وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العفو عن المعارضين الكويتييّن – استمرار الأزمة السياسية

العفو عن المعارضين الكويتييّن
النائب البرلماني السابق، مسلم البراك، مُحاط بأنصاره لدى وصوله من تركيا إلى مدينة الكويت، في 17 نوفمبر 2021، بعد صدور مرسوم عفو من أمير الكويت. ياسر الزيات / وكالة الأنباء الفرنسية

في نوفمبر 2021، أصدر أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مرسومَيْن، طال انتظارهما، بالعفو عن خمسة وثلاثين معارضًا سياسيًا وتخفيف الأحكام الصادرة بحق بعضهم، ممن أُدينوا بتهم مختلفة تتعلّق باقتحام مبنى البرلمان أثناء احتجاجات 2011. وأدى هذا إلى إطلاق سراح سجناء، وعودة شخصيات معارضة رئيسية كانت تعيش في منفى اختياري في تركيا لتتجنّب أحكام السجن القاسية في الكويت.

 كما صدر العفو عن 13 عضوًا في “خلية العبدلي”، وهي مجموعة أُدينت بالتجسّس لصالح إيران وحزب الله، فضلًا عن التآمر ضد الدولة. ورغم حقيقة أنّ العفو عن المجموعتيَنْ جاء في إطار صفقة شاملة، مدفوعة سياسيًا، فإنّهما غير مرتبطتَيْن. وهنا، سنتعامل مع العفو عن المنشقّين فقط، لأنّ قصة العبدلي في حدّ ذاتها مختلفة ومعقّدة للغاية.

جاء العفو بعد عامٍ من أزمةٍ سياسيةٍ متصاعدة، حيث توقّف العمل التشريعي واستقالت الحكومة وعادت بعد تعديلٍ وزاري، وأجّل الأمير اجتماعات البرلمان لمدة شهر، وهو حقّ له بموجب الدستور. لكن، هل انتهى كل هذا بالعفو؟

أبدًا. العفو هو مجرد واحد من بين عدة قضايا بين البرلمان والحكومة، وهو بالأحرى نتيجةً للمشكلة الأساسية: برلمان مُنتَخَب مقابل حكومة مُعَيَّنة، حيث تبقى المناصب الرئيسية فيها داخل العائلة المالكة، ويكون للأمير السلطة النهائية لحلّ البرلمان. ويمكن لهذا النظام شبه الديمقراطي (إذا كان بإمكان المرء تسميته كذلك) أن يعمل في حال كان البرلمان، إلى حدٍّ كبير، في صف الحكومة. وفي حال لم يكن في صفّها، فلا يمكن أن يعمل بالشكل المناسب.

وجزئيًا، بسبب مقاطعة المعارضة للانتخابات السابقة، من 2013 حتى 2016، كانت البرلمانات موالية للحكومة وأصدرت مجموعة من القوانين، التي تقيّد الحريات المدنية وتفرض عقوبات قاسية على ما يُنظر إليه باعتباره جرائم سياسية. بمعنى آخر: بعد اضطرابات عام 2011-2012، فرضت الحكومة قوانين قاسية كطريقة لإسكات أصوات المعارضة في جميع أنحاء البلاد.

 وفي ديسمبر 2020، لم تقاطع المعارضة الانتخابات، ما أدى إلى مكاسب كبيرة للمجموعات التقليدية (الإسلامية والقبلية) والشعبوية المناهضة للنخبة. ومنذ البداية، أوضح هذا البرلمان الجديد، الذي تقوده المعارضة، أنّه سيحارب القوانين التقييدية المذكورة أعلاه ومنح الأولوية للعفو عن الأفراد المُصنّفين على أنّهم “منشقّون” (بعد سنوات من المحادثات دون اتخاذ أي إجراء).

ومن ناحية أخرى، كانت الحكومة بحاجة إلى دعم البرلمان لتمرير القوانين التي من شأنها تفعيل الإصلاحات المالية ، لمساعدة البلاد في الوصول إلى وضعٍ مالي أكثر استقرارًا – وهذا مجرّد ملف واحد من بين عدة مواضيع مهمّة تحتاج إلى معالجة. والنتيجة: وَضَع الجهازان التشريعي والتنفيذي العوائق أمام بعضهما البعض منذ يوم تنصيب هذا البرلمان، وأصبح العفو هو الملف المسكوت عنه أو الفيل في الغرفة.

وفي الكويت، هناك طريقتان لإصدار العفو: إما بمرسوم أميري أو على شكل قانون يقرّه البرلمان. الأوّل له تأثير قانوني محدود لأنّه يترك الإدانة الأصلية كما هي. أما الثاني فيلغي الإدانة تمامًا ويمكن للعفو أن يمنح الفرد سجلًا نظيفًا؛ هذا أمر مهم، لأنّه بموجب قانون صدر في عام 2016، يُمنع المُدانون بتهمة إهانة الذات الملكية (جريمة ضد كرامة صاحب السيادة) من الترشّح للبرلمان. فالعفو الأميري “الجزئي” يؤدّي إلى تطبيق هذا القانون، في حين أنّ العفو البرلماني “التام” لا يمنع العضو البرلماني من الترشح مجددًا.

مفاوضات

انقسم المُنشقّون وأعضاء البرلمان المعارضون: أراد البعض البدء في التفاوض بشأن عفوٍ أميري، وبالتالي كانوا يسعون إلى الوصول إلى نوع من التسوية مع الحكومة (ربما ظنّوا أنّهم سيتعاملون مع قانون إهانة الذات الملكية لاحقًا)، بينما أصرّ آخرون على صدور عفوٍ برلماني. وكانت احتمالات تحقّق السيناريو الأخير بعيدةً للغاية، لأن هذا قد يدفع الأمير، في نهاية المطاف، إلى حل البرلمان؛ وهي خطوة اتّخذها من قبل عندما انحرف البرلمان كثيرًا عن مصالح الحكومة. وفي المعسكر الأوّل، كان هناك رموز مثل مسلم البراك، وفي المعسكر الثاني، كان يوجد فيصل المسلم، وكان كلاهما يقيم في تركيا في ذلك الوقت.

 وفي أكتوبر 2021، طلب الأمير أخيرًا من لجنة مؤلّفة من رئيس مجلس النواب و رئيس الوزراء (وكلاهما مستهدف من قِبل النواب) ورئيس مجلس القضاء الأعلى صياغة أحكام وشروط المرسوم.

ومن جانب مجلس النواب، شارك ثلاثة نواب في المفاوضات، أبرزهم عبيد الوسمي ، وهو شخصية معارضة معروفة ويحظى بشعبية كبيرة. وادّعت تقارير أنّه حصل على الضوء الأخضر من مسلم البراك لبدء المفاوضات. وفي نوفمبر، أصبح العفو حقيقة، وعاد البراك ورفاقه المعارضين إلى الكويت.

 وحال عودتهم، استأنفوا الخطاب من حيث تركوه منذ سنوات: انتقاد التنفيذيّين لعدم نشاطتهم وفسادهم وسوء إدارتهم. فعلى سبيل المثال، بدأ مسلم البراك مؤتمره الصحفي معلنًا أنّه لن يهدأ حتى تتغيّر الأمور، وأنّ الكويت دولة غنية ومواطنيها يستحقّون ما هو أفضل من هذا. لكن الناس سمعوا كل ذلك من قبل. السؤال هو: هل سيجعلون، بالفعل، أي شيء أفضل هذه المرة؟

سنرى إذا كان سيتحقّق ذلك. كما ذكرنا سابقًا، كان العفو عن المعارضين مجرّد واحد من بين العديد من القضايا التي يجب معالجتها بين البرلمان والحكومة. بل ربما حتى أن الأخيرة لعبت بذكاء عبر قبول منح العفو الأميري والتعنت في قبول مطالب أخرى مثل قضية العفو عن العديد من النشطاء السياسيين الآخرين، الذين لا يزالوا في السجن، والذين أُدينوا للتعبير عن آرائهم السياسية على وسائل التواصل الاجتماعي. وطالب البرلمان بالعفو عنهم أيضًا.

كان هناك عفو عام مطروح على الطاولة، لكن اللجنة (المكوّنة بشكل أساسي من نواب موالين للحكومة)، والمكلّفة بوضع قواعد وشروط هذا العفو، علّقت اجتماعاتها بعد أن ألقت شخصيات معارضة متشددة خطابات ذكرت الأمير بطريقة غير ملائمة. لذا، هناك معركة عفو جديدة ومعها سبب آخر لحدوث مأزق سياسي.

إلهاء

وفي الوقت الذي جرى فيه التفاوض بشأن العفو عن الأشخاص المتهمين بانتهاك القوانين، مثل قانون إهانة الذات الملكية المذكور أعلاه وقانون الجرائم الإلكترونية، ظلّت القوانين على حالها. إنّه تكتيك ذكي للفت الانتباه إلى فعل العفو عن حفنة من المعارضين البارزين. ففي ظل أدنى حد من التأثير القانوني وأقصى قدر من الاهتمام الإعلامي، يصرف قرار العفو الانتباه عن القضايا الأكبر. وفي نهاية المطاف، إنّ العفو عن بعض المخالفين أسهل من إلغاء القانون الذي انتهكوه.

وعلاوةً على ذلك، في إطار المناقشات بشأن العفو الجزئي مقابل العفو التام، انقسمت المعارضة (التي لم تكن أبدًا كتلة موحّدة منذ البداية) إلى فصائل شديدة الانقسام مؤلّفة من المعارضة المتشدّدة والمعارضة المعتدلة. فعلى سبيل المثال، يُتّهم النائب المعارض المؤثّر  المذكور أعلاه، عبيد الوسمي، بتقديم تنازلات مُفرطة للحكومة من دون التشاور مع بقية المعارضة. وأثارت تحيّته الأخيرة لرئيس البرلمان (الموالي للحكومة والمثير للجدل) غضبًا، وأدّت إلى اتهامه بالازدواجية. لم تكن هذه التطوّرات موضع ترحيبٍ بالنسبة لحكومةٍ ذات استراتيجية فَرِّق تَسُدْ.

هذا هو الموضع الذي تجد فيه السياسة الكويتية نفسها. وحتى الآن، تشبه سياسات ما بعد العفو سياسات ما قبله تمامًا: تستمر المصالح الشخصية، والأنا، والتآمر، والتخطيط في إملاء الأجندة السياسية. وماذا عن الناس؟ إنّهم يشعرون أن المشرّعين والحكومة لا يهتموا بهم على حد سواء.