وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

القدس: السياسات الكامنة وراء انفجار الوضع في المدينة المقدسة

القدس
صورة تم التقاطها يوم ٢١ مايو ٢٠٢١ لمصلين مسلمين فلسطينيين اجتمعوا في مجمع المسجد الأقصى بالقدس ثالث أقدس المواقع الإسلامية. المصدر: AHMAD GHARABLI / AFP.

 

كارلو ألدروفاندي: أستاذ مساعد في دراسات السلام الدولي، كلية ترينيتي، دبلن.

أدت حالة العنف الدائرة في المسجد الأقصى والحرم القدسي والبلدة القديمة في القدس إلى ما هو أكبر وأخطر؛ فالاشتباكات التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي بين القوات الإسرائيلية والمتظاهرين الفلسطينيين خلّفت مئات الجرحى. كما تصاعد التوتر يومي الاثنين والثلاثاء نتيجة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة رداً على صواريخ أطلقتها حماس وأسفرت الغارات عن 35 قتيلاً بينهم 12 طفلاً.

ولا يمكن أن نعزي هذه الحلقة الأخيرة إلى سبب واحد. بل يجب أن نربطها بمشهد أوسع من عوامل زعزعة الاستقرار التي أدى تراكمها على مدى أشهر إلى الأزمة الحالية.

لكنها كانت سلسلة من ردود الفعل بسبب المحاولات المستمرة لتهجير الأسر الفلسطينية التي تعيش لأجيال في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، حيث تدور معركة قانونية بين السكان الفلسطينيين ونحلات شمعون، وهي منظمة استيطانية مرتبطة بالحركة الصهيونية في إسرائيل تسعى لتغيير ديموغرافية القدس الشرقية لصالح المستوطنين اليهود.

وجاء الدعم على الفور لأسر الشيخ جراح من عدة دوائر فلسطينية، بما في ذلك عدد غير مسبوق من المواطنين العرب في إسرائيل من أم الفحم ويافا. وفي نفس الوقت، بدأ الآلاف بالتظاهر في باب العامود الذي تحول في الأسابيع الأخيرة إلى ميدان التحرير في القدس الشرقية – بؤرة ثورة “الربيع العربي” في مصر عام 2011 – والعديد من هؤلاء الآلاف كانوا من المصلّين الذي يتجمعون فيه بعد الانتهاء من الصلاة في المسجد الأقصى.

وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة تفاقمت إبان الأيام الأخيرة من شهر رمضان. وإلى جانب كونه أهم أشهر السنة الهجرية، فإنه كان الأعنف هذا العام في القدس. ففي يوم الجمعة السابع من مايو فقط، أُصيب نحو 200 فلسطيني إثر مواجهات عنيفة مع الشرطة الإسرائيلية التي اعتقلت كثيرين كذلك.

وكانت الشرطة الإسرائيلية عنيفة في محاولاتها لقمع المظاهرات. ما أدى إلى نتائج عكسية؛ إذ اجتاحت المظاهرات الفلسطينية القدس والضفة الغربية والعديد من البلدات العربية في وسط وشمال إسرائيل.

اضطراب في الجانبين

كان العجز عن احتواء العنف في القدس والأراضي المحتلة إحدى نتائج المشكلات الداخلية على جانبي القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. فعلى الجانب الفلسطيني، كان الصراع على السلطة بين حركة حماس والرئيس الفلسطيني محمود عباس يدفع حماس لتصعيد التوتر مع إسرائيل بإطلاق الصواريخ من غزة باعتبارها استراتيجية دعائية لبناء رأس مال سياسي لمواجهة عباس، الذي بدوره أجّل الانتخابات التشريعية الفلسطينية خوفاً من الخسارة أمام منافسيه الإسلاميين.

أما في إسرائيل، فكانت السياسة قد وصلت لطريق مسدود بعد أربع انتخابات عامة فشلت جميعها في تشكيل حكومة فاعلة. وقد كانت لهذا نتائجه الخطيرة على معالجة الأزمة.

كما أنه من المهم ألا نستخف، كما استخف قادة الأمن الإسرائيليين، بالعواقب الكارثية الذي خلّفها وباء كورونا في القدس الشرقية تاركاً خلفه العديد من شبان القدس عاطلين عن العمل وأكثر شعوراً بالاغتراب والعجز بسبب قيادتهم السياسية. فالمتظاهرون من الشبان الفلسطينيين في باب العامود وشوارع البلدة القديمة والمسجد الأقصى لا تحركهم أيديولوجيات آبائهم، بل يحركهم في الغالب الغضب والنفور والإحباط.

 

الاستفزاز والاستفزاز المضاد

بدا الوضع خارجاً عن السيطرة مع هذا التصعيد والاختلال السياسي في الجانبين يوم مسيرة الأعلام المقررة في يوم القدس، الذي يحييه الإسرائيليون في ذكرى توحيد القدس بعد حرب يونيو عام 1967.

وبعد تزايد نفوذ حركات المستوطنين في حكومة نتنياهو والمجتمع الإسرائيلي، مثّل هذا الموكب في الآونة الأخيرة حجر الزاوية في الوعي القومي للعديد من الصهاينة المتدينين. فكلّ عام يشقّ مئات الشباب الإسرائيليين طريقهم إلى الاحتفالات في ساحة الحائط الغربي عبر الشيخ جراح ويقفون عند باب العامود ثم يكملون طريقهم عبر طريق الواد، وهو الشريان الرئيسي للحي الإسلامي في البلدة القديمة.

وأثناء المسيرة، يلوّح الشباب الإسرائيليون أعلامهم ويرددون أغانيهم. بينما يشاهدهم الفلسطينيون من وراء الحواجز الأمنية التي تضعها القوات الإسرائيلية خصيصاً لهذه المناسبة.

يرى معظم الفلسطينيين أنّ الطريقة التي تقتحم بها المسيرة مساحاتهم اليومية استفزاز صارخ وتذكير مؤلم بضربة إسرائيل المخزية لطموحاتهم الوطنية منذ عام 1967. ولم تعن الهزيمة في ذلك العام تشريد الفلسطينيين فحسب، بل أنها أسست السيطرة الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى، ثالث الحرمين في الإسلام ورمز الهوية الفلسطينية.

وتحصّن الآلاف من الفلسطينيين في المسجد الأقصى مساء الأحد ومعهم الحجارة وزجاجات المولوتوف تحسباً لمسيرة يوم القدس. وكما كان متوقعاً، اندلعت الاشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين صباح يوم الاثنين. وبحسب الهلال الأحمر الفلسطيني، فقد أُصيب 300 فلسطيني آخرين. وأدى هذا إلى منع إسرائيل اليهود من دخول المسجد الأقصى ومنطقة الحرم القدسي في يوم القدس.

وأعلنت السلطات الإسرائيلية تغيير مسار المسيرة بعيداً عن باب العامود والحي الإسلامي، استشعاراً منها بمدى خطورة السماح لها بالمرور في المساحات المهمة رمزياً للسكان الفلسطينيين، وكذلك لأن القدس باتت على حافة المذبحة. كما أجّلت محكمة العدل العليا الإسرائيلية جلسات الاستماع بشأن خطط إخلاء عائلات حي الشيخ جراح التي كان من المزمع عقدها في يوم القدس.

لكن يبدو أن هذه المحاولات لخفض التصعيد كانت قليلة جداً ومتأخرة تماماً. فكما نعلم الآن، اتخذت حماس القرار بالقصف الصاروخي للقدس الغربية وجنوب إسرائيل، وبدورها ردت القوات الإسرائيلية بالقصف الجوي على غزة مخلفة 25 قتيلاً. ومرة أخرى، القدس مشتعلة، ما يؤدي إلى عواقب رهيبة على استقرار المنطقة بأسرها.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/au في 12 أيار 2021