وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

القوة العسكرية العربية المشتركة: هل تُجدي نفعاً؟

Arab League members meet to discuss the establishment of a Joint Arab Army
مسؤولون عسكريون يناقشون تشكيل قوة غسكرية عربية مشتركة في مقر الجامعة العربية, Photo Amr Sayed

في أوائل مارس 2014، أعلن نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن الحاجة الماسة إلى إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب وغيرها من التهديدات التي تواجه الدول العربية. ولاقت هذه الدعوة الترحيب من قِبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي شدد على الحاجة لمثل هذا التحالف مشيراً إلى التهديدات المحدقة بسبب التطرف ومؤكداً دعم كل من المملكة العربية السعودية، والامارات العربية المتحدة، والكويت، والأردن لمثل هذه الخطوة. وجاء إعلان نبيل العربي بعد دعوات مماثلة خلال العام 2014 في قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة.

وفي السنوات الأخيرة، قامت معظم الأنظمة العربية بتعزيز وتحديث قواتها المسلحة، مما خلق سباق تسلح غير مسبوق في المنطقة. وباتت التدريبات العسكرية، وبخاصة بين مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، مألوفة منذ عام 2013. فعلى سبيل المثال، زادت دول مجلس التعاون الخليجي وارداتها من الأسلحة بنسبة 70% بعد الربيع العربي في ديسمبر 2010.

يشهد العالم العربي حالة من الفوضى، إذ تدمر الحروب الأهلية كل من الصومال واليمن والعراق وسوريا وليبيا، في حين يطارد شبح الإرهاب كل من الجزائر ومصر وإلى حدٍ ما كل من تونس والمغرب والأردن والسعودية. أنظمة هذه البلدان ضعيفة وبلادهم هشة وذلك بسبب نفاذية الدول العربية إذ لا يمكن احتواء الصراعات في بلد واحد.

كما تشعر العديد من البلدان العربية بالتهديد من قِبل إيران وعملائها، ولا ينظرون إلى عودة تركيا إلى المنطقة باعتباره تغييراً إيجابياً. وبالتالي أصبح دور اسرائيل في الوقت الراهن ثانوياً حيث باتت عدواً ينحصر في الخطابات بدلاً من كونها عدوا عسكريا كما كانت في السابق.

ولا تعتبر دعوات إنشاء جيش عربي موحد أمراً جديداً في المنطقة. هذا وقد تم إنشاء تحالف دولي، بمشاركة عربية في عام 2014 لشن ضربات جوية على تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق. بينما شنت مصر عملياتٍ ضد الجماعات الإسلامية في ليبيا، من خلال العمليات السرية والضربات الجوية، مدعومة في بعض الأحيان من الإمارات العربية المتحدة. وفي مارس 2015، بدأت قوة عربية بقيادة المملكة العربية السعودية حرباً (إلى حدٍ ما) على جماعة الحوثي المدعومة من قِبل إيران في اليمن فيما يكاد أن يكون حرباً بالوكالة ضد إيران. ومن ناحية أخرى، ينظر حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي استخدام القوة لوقف الهجرة غير الشرعية من السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط (وخصوصاً ليبيا وتونس). ركت الجيوش العربية أيضاً في تحالفات دولية سابقة، مثل التحالف الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت عام 1990-1991 وقصف حلف الأطلسي لليبيا في عهد القذافي عام 2011.

تم إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945 بهدف توحيد العرب تحت راية واحدة، وجيش واحد، وهكذا تم التوقيع على معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية (TJDEC) (على الرغم من عدم استخدامها قط) في عام 1950. وتم تشكيل أول جيش عربي موحد ما بعد الاستعمار في عام 1948، وذلك بهدف الدفاع عن فلسطين ضد الصهاينة، إلا أنه خسر كل من الحرب والأرض. وتم تشكيل تحالفات عربية أخرى في وقت لاحق (1967، 1973) لمحاربة إسرائيل، ولكنها لم تحقق أي نجاح.

وفي عام 1976، تم إتخاذ اجراءات أكثر جوهرية، مثل قوة الدرع العربية التي كانت تهدف إلى وقف الحرب الأهلية اللبنانية. ومع ذلك، تألفت بشكل أساسي من الجيش السوري الذي أصبح على وجه الخصوص قوة محتلة. في حين تم إنشاء قوة درع الجزيرة بقيادة الجيش السعودي والتي غزت البحرين عام 2011 للمساعدة في وضع حد للإنتفاضة التي اشتعلت على غرار الربيع العربي. هذا وتم الترحيب بالقوة العربية العسكرية المشتركة باعتبارها المشروع الضخم التالي على هذه القائمة.

وخلال القمة العربية في شرم الشيخ في مارس 2015، وبينما كانت عاصفة الحزم في اليمن على أشدها، تم كشف النقاب عن خطط تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة. اجتمع الجنرالات العرب بعد ذلك مرتين في القاهرة، في أبريل ومايو، لمناقشة الجوانب التقنية للقوة الجديدة. ومن المتوقع أن يعقدوا اجتماعاً ثالثاُ في يونيو حيث سيتم بعد ذلك التوقيع على المسودة النهائية.

لن تلزم جامعة الدول العربية الدول المشاركة في مشروعها الجديد، إذ أن المشاركة طوعية. ويهدف هذا الجيش إلى التدخل في حال طلب أحد أعضاء جامعة الدول العربية ذلك. وينبغي أن يشمل الجيش ما بين 20,000 إلى 40,000 جندي وقوات برية وجوية وبحرية، بينما ستكون المقرات في كل من القاهرة والرياض. وبشكلٍ عام، سيتم توفير التمويل من دول الخليج الغنية في حين أن القوى العاملة ستأتي من مصر والأردن والمغرب والسودان. وأعربت العراق، أقرب الدول العربية إلى إيران، عن تحفظها حول المشروع وكذلك فعل لبنان، حيث توجد العديد من الجماعات الموالية لإيران ولسوريا (أي موالية للأسد). ومع ذلك، تم تمرير الاقتراح.

يُعتبر الوضع في العالم العربي والتزود بالقوى للدفاع العسكري المذكور أعلاه من العوامل الرئيسية التي توّضح قرار إنشاء القوة العربية العسكرية المشتركة. وتعتبر مصر والسعودية القوتان المحركتان للمشروع. تمتلك مصر التي تلعب دوراً رمزياً كونها “أم الدنيا (العرب)” أكبر جيش عربي فضلاً عن احتضانها لمقر الجامعة العربية. أما المملكة العربية السعودية، التي تعدّ مهداً رمزياً للإسلام، أغنى الدول العربية والقوة المهيمنة في منطقة الخليج العربي.

وتعاني كلا الدولتين من الانشقاق الداخلي، الذي يتجلى بالتطرف والتناحر السياسي الداخلي، فضلاً عن التهديدات الخارجية، إذ يهدد تنظيم الدولة الإسلامية السعودية على الحدود الشمالية، بينما هناك اليمن إلى الجنوب وإيران إلى الشرق. أما مصر فتعاني على حدودها حيث تناضل ضد تمرد تنظيم الدولة الإسلامية في صحرائها الشرقية سيناء، وتزايد الفوضى في قطاع غزة على حدودها الشرقية، وانهيار ليبيا على حدودها الغربية، حيث يحقق تنظيم الدولة انتصارتٍ على الأرض. وترى المملكة العربية السعودية الجماعات العميلة لإيران في العالم العربي باعتبارها تهديداً دولياً يتوجب القتال، في حين ترى مصر جماعة الإخوان المسلمين في جميع أرجاء المنطقة كعدو يتوجب التخلص منه. كما أن كلا النظامين مبغضين لموجة الديمقراطية التي جلبها الربيع العربي.

كما أن هناك مخاوف في العديد من هذه البلدان (والكثير من الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية) من أن الولايات المتحدة الأمريكية تُدير ظهرها للمنطقة. ويعتبر هذا الأمر ذو أهمية خاصة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد بشكل كبير على حماية الولايات المتحدة. وعلى صعيدٍ آخر، فإن المحادثات النووية التي تجريها مجموعة (5+1) بقيادة الولايات المتحدة مع إيران، والتي ربما تمهد إلى نهج أقل عِداء من قبل الولايات المتحدة تجاه إيران، يضع الملح على الجرح العربي. هذا الشعور، إلى جانب التهديدات المتزايدة، عزز الاقتراح السعودي المصري لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة.

وفي إطار خوفهم من المشاكل الداخلية والخارجية، قررت البلدان، إلى جانب حلفائهم المقربين- أي بشكلٍ أساسي الملكيّات التي لا تزال قائمة في المنطقة- المضي قُدماً وتأسيس القوة العسكرية العربية المشتركة، ولكن هناك دلائل تُشير إلى أن هذا المشروع يندرج تحت خانة المشاريع العقيمة على غرار العديد من مبادرات جامعة الدول العربية السابقة.

وتعتبر الانقسامات من بين المشاكل البارزة بين الدول العربية، حيث تواصل المغرب والجزائر حربهما الباردة، في حين تخوض قطر حرباً بالوكالة في ليبيا ضد مصر والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن الخلافات بين العديد من الدول العربية حول كيفية التعامل مع سوريا، وبعض علاقات البلدان مع إيران مما يزيد مهام القوة العسكرية العربية المشتركة تعقيداً.

كما تبرز مشكلة أخرى وهي حقيقة أن جامعة الدول العربية تضم بشكل أساسي أعضاء من أنظمة استبدادية تواجه سخطاً شعبياً غير مسبوق. وتعتبر القوة العسكرية العربية المشتركة نتاج أنظمة تكافح من أجل البقاء، وفي حال نجاح أي انتفاضة أو انقلاب عسكري، سيعرّض هذا المشروع بأكمله للخطر.

بل الأهم من هذا، يختلف التسلح والعقائد العسكرية للدول العربية نظراً لتاريخ كل منها بعد الاستعمار ووفقاً للأولويات العسكرية. فقد تم تدريب بعض الجيوش لمواجهة بعضها البعض، في حين أن بعضها الآخر غارقٌ حتى أذنية بقضايا بلاده الاقتصادية والسياسية، بينما البعض الآخر يقبع في خانة التهميش. بعض هذه الجيوش حصل على تدريبه من قِبل الاتحاد السوفياتي ومسلّح بأسلحة سوفيتية، في حين أن الآخرين نتاج أمريكي محض.

هناك هدف واحد يمكن أن يوحدهم: إيقاف موجة الديمقراطية في المنطقة والفوضى التي صاحبت ذلك، والتي يجسدها تنظيم الدولة الإسلامية. وربما تعتبر عاصفة الحزم جنين القوة العسكرية العربية المشتركة، إلا أن بداياتها لم تكن واعدة. قد تكون هذه الحرب بالنسبة للقوة العسكرية العربية المشتركة مثل النكبة الفلسطينية عام 1948 بالنسبة لمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles