وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

استراتيجية الأردن ضد تنظيم الدولة: عواقب غير مقصودة؟

Jordan- Islamic state
أفراد من قوات الأمن وأقارب الرقيب هشام العقاربة، أحد أعضاء وحدة مكافحة الإرهاب والذي قُتل في هجومٍ أمس، يحضرون جنازته في منطقة بيرين، شمال العاصمة عمّان، في 21 أغسطس، 2018. Photo AFP

في 23 مارس 2019، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد انتصارها على الدولة الإسلامية بعد ستة أشهرٍ من القتال العنيف وطرد الجهاديين من آخر معاقلهم المتبقية في البلدة الشرقية، الباغوز في سوريا.

على الرغم من هذا النجاح الظاهر، لا يزال عدم اليقين قائماً فيما يتعلق بمستقبل العائدين من تنظيم الدولة إلى أوطانهم. ويبدو أن الأردن على وجه الخصوص يتعرض لمخاطر أمنية خطيرة، وفقاً لإميلي برزيبوروفسكي، الباحثة في مجلس السياسة الخارجية الأمريكية.

فعلى الساحة الدولية، لطالما نظرت الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، إلى الأردن كدولةٍ مستقرة في بيئةٍ مضطربة، بالإضافة إلى كونه حليفاً موثوقاً في “الحرب على الإرهاب.” ومع ذلك، وفقاً لمركز صوفان، على الرغم من أن الأردن كان في طليعة الكفاح ضد الدولة الإسلامية، إلا أنه يشكل أيضاً أحد أكبر مصادر المقاتلين الأجانب للجماعة الإرهابية، مع انضمام حوالي 3000 شخص إلى داعش منذ بداية الصراع السوري في عام 2011.

وبمجرد عودتهم إلى الديار، مسلحين بعقيدةٍ مدمرة وحِنكة أرض المعركة، فمن المحتمل أن يقوموا بتجنيد وتدريب أتباع جدد.

ففي السنوات الأخيرة، أظهرت المملكة الأردنية علامات ضعفٍ وشهدت العديد من الهجمات الإرهابية، فعلى سبيل المثال في ديسمبر 2016، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجوم قلعة الكرك، المقصد السياحي الشهير، حيث قتل سبعة من رجال الشرطة ومدنيان أردنيان وسائحة كندية.

وفي الآونة الأخيرة، في ديسمبر 2018، ألقى وزير الخارجية الأردني باللوم على مخيمات اللاجئين السوريين في كونها عُشّاً للتطرف. ومع ذلك، ينفي هذا التصريح تعرض الأردنيين للتطرف، إلا أنه قبل بضعة أشهرٍ فحسب، في أغسطس 2018، شن خمسة مواطنين ومتعاطفين مع داعش هجوماً في مدينة السلط ، مما أسفر عن مقتل 4 من ضباط الأمن وإصابة 20 مدنياً.

علاوةً على ذلك، وفقاً لاستطلاعٍ للرأي أجري في سبتمبر 2014، اعتبر 62% فقط من السكان الأردنيين أن تنظيم الدولة الإسلامية “جماعة إرهابية.” رقم آخر مُثير للانتباه هو أن 31% فقط يعتقدون أن أعضاء جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، “إرهابيين”.

بالنسبة للباحثة آن سبيكهارد، فإن الأسباب التي تجعل المقاتلين الأجانب الأردنيين ينضمون إلى الجماعات الجهادية متنوعة ومعقدة. بناءً على المقابلات التي أجرتها مع العديد من الجهاديين، تلاحظ أن الفقر والبطالة والاستياء من الحكم السيء والفساد هي بعض من أهم العوامل التي يستشهدون بها لتبرير سبب انضمامهم إلى الدولة الإسلامية. لكن الأمر لا يتوقف هنا، فقد ذكر العديد من المقاتلين الأجانب أيضاً واجباتهم الدينية في الدفاع عن إخوانهم السُنة ضد ما يرون أنه نظامٌ علوي وحشي في سوريا.

رداً على ذلك، اتخذت المملكة العديد من تدابير مكافحة الإرهاب للتخفيف من التهديد الأمني محلياً، فقد تم التشديد على قوانين أمن الحدود بين الأردن وسوريا لمحاربة تهريب الأسلحة والذخائر والمخدرات – التجارة التي ازدادت بنسبة 300% في عام 2013 وحده. كما عززت نظام المراقبة لديها للدفاع عن نفسها ضد تسلل مقاتلي داعش، بما في ذلك تركيب شبكة من أبراج الرادار والمراقبة لاكتشاف مواقع المتسللين المحتملين على بعد عدة كيلومترات من الحدود. وعلاوةً على ذلك، قامت البلاد بحملة ضد الإرهاب واعتقلت أكثر من 100 مواطن يعتبرون من داعمي الإرهاب المزعومين، وشددت قبضتها على المساجد من خلال دفع الأئمة إلى إدانة التطرف الديني مع قمع أي خطابٍ يُعتقد أنه ينتقد التحالف ضد الدولة الإسلامية، حيث تجلى تدخل الحكومة حتى من خلال نشر اقتراحاتٍ لخطب الجمعة.

ومع ذلك، على الرغم من هذه الجهود، لا يزال الأردن يعاني إخفاقاً في معالجة الأسباب الجذرية للجهادية. وعلاوةً على ذلك، وسعت تعديلات قانون مكافحة الإرهاب لعام 2014 من تعريف الإرهاب وشددت العقوبات على جرائم مثل “تعكير صلات الأردن بدولة أجنبية.” بالنسبة لـهيومن رايتس ووتش، يُمثل وضع الانتقاد السلمي للحكام الأجانب في خانة الإرهاب تهديداً كبيراً لحرية التعبير.

إضافةً إلى ذلك، فإن إستراتيجية الأردن لدعم رجال الدين السلفيين لمواجهة جاذبية الدولة الإسلامية قد تأتي بنتائج عكسية وتؤدي إلى توسيع التطرف. يقدم إطلاق سراح اثنين من أشهر رجال الدين السلفيين الجهاديين من السجن في عامي 2014 و2015 مثالاً توضيحياً لحدود هذه الاستراتيجية. ففي سبتمبر 2014، برأت محكمة أردنية أبو قتادة الفلسطيني من تهمٍ تتعلق بالإرهاب، وأبو قتادة واعظٌ متطرف نعت قبل بضعة أسابيع من مقتل الصحافي الأمريكي جيمس فولي على يد الدولة الإسلامية المعلنة ذاتياً، التنظيم بـ”الخوارج.” وفي أوائل عام 2015، أمر مدعي عام أمن الدولة في الأردن بالإفراج عن أبو محمد المقدسي، رجل الدين الجهادي المؤثر المعروف أيضاً بانتقاده الشديد للدولة الإسلامية، على أمل تشجيعه على التحدث ضد الجماعة الجهادية. ويبدو أن هذا قد حدث بعد قيام تنظيم الدولة الإسلامية بأسر وحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في الرقة في فبراير 2015، أثناء التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة ضد الجماعة. ومع ذلك، ووفقاً لمصادر جهادية، أفرجت السلطات الأردنية عن رجل الدين قبل مقتل الطيار.

على أي حال، فإن أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي بعيدان كل البعد عن كونهما رجال دين معتدلين، فقد أيدّ كلٌ منهما منذ زمنٍ طويل القاعدة وجبهة النصرة. وبحسب تحليلٍ أجراه مركز كارنيغي للشرق الأوسط، دافع المقدسي عن الدولة الإسلامية في سبتمبر 2014، عندما اعتبر رجل دينٍ سعودي أن الجماعة خرجت عن الإسلام. وفي بيانٍ آخر، أكد أيضاً أن “الحملة الصليبية ضد الإسلام والمسلمين في سوريا والعراق بدأت بدعمٍ من المرتدين،” مشيراً إلى التدخل العسكري ضد الدولة الإسلامية من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ووفقاً للباحثة إميلي برزيبوروفسكي، حتى وإن اتخذ الأردن عدة خطواتٍ لتجريم إلتحاق الأفراد بمنظمةٍ إرهابية ما وتمجيد مثل هذه الجماعات، فإن هذا التركيز على الجوانب الأكثر وضوحاً للتطرف منعت البلاد من “الانخراط بشكلٍ استباقي في المنافسة الأيديولوجية.” وفي مارس 2018، اتخذ الأردن خطواتٍ إضافية وافتتح بدعمٍ من وزارة الخارجية الأمريكية مركزاً جديداً للتدريب على مكافحة الإرهاب في جنوب عمّان، لزيادة قدرات البلاد على مكافحة الإرهاب بشكلٍ كبير.

بالنسبة إلى ضابط المخابرات الأمريكية المتقاعد، إميل نخلة، فإن شراكة الأردن العسكرية والأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة لا تكفي لمحاربة تعرض الأردن للإرهاب، خاصة إذا كانت المملكة تتهاون في القضاء على الفساد المستشري.