وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بالرغم من لائحة الاتهام، رئيس الوزراء الاسرائيلي يتمسك بالحياة السياسية

Benjamin Netanyahu
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتحدث خلال جلسة لكتلة اليمين في الكنيست (البرلمان الاسرائيلي) بالقدس، في 20 نوفمبر 2019. Photo: GALI TIBBON / AFP
تركت انتخاباتٌ غير حاسمة في غضون خمسة أشهر إسرائيل في وضعٍ مربك وغير مسبوق، كما إن قرار المدعي العام أفيخاي ماندلبليت في 21 نوفمبر 2019 بتوجيه الاتهام إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، زاد الأمور إرباكاً. ومع عدم وجود أي موضوعٍ آخر تقريباً قيد المناقشة في البلاد، يمكن تقسيم الوضع إلى ثلاثة جوانب رئيسية: قانونية وسياسية وأخلاقية.

فيما يتعلق بالجانب القانوني، كان السؤال الرئيسي المطروح هو ما إذا كان يجب على نتنياهو بالفعل أن يستقيل الآن بعد توجيه الاتهام إليه. قد يبدو القانون واضحاً: يجب أن يستقيل الوزير الذي توجه إليه اتهامات، بيد أنه لا يوجد نصٌ مماثل ينطبق على رئيس الوزراء، والسبب، وفقاً لمعظم التفسيرات، هو سبب عملي: في حال استقال رئيس الوزراء، فسيؤدي ذلك إلى إسقاط الحكومة وبالتالي يُصبح إنشاء ائتلافٍ جديد وإجراء انتخاباتٍ جديدة أمراً حتمياً. لذلك، يتمتع رئيس الوزراء الحالي بحصانةٍ تلقائية.

تتمثل المشكلة في هذه الحالة في أن نتنياهو ليس رئيس وزراء منتخب ستؤدي استقالته إلى إسقاط الحكومة. في الواقع، بعد إجراء عمليتين انتخابيتين في مارس وسبتمبر، لم يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة ائتلافية ويعمل حالياً ضمن حكومة انتقالية. على الأقل، هذا أحد التفسيرات. كما من المتوقع أن يتم تقديم التماس إلى المحكمة العليا للتدخل وتحديد التفسير الصحيح. في غضون ذلك، التزم ماندلبليت بأبسط تفسيرٍ للقانون، حيث قرر أن نتنياهو سيظل في منصبه.

وفي انتظار صدور حكم من المحكمة العليا، يمكن أن تأتِ حصانة رئيس الوزراء من مصدرٍ آخر، إذ يمكن لأعضاء الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، بمن فيهم رئيس الوزراء، أن يطلبوا من الكنيست منح الحصانة. تم ذلك عدة مراتٍ في الماضي، منح خلالها الكنيست أو رفض الحصانة. المشكلة هي أن هيئة الكنيست التي تبدأ مثل هذا الإجراء هي لجنة مجلس النواب، ونظراً لعدم وجود حكومة ائتلافية، لا يمكن تشكيل لجان في الكنيست، بما في ذلك لجنة مجلس النواب. وعلى الأرجح سيستغرق الأمر أشهراً قبل أن يتمكنوا من ذلك.

يبدو أن الجانب السياسي للوضع أكثر بساطة. فقد فشل الحزب الرئيسي الآخر، حزب أزرق- أبيض، في تشكيل أي حكومة. ففي كلا الانتخابات، سعى حزب أزرق- أبيض نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية – مع حزب الليكود بزعامة نتنياهو – ولكن ليس في حال توجيه اتهامٍ لزعيم حزب الليكود.

كانت هناك شروطٌ أخرى للتحالف، مرتبطة بتناوب رئاسة الوزراء ومن سيخدم أولاً، بالإضافة إلى اقتراح الرئيس بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبأن يتنحى نتنياهو مؤقتاً في حال توجيه الإتهام إليه. وعليه، رفض بيني غانتس، زعيم أزرق- أبيض، هذا الاقتراح. ومع ذلك، إذا ما تولى شخص آخر غير نتنياهو زعامة الليكود، فمن الناحية النظرية، سيكون طريق إنشاء حكومة وحدة وطنية مؤلفة من أكبر حزبين واضحاً (ومن المفترض أيضاً أن تضم أفيغدور ليبرمان، الملقب بـ”صانع الملوك” من حزب إسرائيل بيتنا، الذي كان يحجب دعمه لأي من الطرفين من أجل تعزيز فكرة الوحدة الوطنية، وتعزيز موقفه).

وبالتالي، على المستوى السياسي هناك قضيتان: تتمثل الأولى فيما إذا كان حزب الليكود سيجري تصويتاً داخلياً لتنصيب زعيمٍ جديد. ومن الجدير بالذكر أن الوزير السابق جدعون ساعر قد دعا إلى مثل هذا التصويت، ومع ذلك، لم يخطو أي من المتنافسين الآخرين هذه الخطوة، وحتى الآن، لا يزال الحزب يدعم نتنياهو بقوة. أما القضية الثانية تتمثل في الرأي الذي طرحه ساعر بأنه لا بد من تنصيب زعيمٍ جديدٍ لحزب الليكود ليفوز بالانتخابات، وبالتالي، عندما أعلن قراره بالترشح، جادل ساعر بأن نتنياهو فشل مرتين هذا العام في تشكيل حكومة، والآن وقد تم توجيه الاتهام إليه، باتت فرصه في تشكيل حكومة أقل بكثير. بمعنى آخر، إذا أراد الليكود البقاء في السلطة وربما الاحتفاظ بمقاعده في الكنيست، فلا بد من رحيل نتنياهو.

وعلى صعيدٍ متصل، لم يتطرق الكثيرون من الجناح اليميني للطيف السياسي إلى الجانب الأخلاقي للقضية، ومع ذلك، صرح حزب أزرق-أبيض وأحزاب اليسار بأنه من الناحية الأخلاقية، يتوجب على رئيس الوزراء المتهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة الاستقالة من منصبه، بيد أن المسار الذي اختاره نتنياهو والمتحدثون باسمه ومؤيدوه هو اتهام متهميه بتلفيق القضية (“اتهامات مفبركة تقصده شخصياً”).

وفي ظهورٍ درامي بعد ساعة من إعلان لائحة الاتهام، دعا نتنياهو إلى التحقيق مع المحققين – من مكتب المدعي العام وصولاً إلى الشرطة. وعلى الرغم من الضغط عليه من قبل الصحفيين وغيرهم، كان ساعر الشخصية القيادية الوحيدة من اليمين الذي تطرق إلى الجانب الأخلاقي، حيث أشار في تعليقاته الأولى إلى أن تحدي نتنياهو للديمقراطية وسيادة القانون كان خطيراً وخاطئاً.

وعلى أمل أن يتمكنوا من تنظيم مسيرةٍ حاشدة دعماً لنتنياهو في تل أبيب، انتقدت شخصياتٌ بارزة من الليكود ساعر لتخليه عن زعيمهم. بل إن أحد الصحفيين شبّه هذا السلوك بمتلازمة ستوكهولم، حيث يرغب بعض الموالين للحزب، على الأغلب، في القول إن الأمر سيتم البت فيه في المحكمة وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وحتى الآن، لا أحد يعلم ما ستؤول إليه الأمور. فالجانب السياسي الذي ينطوي على التصويت لاستبدال نتنياهو كزعيمٍ لحزب الليكود مما سيمهد الطريق لحكومة وحدةٍ وطنية أمرٌ وارد، وإن كان غير مرجح. ولا يزال أمام الكنيست ثلاثة أسابيع تقريباً لإيجاد المقاعد الـ61 اللازمة لتشكيل ائتلافٍ حاكم، وبالتالي، هناك متسعٌ من الوقت لاستبدال نتنياهو في حزبه أو تكليف عضوٍ آخر في الكنيست لتشكيل حكومة.

ومع ذلك، لا توجد أي دلائل على إجراء تصويتٍ في الليكود أو أن مثل هذا التصويت سيؤدي إلى شخص آخر غير نتنياهو. وحتى إذا تم إعادة انتخاب نتنياهو كزعيمٍ لليكود، لا يزال هناك سؤال قانوني (وأخلاقي) حول قيام شخصٍ وجهت له اتهاماتٌ بتشكيل الحكومة. ولربما يتعين على المحكمة العليا أن تقرر ذلك أيضاً. ومع ذلك، قد لا يصل الأمر إلى هذا الحد، لأنه دون حزب أزرق- أبيض أو إسرائيل بيتنا، لا يمكن لنتنياهو تشكيل حكومة، وحتى الآن رفض الحزبين تشكيل حكومةٍ برفقة نتنياهو.

من المرجح أن الانتخابات الثالثة في مارس 2020 لن تغير الكثير، بحسب ما يقوله ساعر. كما من المتوقع حدوث مناورات سياسية، وحتى قانونية، واسعة النطاق خلال الأسابيع القليلة المقبلة. في الواقع، فإن عملية منح أو رفض الحصانة في الكنيست، وأحكام المحكمة العليا وما شابه ذلك، قد تستغرق أشهراً عديدة قبل إمكانية وصول نتنياهو إلى المحكمة، بل إن المحاكمة نفسها قد تستغرق شهوراً، أو حتى سنوات. وبالتالي، لربما سيبقى نتنياهو رئيساً للوزراء لبعض الوقت.