وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأردن: وجهات نظر تُعيد تقييم الصراع السوري بعد حادثة إعدام الطيار الأردني

Mideast Jordan Brotherhood
مؤيدو زكي بن رشيد, عضو الفرع الأردني للإخوان المسلمين أمام مبنى محكمة أمن الدولة بالعاصمة عمّان, 15 فبراير/شباط 2015 Photo Raad Adayleh/AP

يُعتبر الصراع السوري قضية معقدة للغاية، وليس هناك بلد يفهم هذا أفضل من جارة سوريا، الأردن. وسبق وشكك الأردنيون من قبل بالتقارير الإخبارية العالمية حول الصراع، إذ تمحور الإلتباس بشكلٍ أساسي حول ما إذا كانت جماعات المقاومة هذه التي ظهرت ضد الرئيس السوري بشار الأسد ميليشيات شرعية تسعى إلى تحرير البلاد أم مجرد جماعات مرتزقة متطرفة جاءت من أجزاء مختلفة من العالم العربي ممن يحملون أجندتهم الخاصة وبالتالي يسعون إلى سرقة ثورة الشعب السوري.

ومنذ المراحل الأولى للصراع عام 2011، كانت الأحزاب الأردنية المعارضة حذرة جداً بشأن اتخاذ موقف علني بشأن الصراع، وفي عام 2014، ركزت المعارضة بشكلٍ رئيسي على الحكومة واحتمالية تورط الأردن في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وتؤمن المعارضة أنّ هذا شأن سوري داخلي لا علاقة للأردن به، مستندة في ذلك إلى المبادىء الأخلاقية والدينية مدعيةً أن التورط في الحرب في سوريا، حتى وإن كان حصراً في مجال الاستخبارات، قد ينتج عنه فقدان أرواح الأبرياء من المدنيين وأولئك الذين يقاتلون النظام السوري حقاً.

وفي الوقت نفسه، أشار العديد من المعلقين في محطات التلفزيون والإذاعة أن قوة جماعة “تنظيم الدولة” المتطرف مبالغٌ بها. في حين شدد آخرون على أن مقاتلي تنظيم “الدولة” مجاهدين حقيقيين وأن الأمر يعود إلى “وسائل الإعلام الصهيونية التي اخترعت هذه الأكاذيب لتدمير سمعتهم وكذريعة لتفجيرهم”. أما الشائعات في العالم الإسلامي، والتي وصلت أيضاً إلى الأردن والمنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تُشير إلى حقيقة أن منفذي الإعدامات في تنظيم “الدولة” ملثمين دوماً ولا أحد يعرف حقاً الرجال خلف هذه الأقنعة، كما تم تعزيز هذه الآراء من قِبل أفراد العائلات واللاجئين الذي عبروا الحدود إلى الأردن.

وإذا ما كانت الحقائق على أرض الواقع غير واضحة، كيف يمكن للأردن الانضمام إلى قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة؟ وعلاوة على ذلك، كيف يمكن للأردن دعم بعض الجماعات على حساب آخرين في خضم هذا الإرتباك؟ كانت تلك مخاوف مشروعة لأحزاب المعارضة التي سرعان ما اكتسبت زخماً بعد الصور الرهيبة للقتلى المدنيين التي عرضتها وسائل الإعلام العالمية وبسبب الضغوطات المالية التي ترزح تحتها المملكة بسبب تدفق أعداد هائلة من اللاجئين إلى البلاد.

بدأت الضغوطات تتصاعد في البلاد بعد أن كُشِف النقاب عام 2014 أنّ الأردن تعتبر، على أرض الواقع، قاعدة تستخدمها طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في شن غاراتها الجوية على سوريا. وتمثل رد الفعل الحكومي بتشديد قوانين مكافحة الإرهاب وإعادة تفعيل عقوبة الإعدام بعد إيقافها لمدة ثماني سنوات، بهدف تثبيط عزيمة المتعاطفين مع تنظيم “الدولة” ومنعهم من الانضمام إلى الصراع من خلال الجماعات السلفية المحلية. وتُقدر الحكومة أنّ هذه الجماعات كانت قد أرسلت ما يُقارب ألفي مقاتل إلى سوريا (في حين تدعي الجماعات السفلية أن الرقم يتجاوز هذا بكثير وقد يصل إلى 8 آلاف مجاهد).

من ناحية أخرى، استُخدمت قوانين مكافحة الإرهاب الجديدة أيضاً في ترهيب واعتقال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ومن أبرزهم القيادي زكي بن رشيد نائب المراقب العام للجماعة، الذي اعتقل بتهمة انتهاك قانون الدستور لمكافحة الارهاب عندما نشر في وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، واصفا البلاد بـ”شرطي أمريكا في المنطقة” و”السرطان في العالم العربي”، وجاء هذا بعد أن وصفت الإمارات العربية المتحدة جماعة الإخوان المسلمين بالمنظمة الإرهابية. ومع ذلك، تمتلك جماعة الإخوان المسلمين معاقل قوية في جميع أنحاء البلاد، فقد ذكر الكاتب راكان السعايدة أن الحكومة الأردنية ستكون “مترددة فيما يتعلق بحل جماعة الإخوان المسلمين”، التي لا تزال أقوى الجماعات المعارضة في البلاد، مضيفاً ” تعدّ الجماعة الممثل الأكثر تأثيراً في تعبئة الشارع الأردني”.

ردود فعل على مقتل الكساسبة

Mideast Jordan Islamic State
مظاهرة مؤيدة لسياسة الحكومة ضد الإرهاب, عمّان, 5 فبراير/شباط 2015 Photo Raad Adayleh/AP

وقد اختفت مثل هذه الأصوات في العلن ووراء الكواليس على حد سواء، إذ دفع الإعدام الوحشي بالحرق للطيار الأردني الملازم معاذ الكساسبة في يناير الماضي بعد وقوعه في الأسر من قِبل تنظيم “الدولة” الشارع الأردني إلى إعادة تقييم معتقداتهم الشخصية فيما يتعلق بالصراع السوري. وعكست صبيحة اليوم التالي للإعدام الوحشي، حالة الصدمة التي ألمّت بالشارع الأردني، حيث خرج الناس إلى الشوراع، وبخاصة في الكرك مسقط رأس الكساسبة، تعتريهم حالة من الغضب والبكاء مطالبين الملك بالانتقام لمقتله. في حين، أضيئت الشموع وملأت صوره جميع أرجاء البلاد التي غمرها الحزن بينما أصبح شعار “كلنا معاذ” شعاراً للجماهير في احتجاجات الحداد العام التي عمّت جميع أرجاء البلاد.

كما ناقشت خطبة الجمعة في المساجد ما حصل، بينما نهج بعض الأردنيين نهجاً فاعلاً بالذهاب إلى الأراضي المقدسة وتأدية العمرة عن الكساسبة (يمكن للمسلم أن يؤدي واجباً دينياً أو يقوم بعمل خيري باسم شخص آخر، وبالتالي مجازاته بالحسنات). كما كرمته الألعاب الرياضية حتى أنّ منافسات الكيك بوكسنغ أقيمت تكريماً له. ومع بداية العام الدراسي الجديد الذي أستأنف في فبراير 2015، لم يتوقف أي فرد عن ذكر الحادثة، حيث انضم المعلمون إلى الطلاب وقرأوا سورة الفاتحة عن روحه، وهي السورة التي تقرأ في الجنازات وحفلات الزفاف وفي بداية الصلوات الخمس لدى المسلمين. وأصبح الكساسبة قدوة للشباب الأردني، وباتت حياته ومشواره المهني مصدر إلهام حيث عبّر العديد من الشباب الأردنيين في وسائل التواصل الاجتماعي عن تطلعهم ليصبحوا طيّارين مثله.

وسرعان ما انضمت الأحزاب الموالية للحكومة والمعارضة على حد سواء إلى الصفوف الأولى لمظاهرات المشيعيين، كما قدمت جميع الأطراف من جميع الأطياف تعازيها لعائلة الكساسبة معبرين عن إدانتهم بأشد الكلمات لتنظيم “الدولة”. ونقلت صحيفة جوردان تايمز، الصحفية الرسمية في الأردن الناطقة باللغة الإنجليزية، عن عضو مجلس شورى جماعة الاخوان المسلمين الشيخ رائد الشياب ان فعلة ما يسمى بتنظيم “داعش” الارهابي وجريمته النكراء بحق ابن الوطن الشهيد الطيار معاذ الكساسبة تقطع الشك باليقين انه تنظيم موغل في الارهاب، واضاف ان افعال هذا التنظيم لا تخضع لمنطق ديني او عقلي او عقائدي او انساني ويتنافى كليا مع الاسلام. وبهذا تحاول جماعة الإخوان النأي بنفسها عن “داعش” كي لا يتم وضعها ضمن خانة المتعاطفين مع هذا التنظيم.

فضلاً عن ذلك، يشعر المواطنون الأردنيون بالخوف إلى جانب رغبتهم في الانتقام. ومع تكثيف القوات الجوية الأردنية غاراتها ضد معاقل التنظيم، يخشى الشارع الأردني قيام “داعش” بهجمات إرهابية انتقامية على غرار تفجيرات عمان التي حدثت عام 2005. ولهذا السبب لم تتراجع المعارضة عن رفضها مشاركة الأردن في الخطوط الأولى للمواجهة، حيث صرّح المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين “نؤكد رفضنا للمشاركة في هذا التحالف وهذه الحرب، التي سيدفع ثمنها أبناء هذه الأمة بدمائهم، وأمنهم، واستقرارهم”. كما علّق محمد شلبي، وهو زعيم سلفي معروف باسم أبو سياف قائلاً “ببساطة، إذا ما قصفنا معاقل تنظيم الدولة، سيوَّلد هذا موجة من الاستياء مما يدفعهم إلى تهريب أشخاصٍ لتنفيذ هجمات إرهابية داخل الأردن”.

ورغم ذلك، تم تعزيز موقف الحكومة، وباتت معارضة مشاركة الحكومة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة” مخالفاً للوطنية. وقد طُلب من جميع أفراد الشعب الأردني بكافة أطيافه توخي الحذر والتعاون مع السلطات والإبلاغ عن أي معلومة تمس أمن البلاد. في حين حذرت مختلف السفارات رعاياها في الأردن، وتم تركيب نظام لصفارات الإنذار في حال حدوث أي طارىء.
لا تزال العواطف متأججة في الأردن، ولكن أصبح هناك تحول جذري فيما يخص الوعي والنقاش العام في المجتمع الأردني، حيث أظهر استطلاع أجرته صحيفة جوردان تايمز في 12 فبراير أنّ أكثر من 85% من الأردنيين يؤيدون مشاركة الأردن في التحالف الدولي ضد “داعش” حيث بات واقع الحال أخيراً أكثر وضوحاً.