وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

محامون حقوقيون مصريون يتحدون إتفاقية جزر البحر الأحمر

Egypt- protest Tiran and Sanafir
ناشطون يحتجون، خارج مبنى نقابة الصحفيين، على قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتسليم مُلكية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية ، القاهرة، مصر، 13 أبريل 2016. Photo AP
رفضت المحكمة الإدارية العليا في مصر في 16 يناير 2017 استئناف الحكومة بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، غير المأهولتان بالسكان في البحر الأحمر، للمملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، أبطلت محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة، في أوائل أبريل، الحكم. وقال خالد علي، وهو مرشح رئاسي سابق في عام 2012، وأحد المحامين الحقوقيين المعارضين لنقل مُلكية الجزر، أن فريقه اتخذ إجراءاتٍ قانونية للطعن في القرار، على أساس أن محكمة الأمور المستعجلة لا تملك السلطة لاتخاذ مثل هذا القرار.

وقال علي لموقع مدى مصر الإخباري: أن “أحكام الإدارية العليا نهائية وباتة ولا يجوز إيقاف تنفيذها أو إبطالها إلا بحكم آخر من الإدارية العليا.”

النظام القضائي المصري

تُنظر قضية الجزر أمام ثلاثة محاكم مختلفة، وفقاً لموقع مدى مصر: مجلس الدولة (الذي يغطي كامل نظام المحاكم الإدارية)، ومحكمة الأمور المستعجلة، والدستورية العليا. فقد قضى القضاء الإداري التابع لمجلس الدولة ببطلان الاتفاقية في الصيف الماضي، كما فعلت المحكمة الإدارية العليا بعد الاستئناف. بينما أصدرت محكمة الأمور المستعجلة قرارين ببطلان حكمي القضاء الإداري السابقين، ولكن كما هو موضح أعلاه يعتبر هذا تجاوزاً محتملاً للدستور. وستنظر الدستورية العليا، في أعقاب منازعتين قضائيتين رفعتهما هيئة قضايا الدولة، فيما إذا كان لمجلس الدولة ولاية قضائية على هذه القضية.

وأضاف أنّ الهدف من استصدار حكم من الأمور المستعجلة هو “منح مجلس النواب غطاء قضائي يستتر به لتبرير بدء مناقشته للاتفاقية. بينما قال مالك عدلي، وهو أحد أعضاء الفريق القانوني التابع لعلي، لموقعنا Fanack، أن محكمة الأمور المستعجلة لا تمتلك الصلاحيات لمثل هذه القضايا، وأن اختصاصها القضائي يقتصر على بعض القضايا الملحة مثل “إزالة شيء ما من الشارع،” أو “تدمير مبنى على وشك الانهيار.”

وكرر أن إلغاء قرار المحكمة الإدارية العليا ينتهك الدستور ووصفه بأنه “نوع من الجرائم.” وأشار إلى المادة (190) من الدستور والتي تنص على أن “مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل فى الدعاوى والطعون التأديبية، ويتولى وحده الإفتاء فى المسائل القانونية للجهات، التى يحددها القانون، ومراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، ومراجعة مشروعات العقود التى تكون الدولة، أو إحدى الهيئات العامة طرفًا فيها، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى.” وأضاف عدلي أن على مجلس القضاء الأعلى التدخل ومحاسبة القاضي الذي أصدر الحكم. ورداً على سؤالنا حول كيفية انخراط محكمة الأمور المستعجلة في القضية في المقام الأول، ألمح عدلي إلى أن جهاز الأمن لديه مستوىً من السيطرة على هذا النوع من المحاكم.

فقد أثار إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل 2016 أن مصر ستسلم الجزيرتين، اللتان تقعان في موقعٍ استراتيجي عند مصب خليج العقبة، احتجاجاتٍ واسعة النطاق. وعلى الرغم من إسكات السيسي الفعال لأي أصواتٍ معارضة، فإن قضية الأراضي المصرية حساسة بشكلٍ خاص. وبموجب الدستور المصري، لا يحق للحكومة ولا للبرلمان التخلي عن الأراضي المصرية إلى دولةٍ أخرى، وأي اتفاق من هذا القبيل يجب أن يُصدّق عليه باستفتاءٍ شعبي.

من جهةٍ أخرى، يقول مسؤولون مصريون أن الجزر في الأصل سعودية، ولكن عُهد إلى مصر لحمايتها خلال الحروب مع إسرائيل في الخمسينات. وعلى هذا النحو، ستعيد مصر أراضي المملكة العربية السعودية التي تملكها في الأصل. ومع ذلك، يرى الناشطون أن الجزر مصرية، وفقاً لاتفاقٍ مع الإمبراطورية العثمانية في عام 1906، أي حتى قبل وجود السعودية. وفي الوقت نفسه، أصبحت الاتفاقية قضيةً سياسية وقانونية على حد سواء. ففي 2016، وافق مجلس الوزراء على الاتفاق وأحاله إلى البرلمان للتصديق عليه، على الرغم من اعتراض بعض أعضاء البرلمان على أن السلطة في هذا الشأن تقع خارج نطاق البرلمان.

وفي 10 أبريل 2017، أحال رئيس البرلمان، علي عبد العال، الاتفاق إلى اللجنة التشريعية والدستورية للبرلمان لمناقشته. كما رفع فريق علي دعوى قضائية ضد البرلمان. وأوضح عدلي أنه عندما حكمت المحكمة الإدارية العليا ببطلان الإتفاق، لم يعد البرلمان يملك أي حقٍ للبت فيه. وعليه، ستعقد الجلسة التالية للقضية في مايو 2017.

وقد أدى التأخير في نقل ملكية الجزر إلى تعميق الصدع بين القاهرة والرياض. فبعد الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين في انقلاب مدعومٍ شعبياً في عام 2013، أنفقت المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد المصري المعتل.

وفي إشارة إلى استيائها، أوقفت الرياض في أكتوبر الماضي شحنات المنتجات النفطية الشهرية التي تقدم إلى القاهرة بشروطٍ ميسرة لمدة خمس سنوات. كما توترت العلاقات بشكلٍ أكبر بسبب تضارب مواقف البلدين حول الحرب في سوريا، إذ أن مصر تؤيد نظام الرئيس بشار الأسد بينما تدعم السعودية المعارضة. وقبل وقتٍ قصير من توقف شحنات النفط، صوتت مصر لصالح قرار الأمم المتحدة المدعوم من روسيا حول سوريا، الذي استبعد الدعوات لوقف القصف على حلب، إلا أنّ السعودية عارضته.

بيد أن نقل شحنات النفط استؤنف في مارس الماضي 2017، مما يشير إلى احتمالية عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين. وفي الشهر نفسه اجتمع السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان على هامش قمة الجامعة العربية في الأردن، وحرصا على إظهار صداقتهما المتجددة أمام وسائل الإعلام. وبعد ثلاثة أيام، قضت محكمة الأمور المستعجلة بالمضي قدماً بنقل ملكية الجزيرتين. ويوحي هذا بأن صفقة الجزز ركنٌ أساسي للحفاظ على علاقاتٍ قوية مع المملكة العربية السعودية. وبالسير قدماً في تطبيقها، ستضطر مصر إلى تحدي الرأي العام، فضلاً عن التحدي القانوني الذي أثاره علي وفريقه. فقد تردد عدلي في تنبؤ نتيجة الحكم في القضية، منوهاً “في مصر، لا تعرف أبداً ما سيحصل.”