يبدو، فإن تغيير الحال من المُحال.