وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مع تزايد التهم الموجهة إليه، رئيس الوزراء الإسرائيلي يرفض التنحي

Israel- Corruption israel
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وسط) يتحدث إلى الصحافة بينما يرافقه اللواء يوئيل ستريك (يسار)، قائد القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي، في 11 ديسمبر 2018. Photo AFP

“كان هناك رؤساء وزراء استقالوا لأسباب أقل من ذلك بكثير،” هذا ما قاله شلومو أفنيري، الأستاذ الفخري للعلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، لصحيفة نيويورك تايمز. فعلى سبيل المثال، تنحى إيهود أولمرت في عام 2009 بعد اتهاماتٍ بالفساد، حيث أدين في نهاية المطاف.

غير أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرفض التنحي بالرغم من توجيه ما لا يقل عن ثلاثة ادعاءاتٍ جادة بالفساد والتزوير. وفي أوائل ديسمبر، قالت الشرطة الإسرائيلية إنها عثرت على أدلةٍ كافية لتوجيه اتهاماتٍ بالرشوة والاحتيال ضده. وفي القضية الثالثة هذه السنة، يُتهم رئيس الوزراء بإبرام اتفاقٍ مع شركة بيزك، فقد وعدت شركة الإتصالات الضخمة، مقابل بعض المزايا التنظيمية، بالكتابة بإيجابية عن نتنياهو على موقعها الإخباري الشهير ويللا.

وفي جميع الحالات الثلاث، يعود الأمر إلى المدعي العام – المعين من قبل نتنياهو، أفيشاي ماندلبليت- ليقرر ما إذا كان سيقوم بإسناد تهمٍ للزعيم. وإذا ما فعل ذلك، سيصبح نتنياهو أول رئيس وزراءٍ إسرائيلي في منصبه توجه إليه إتهامات، فقد تنحى أسلافه، مثل أولمرت، قبل عرضه على المحكمة الجنائية.

بيد أنه لا توجد قاعدةٌ واضحة تلزم نتنياهو بمغادرة منصبه أثناء التحقيق، ومن المحتمل ألا يفعل ذلك. كما يتوقع معظم النقاد أنه سيحتفظ بالسلطة حتى الانتخابات العامة المقبلة على الأقل، التي يجب أن تُعقد قبل نوفمبر 2019. وفي تلك الانتخابات، سيسعى نتنياهو إلى تجديد ولايته من قِبل ناخبيه. فالفوز سيمنحه قوةً كبيرة، ذلك أن تمتعه بالقوة السياسية الكافية سيسمح له بمحاولة البقاء في منصبه، حتى أثناء محاكمته. وإذا ما نجح في ذلك، سيتفوق بالتأكيد على دافيد بن غوريون، الذي تولى هذا المنصب لأطول فترة في تاريخ إسرائيل.

وبالطبع، عليه الفوز أولاً في الإنتخابات. فبعد حربٍ استمرت يوماً واحداً في غزة في نوفمبر الماضي، اتهمه وزيري التعليم (نفتالي بينيت) والعدل (أيليت شاكيد)، وكلاهما من حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف، باتخاذ نهج باهت إزاء الصراع. فقد تساءل بينيت وشاكيد، لماذا لم يمحو نتنياهو حماس من الخريطة؟ بل إن الأمور وصلت ببينيت إلى حد المطالبة بتعيينه وزيراً للدفاع، بعد استقالة أفيغدور ليبرمان من منصبه، مصطحباً حزب إسرائيل بيتنا معه، تركاً الائتلاف بأغلبيةٍ هشة.

أنقذ نتنياهو صورته من خلال إلقاء خطابٍ حماسي شدد فيه على ضرورة بقاء هذا الائتلاف، “أقوى ائتلافات الجناح اليميني في التاريخ الإسرائيلي،” قائماً. كما وصف ليبرمان بالشخص “غير المسؤول” لمحاولة إسقاط الحكومة في هذه الظروف الأمنية المعقدة. وفي أوائل ديسمبر، أكد أن حزب الله حفر عدة أنفاقٍ تحت الحدود اللبنانية، وهي خطوة قارنتها صحيفة نيويورك تايمز بفيلم “واغ ذا دوغ” الذي صدر عام 1997، والذي اخترع فيه مرشحٌ سياسي حرباً لتشتيت الانتباه عن مأزقه الشخصي.

بخطابه هذا، نجح نتنياهو في استعادة ثقة جمهوره. وعلاوةً على ذلك، تمكن من الاحتفاظ بوزارة الدفاع لنفسه. فإلى جانب كونه رئيس الوزراء ووزير الدفاع، يتقلد نتنياهو أيضاً منصب وزير الشؤون الخارجية والصحة.

فقد تضمنت القضية الأولى التي نصحت فيها الشرطة مندلبليت بمقاضاة نتنياهو قبوله بمئات الآلاف من الدولارات على شكل هدايا من المليارديرات الذين حصلوا على دعمٍ سياسي في المقابل. وفي القضية الثانية، عرض نتنياهو على ناشر الصحيفة الكبيرة يديعوت أحرونوت الدفع لتمرير تشريعٍ يؤذي صحيفة إسرائيل هيوم، المجانية والمؤيدة بشدة لنتنياهو، والتي تعدّ المنافسة الرئيسية لصحيفة يديعوت أحرونوت. وفي المقابل، يُزعم أن نتنياهو طالب بتغطيةٍ أكثر إيجابية وإطراءً في صحيفة يديعوت.

يعرض تقرير الشرطة رئيس وزراءٍ مهووس بصورته. ففي قضية شركة بيزك، يقال إن نتنياهو قد “تدخل بطريقةٍ واضحة ومستمرة، وأحياناً بشكلٍ يومي،” بتغطية موقع ويللا لأخباره. ولم يقتصر الأمر على تأكده من نشر مقالاتٍ متملقة وصورٍ جذابة فحسب، بل طالب أيضاً بإزالة المحتوى الذي ينتقده وأسرته. حتى أن الأمر وصل إلى تدخله في أسماء محرري موقع ويللا. وفي المقابل، وفقاً للشرطة، تمت مكافأة شركة بيزك بصفقاتٍ مربحة.

وعليه، بوسعنا الإفتراض بكل ثقة أنه لا وجود لحرية الصحافة في ويللا خلال تدخل رئيس الوزراء، فعلى سبيل المثال، اشتكت المراسلة السابقة لموقع ويللا إلى المحكمة، غالي غينات، من أن مقالاً كتبته عن سارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء، حول إساءة معاملة موظفيها، قد اختفى بعد وقتٍ قصير من نشره. وعندما سألت عما حدث، تم إخبارها أنه قرار “من الأعلى.” مثالٌ آخر هو طلب عرض ما لا يقل عن عشرة صورٍ لزوجة رئيس الوزراء مع كل مقال – حتى القصيرة منها – حول ظهورها في المحافل العامة.

كما تدخل نتنياهو بشكلٍ كبير في قضايا شركة بيزك الداخلية أيضاً. فعلى سبيل المثال، بعد أن منح لنفسه منصب وزير الاتصالات- وهي وزارة أخرى يتقلدها لفترةٍ من الوقت- قام بإقالة أحد كبار المسؤولين. فقد كان هذا المسئول بالتحديد يحرز تقدماً فيما يتعلق بالإصلاحات لإنهاء احتكار شركة بيزك لسوق الاتصالات. وبحسب صحيفة هآرتس، فإن الحكومة ساهمت أيضاً في الموافقة على دمج شركة بيزك وشركة يس (Yes) للتلفزة، بالرغم من اعتراضات المسؤولين.

وبالإضافة إلى الادعاءات ضد رئيس الوزراء، أوصت الشرطة بتوجيه اتهاماتٍ إلى سارة نتنياهو بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة وإعاقة إجراءات التحقيق والقضاء. تتمثل إحدى التهم الموجهة ضدها في استخدمها المال العام لتوظيف طهاة مشهورين لطهي العشاء، على الرغم من وجود طاهٍ متفرغ في مقر إقامة رئيس الوزراء.

وبعد مسرحية الرئيس ترمب، وصف نتنياهو الإدعاءات الموجهة ضده بـ”مطاردة الساحرات،” فقد زعم أن جل ما فعله لم يكن سوى “علاقاتٍ عامة،” إذ قال نتنياهو لصحيفة نيويورك تايمز أن شهادات موظفي موقع ويللا السابقين لا تثبت سوى عداء الموقع الإلكتروني له.

ومع ذلك، وفقاً للخبراء، لا بد أن تؤدي قضية شركة بيزك بشكلٍ خاص إلى توجيه الاتهامات له. فهي قضيةٌ يمكن فيها إثبات تورط كلا الطرفين بعلاقاتٍ تجارية- المزايا التي تحصل عليها الشركة والتأثير على التغطية الإخبارية. وإذا ما وجهت اتهاماتٌ لنتنياهو، فإن السؤال المطروح هنا: هل سيستقيل؟