وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاستفتاء الكردي: من وماذا ولماذا؟

Specials- Kurdish Referendum
الأكراد العراقيون يدلون بأصواتهم في استفتاء الإستقلال الكردي في مدينة كركوك شمالي العراق، 25 سبتمبر2017. Photo AFP

فتح الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان العراق، الذي سيعقد اليوم الموافق 25 سبتمبر 2017، فصلاً جديداً من الآمال الكردية بدولةٍ خاصةٍ بهم، بعد قرابة قرنٍ من الزمان على طرح الفكرة رسمياً لأول مرة في معاهدة سيفر عام 1920. بيد أن صعوباتٍ تواجه الاستفتاء اليوم، داخلياً وخارجياً؛ فلماذا الآن، وما الفرصة التي يتمتع بها الاستفتاء حقاً لقيام دولةٍ كردية؟

بينما سيرحب غالبية الأكراد بالدولة الكردية باعتبارها نصراً، سيمنح التصويت للرئيس مسعود البارزاني، زعيم حكومة إقليم كردستان في أربيل، فرصة جديدة في حياته السياسية. فمنذ عام 2005، تزعم البارزاني المحافظات الاتحادية الكردية، وارتقاء عائلته في المناصب الحكومية الرئيسية. وفي عام 2013، انتهت ولايته الثانية، بالرغم من تمديد رئاسته لعامين إضافيين. ومع ذلك، ومنذ عام 2015 مارس عمله في إطار فراغٍ قانوني. فإذا ما افترضنا أن سيطرته على السلطة أضرّت بتأييد الرأي العام له خلال الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة التي تعرضت لها حكومة إقليم كردستان، إلا أن تحركه نحو الاستقلال قد عزز بالتأكيد دعم الرأي العام له، وإذا ما أصبح الانفصال عن العراق ممكناً، سيكون مرشحاً محتملاً لأعلى منصبٍ في الدولة الجديدة.

فقد ترك سوء الإدارة الاقتصادية والفساد داخل إقليم كردستان المنطقة في حالةٍ ماليةٍ سيئة، كما تركت سنوات من القيادة الضعيفة والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية حكومة إقليم كردستان تعاني عجزاً شهرياً في الميزانية يُقدر بأكثر من 100 مليون دولار، مما جعلها يائسةً للحصول على المساعدات الخارجية. فعلى الأقل، سيسمح التصويت لحكومة إقليم كردستان بتشتيت الأنظار عن سجلها الضعيف في السلطة، مما يُتيح لقادتها السياسيين فرصة إلقاء اللوم على بغداد والكيانات الأجنبية فيما يتعلق بمشاكلها الحالية، وفي مقدمة ذلك، حصة حكومة إقليم كردستان من عائدات النفط العراقية. فبينما تنبع الكثير من هذه العائدات من حقول النفط التي تخضع اليوم للسيطرة الكردية، لم تستطع حكومة إقليم كردستان، باعتبارها كياناً غير حكومي، بيع هذا النفط لصالحها فضلاً عن المناوشات المستمرة منذ سنوات مع بغداد حول ما تعتبره حصتها العادلة. فقد أدى إنخفاض أسعار النفط إلى تفاقم هذا الضغط، مما أدى الى إرتفاع مستوى الاستياء بين الأكراد، الأمر الذي يرغب السياسيون في توجيهه خارج إقليم كردستان. ومع ذلك، في المناطق التي تؤيد الاتحاد الوطني الكردستاني، المنافس السياسي الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة البارزاني، بسبب الغضب من سوء إدارة الحزب الديمقراطي الكردستاني، قد يتطور الحال اليوم إلى تصويتٍ ضد الاستقلال. وبغض النظر عن سوء الإدارة الاقتصادية، واجهت حكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم أيضاً اتهاماتٍ بالحكم الاستبدادي، مثيرةً في بعض الأحيان القلق من تجاهل سيادة القانون وحقوق الإنسان. ومن المؤكد أن هذه المخاوف ستلعب دوراً في عقول بعض المشاركين في التصويت اليوم.

ومن الجدير بالذكر أن التصويت الكردي ليس له أساس قانوني، كما أصدرت محكمة في بغداد قراراً بوقفه باعتباره غير دستوري. وعلاوة على ذلك، يشمل الاستفتاء مدينة كركوك والأراضي التي تسيطر عليها السلطات الكردية منذ تقدم داعش في عام 2014، مما سمح للبيشمركة الكردية ضم مساحات واسعة من الأراضي التي تخلي عنها الجيش العراقي. وتشكل كركوك على وجه الخصوص نقطة خلافٍ مقلقة، ذلك أنها تضم مزيجاً ضخماً من المواطنين التركمان والمقيمين العرب الذين لطالما كانوا يخشون تولي الأكراد للسلطة. وعليه، صوت مجلس كركوك على الانضمام إلى الاستفتاء، في تصويتٍ قاطعه العديد من سياسي الأقليات، مما دفع برلمان بغداد إلى إقالة محافظ المدينة الكردي. ومع ذلك، لا يقتصر التوتر على كركوك، إذ أن النزاع على السلطة يمتد لمساحات واسعة. فقد تضررت مناطق مثل سنجار بشدة من فظائع جيش الاسلام، كما اشتبكت الجماعات المسلحة هناك مع سلطات أربيل في 2016. وقد تشكل الميليشيات الشيعية الموالية لبغداد التي تتمركز داخل هذه المناطق المتنازع عليها، والتي اشتبكت مع البيشمركة من قبل، فتيل الشرارة التي ستشتعل إذا ما حاولت أربيل رسمياً السيطرة على هذه المنطقة. وأشار دبلوماسي كردي كبير إلى أنه يمكن إجراء استفتاء ثانٍ في الأراضي المتنازع عليها، إلا أن ذلك قد لا يكون كافياً لتهدئة مخاوف أولئك المحاصرين بين رغبات أربيل وبغداد.

العراق

بالنسبة لبغداد، فإن الاستفتاء الكردي كابوسٌ جاء في أسوأ الأوقات. فالحرب ضد جيش الاسلام في العراق في مراحلها الأخيرة، إلا أنها دمرت الاقتصاد العراقي وقواته المسلحة. وبعد سنوات من الجدل الدائر حول عائدات النفط، كانت العلاقات بين أربيل وبغداد في أسوء حالاتها، ويبدو أن الاحتمال ضئيلٌ جداً بأن تغري حكومة إقليم كردستان بغداد لمساندتها بتحقيق آمالها بالاستقلال. وعلاوة على ذلك، فإن صعود جيش الاسلام والشعور بhالحرمان من الحقوق الذي يعاني منه العديد من السنة الذين ساندوها، قد طرح أسئلة متجددة حول استقرار التركيبة المتعددة الأعراق لدول الشرق الأوسط اليوم.

من جهتها، تعتمد بغداد على عائدات النفط من المحافظات الشمالية الغنية بالنفط، سيما من الحقول حول كركوك. وعليه، فإن خسارة تدفقات هذه الإيرادات، التي من شأنها أن توفر دخلاً سليماً لكردستان المستقلة، سيُعقد الجهود لإعادة إعمار المناطق ذات الأغلبية السنية التي شهدت الجزء الأكبر من الدمار في خضم الحملة ضد جيش الاسلام. وبالنظر إلى التوترات السنية الشيعية السابقة حول كيفية توزيع الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد للانفاق الوطني، تشكل خسارة التدفق النقدي الذي سيساعد في إعادة إعمار المدن السُنية، مصدر قلقٍ كبير.

وبالنسبة لتركيا وإيران، وكلاهما يملكان مناطق ذات أغلبية كردية، فإن أي تحرك نحو الاستقلال الكردي في العراق سيزيد من احتمالات الدعوة إلى الحكم الذاتي الكردي في بلدانهم. وتتمتع كلا الدولتين بعلاقاتٍ مع أحد الحزبين السياسيين الرئيسيين في حكومة إقليم كردستان، وبصفتهم جيران، لهما مصالح اقتصادية وعسكرية في ما يحدث على حدودهما. وتعتبر تركيا الشريك التجاري الرئيسي لحكومة إقليم كردستان، إذ هددت بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية إذا ما استمرت حكومة إقليم كردستان في إجراء الاستفتاء.

وقبل أسبوعٍ من أجراء التصويت، أجرت القوات المسلحة التركية واحدة من أكبر المناورات العسكرية منذ سنوات على طول الحدود العراقية. وتضمنت التدريبات العسكرية في منطقة سيلوبي عدداً كبيراً من المركبات المدرعة والقوات، التي تم تفسيرها، على نطاقٍ واسع، بأنها استعراض للقوة يستهدف أربيل. ويعتبر معبر خابور الحدودي في منطقة سيلوبي التركية خط الحياة الاقتصادي الرئيسي لحكومة إقليم كردستان ونقطة دخول معظم واردات الإقليم التي تشتد الحاجة إليها. وقد حذر سياسيون أتراك من التصويت على الاستفتاء منذ لحظة الإعلان عنه، وقبل يومين من الاستفتاء، تم تمديد تفويض نشر القوات المسلحة التركية في العراق وسوريا، مما أثار شبح التدخل العسكري التركي. كما شرعت القوات الإيرانية بتدريباتٍ مماثلة على طول الحدود العراقية وفي 23 سبتمبر2017، وبناءً على طلبٍ من بغداد، مُنعت الرحلات الجوية من وإلى أربيل من دخول مجالها الجوي، مما يشير بشدة إلى معارضتها للتصويت.

الولايات المتحدة الأمريكية

لم يُخفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعاطفه مع الأكراد، كما يتطلع العديد من الأكراد إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية لكردستان مستقلة. ففي نهاية المطاف، قادت الولايات المتحدة جهود حماية الأكراد بعد عمليات الأنفال التي شنها صدام حسين عام 1988، والتي أسفرت عن مصرع ما لا يقل عن 50 ألف شخص. كما حظي البشمركة أيضاً بدعم القوى الأمريكية والأوروبية من خلال المساعدات العسكرية في معاركه ضد جيش الاسلام، ولكن مع تحول محور الحملة إلى سوريا، تراجع الدعم العسكري الأمريكي والوعود بتزويدهم بالأسلحة. وقد دأبت إدارتان متتاليتان في البيت الأبيض على استخدام القوات الكردية كوكلاء في المعارك ضد جيش الاسلام، إذ كان يأمل العديد من الأكراد أن تكافأ تضحياتهم ضد الجماعة المتطرفة بالاستقلال. بيد أن واشنطن لا ترغب في تعريض الدولة العراقية التي نشأت من الفوضى التي تلت عهد صدام خلال السنوات الـ14 الماضية، للخطر. وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن مساندة الآمال الكردية في الاستقلال يعني تحمّل غضب جميع من في المنطقة ممن يعتبرونه تهديداً لهم. ومع تنامي قبضة إيران الواضحة على بلاد الشام، ستحرص الولايات المتحدة على ضمان عدم معاداة المزيد من الحكومات الأقليمية.

مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة

في الاسبوع الذى سبق إجراء الاستفتاء، وافق مجلس الأمن الدولي على قرار يدين التصويت الكردي بسبب الأثر المحتمل لزعزعة الاستقرار في المنطقة، إذ يتمتع جميع الأعضاء الدائمين بالمجلس بعلاقاتٍ وثيقة بدول الشرق الأوسط. وبما أن كلاً من روسيا والمملكة المتحدة والصين عانت من مشاكل الانفصال محلياً، فليس من المستغرب رفض المجلس للاستفتاء. وفي حين أنه من غير المحتمل أن يشجع مجلس الأمن على اتخاذ أي إجراءٍ ضد التصويت، فإن قراره بشأن هذه القضية يعد دليلاً آخر على تفضيل المجتمع الدولي للوضع الراهن القائم في المنطقة.

اسرائيل

تعتبر إسرائيل الصوت الوحيد، على الصعيدين الإقليمي والدولي، التي أعربت عن تأييدها الرسمي للاستفتاء. فقد حافظت إسرائيل على علاقاتٍ سرية مع الأكراد منذ ستينيات القرن الماضي، إذ تنظر إليهم باعتبارهم حليفاً غير عربي محتمل في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن التأييد الاسرائيلي سيفٌ ذو حدين بالنسبة لأربيل، فإسرائيل لا تحظى بشعبيةٍ بين المسلمين العراقيين، كما أن دعمها، لربما، يؤكد إدعاءات الصحف التركية بأن التصويت ليس سوى خدعة إسرائيلية لزعزعة استقرار المنطقة.

توجه الأكراد إلى الصناديق أملاً في صنع التاريخ، واتخاذ أولى الخطوات في المسيرة نحو دولةٍ مستقلة أمام أعين العالم، ومع ذلك، فإن هذه النتيجة التي يتوق لها الأكراد لا تزال بعيدةً كل البعد عن الحتمية. ومع وجود مثل هذه المعارضة الدولية لقضيتهم، والخلافات القانونية في الداخل والقضية الشائكة حول أي الأراضي التي يمكن للأكراد المطالبة بضمها، قد تبقى الدولة الكردية المستقلة مجرد أوهامٍ يُستبعد تحقيقها.