وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

دولة بلا رئيس

يصوّت رئيس الوزراء تمام سلام في الدور الأول للانتخابات الرئاسية, بيروت, 23 نيسان/أبريل 2014

في الوقت الذي تعمل الدولة اللبنانية ما بوسعها من اجل احتواء الاثار المترتبة على الحرب الاهلية في سوريا, البلد المجاور والذي تدفق أكثر من مليون لاجئ منه حيث يمثلون الآن أكثر من ربع سكان لبنان، تركت  لبنان  بلا رئيس منذ مايو 2014 بسبب فشل السياسيون اللبنانيون في الاتفاق على خلف له.  فالرئيس الاسبق ميشال سليمان، غادر القصر الرئاسي  في يوم 25 مايو، وهو اليوم الأخير من ولايته و التي امتدت لستة أعوام و قد ترك فراغا سياسيا والذي من شئنه  مفاقمة الوضع الهش أصلا.

وعلى الرغم من عدة محاولات حثيثة  لتجنب هذا الفراغ،  فقد اجتمع البرلمان اللبناني للمرة الثامنة يوم 2 يوليو في محاولة لانتخاب رئيس جديد ليسد الفراغ و بالرغم من تلك المحاولات فلم يطرأ اي جديد بشأن التوصل إلى توافق في الآراء بين مختلف الفاعلين المحليين، في ظل غياب لأي لعبة ديمقراطية حقيقية ممكنه والبعض يعزو هذا الفراغ السياسي لاثنين من العوامل الرئيسية. الاول يتمثل بالانقسام العميق، و الذي ازداد من جراء الأزمة السورية، و الى الاختلافات بين الكتل الرئيسية في لبنان, تحالف 8 آذار بقيادة حزب الله السياسي الشيعي، وتحالف 14 آذار، التي تديرها حركة المستقبل السنية. و قد زاد هذا الانقسام بشكل اكبر بعد قرار حزب الله العام الماضي بار سال مقاتلين إلى سوريا لدعم نظام  بشار الاسد العلوي, و العامل الرئيسي الآخر يتمثل بمقاطعة جلسات البرلمان بأغلبية من نواب 8 آذار التي جعلتها عاجزة عن الوصول إلى النصاب المطلوب لانتخابات تنافسية ديمقراطية.

و في الواقع فان الشرط  الوارد في الدستور المثير للجدل ينطوي على حضور ثلثي الممثلين في البرلمان من اجل اجراء العملية ألانتخابية حيث يتوجب حضور 86 نائبا برلمانيا من أصل 128 نائبا في مجلس النواب. و تتمثل المعارضة بحزب الله وحليفه المسيحي، والتيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون، جنبا إلى جنب مع حلفائهم الآخرين (تيار المردة، الحزب السوري القومي الاجتماعي، وما إلى ذلك،)باستثناء حركة أمل, برئاسة ، نبيه بري،و الذي يشغل منصب رئيس البرلمان، حيث قررت المشاركة في الدورات الانتخابية  كون أن  لديها أكثر من 40 نائبا، مما يسمح لها منع التوصل الى اتفاق.

فهاتين الكتلتين الرئيستين ترفضان المشاركة في الانتخابات  معللةً موقفها من عدم وجود مرشح توافقي كشرط مسبق لإجراء الانتخابات بما في ذلك جميع الأطراف. ومع ذلك،  تبقى النية الغير معلنة متمثلة في حماية سلاح حزب الله والتدخل العسكري في سوريا، وبالتالي تجنب الاتفاق على رئيس جديد الذي يعارض استراتيجية حزب الله أو الذي سيذكر مرة اخرى بروح “الحياد”في إعلان بعبدا الصادر عن لجنة الحوار الوطني في يونيو 2012.

بالنسبة لقوى 14 آذار، يتمثل موقف المعسكر الآخر في إنكار لمبادئ وقواعد الديمقراطية الأساسية و اتهمت أحزاب 8 آذار بعدم الاعلان بشكل رسمي عن أي مرشح، و مقاطعة جلسات البرلمان، و الدعوة إلى توافق في الآراء التي من شأنها أن تدور فقط حول شخص ميشال عون، الذي يعتبره خصومه مسيحي منحاز و الذي يدعم  كل من حزب الله والنظام السوري دون قيد أو شرطـ من ناحية أخرى فقد وضع تحالف 14 مارس العراقيل امام انتخاب فوري لرئيس جديد عن طريق تقديم سمير جعجع,  رئيس حزب القوات اللبنانية  الحزب المسيحي الرئيسي لتحالف 14 مارس, كمرشحهم وباعتباره كزعيم حرب سابق، اتهم جعجع بارتكاب جرائم عديدة خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

الجولة الانتخابية الوحيدة” الناجحة”

خلال ثماني جلسات البرلمان الماضي، فقد شهدت جولة واحدة فقط “العادية” (الدورة الأولى)، في 23 نيسان (انظر قائمة بجميع الدورات أدناه)، اجتماع تقريباً جميع النواب من أجل انتخاب رئيس جديد. حيث لم يتنافس لمنصب الرئاسة سوى اثنان و هما: سمير جعجع  و الذي حصل على 48 صوتا, بينما حصل هنري حلو، و الذي تم ترشيحه من قبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي  وليد جنبلاط  على 16 صوتا. فالأخير  الذي غير من تحالفاته عدة مرات خوفا على مستقبل بلده ينتمي الى الاقلية الدرزية  و التي تشكل حوالي 6 في المئة من اللبنانيين وقد فضل  بالنأي بنفسه عن تحالف 14 آذار و قدم نفسه كمرشح ل”الحوار ، الاعتدال والانفتاح ”

أما بالنسبة للأصوات الأخرى من هذه الدورة البرلمانية الأولى، فقد صوت نائب واحد لمصلحة أمين الجميل (الذي كان يرأس لبنان من عام 1982 الى 1988) و لم يشارك 52 نائبا ،و اعتبرت سبعة أصوات باطلة، وكانت الأصوات الباطلة للمرشحين الذين لم يعودوا على قيد الحياة والذين تم اغتيالهم خلال الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت لمدة 15عاما (1957-1990) قد نسبت الى سمير جعجع.

التسلسل الزمني للجلسات البرلمان لانتخاب رئيس جديد (النصاب القانوني هو ثلثي أعضاء البرلمان، أو 86 من أصل 128 نائبا).

في 23 ابريل :شارك 124 نائبا في الدورة  وكان بلغ النصاب  ولكن، لم يحصل أي مرشح على ثلثي الأصوات خلال الجولة الأولى أو على الأغلبية المطلقة في الجولة الثانية  23 ابريل.

30 أبريل: 76 النواب الحالي؛ النصاب لم يكتمل.

7 أيار: 75 النواب الحالي؛ النصاب لم يكتمل.

15 مايو: 73 النواب الحالي؛ النصاب لم يكتمل.

22 مايو: 73 النواب الحالي؛ النصاب لم يكتمل

9 يونيو: 64 النواب الحالي؛ النصاب لم يكتمل

18 يونيو: 63 النواب الحالي؛ النصاب لم يكتمل.

2 يوليو: 64 النواب الحالي؛ النصاب لم يكتمل.

ديمقراطية “خارج النظام”

يمثل عدم وجود رئيس للجمهورية أزمة للنظام السياسي الهش في لبنان و الذي يعتمد على اتفاقات بين الأحزاب السياسية في البلاد التي لا تعد ولا تحصى والطوائف الدينية -وغالبا الداعمين من القوى الاجنبية.

فالتوصل إلى مثل هذه الاتفاقيات أصبحت أكثر صعوبة في السنوات الأخيرة، حيث اصبح السياسيون في البلاد على طرفي نقيض تجاه الحرب الأهلية المندلعة في سوريا، فالبعض اعرب عن دعمه للرئيس بشار الأسد و الاخر للمتمردين. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، شهدت البلاد أطول أزمتين سياسيتين منذ عام 1990؛ وأضحت البلاد من دون رئيس لجمهورية لبنان خلال فترة ال 16 شهرا التراكمية، في حين تم تمديد الولاية البرلمانية- و التي انتهت في يونيو عام 2013- حتى نهاية عام 2014، في غياب انتخابات جديدة.. فمجلس الوزراء، الذي تم تشكيله في فبراير, أُجل لمدة عام تقريبا، و من المفترض ان يقوم بتنظيم الانتخابات البرلمانية في وقت لاحق من هذا العام، ولكن البلاد بحاجة الى قانون انتخابي جديد لتنظيم الانتخابات.

ويخشى البعض من أن هذا قد لا يكون ممكنا في ظل الظروف الراهنة، مما يؤدي إلى تمديد  الامر الواقع، في حين أن البرلمان الحالي لم يعد قادر على التصويت على قوانين جديدة بسبب الفراغ السياسي( عدم وجود رئيس للجمهورية) كما هو منصوص عليه في الدستور

و ينبع هذا الشلل في الركائز الثلاث للجمهورية والقوتين الرئيسيتين (التنفيذية والتشريعية) التركيبة السياسية في الجمهورية ، حيث تتخذ دائما القرارات الرئيسية من قبل القوى الأجنبية. وفي الواقع، فخلال 15 عاما من الحرب الأهلية و 15 سنة أخرى من الوصاية السورية, اعتادت لبنان على اتخاذ تعليمات من الرعاة الأجانب كالأمر و الناهي ليدفع لبنان لاتخاذ إجراءات معينة. وتم تعيين الرؤساء السابقين امثال  الهراوي (1989-1998) ولحود (1998-2007) من قبل النظام السوري حيث يعتبر لبنان كولاية تابعة له وفقا لما قرره كل من حافظ الأسد، و ابنه بشار اللذان كانا يسيطران على المشهد السياسي في لبنان حتى عام2005. وقد كانت تلك الانتخابات الرئاسية الصورة لفشل التجربة الديمقراطية اللبنانية   الناتجة عن عوامل داخلية وخارجية، فجميع الانتخابات الرئاسيةالتي جرت منذ السبعينيات كانت  ترتكز على “التحديدات” بدلا من الممارسة الديمقراطية الحقيقية  التي يمكن للناس انتخاب رئيسهم من بين عدة مرشحين.

في عام 1976، انتخب الياس سركيس من قبل البرلمان ضد مرشح آخر للمرة الأخيرة منذ 38 عاما, و في عام 1982، نجح أمين الجميل في خلافة بشير الجميل، بعد اغتياله، وبين عامي 1988 و 1990، لم يكن للجمهورية أي رئيس حتى تم انتخاب رينيه معوض الذي اغتيل بضعة أسابيع في وقت لاحق, و بعد انتهاء الحرب الأهلية، تم “انتخاب” ثلاثة رؤساء آخرين  في ظل غياب مرشح المعارضة مع تمديد ولايتين تمتدا لمدة ثلاث سنوات، في 1995-1998 (الياس الهراوي) و2004-2007 (اميل لحود).

المشهد بعد عملية انتحارية عند فندق دوروي بالقرب من السفارة السعودية, بيروت, 25 حزيران/يونيو 2014 / Photo REX Features
المشهد بعد عملية انتحارية عند فندق دوروي بالقرب من السفارة السعودية, بيروت, 25 حزيران/يونيو 2014 / Photo REX Features

قلق جدي من قبل المسيحيين

على مستوى آخر، فإن عدم وجود الرئيس يترك المسيحين المارونيين في لبنان  منقسمين  ما بين ائتلاف 8 آذار و 14 آذار  دون المسؤول السياسي الأبرز بهم بموجب الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية التي دامت 15 في عام 1990، يجب أن يكون رئيس لبنان مسيحيا مارونيا، ورئيس البرلمان مسلم شيعي، ورئيس الوزراء مسلم سني.

فالبعض يبدي قلقه من ان الفراغ السياسي الناجم عن عدم وجود رئيس للبلاد قد تضعف نفوذ المسيحية في البلاد، وخاصة لأنه  وفقا للدستور فإن واجبات الرئيس تقع على كاهل مجلس الوزراء، في حال وجود فراغ رئاسي و الذي من شأنه أن يترك البلاد الطائفية تُدار من قبل رئيس الوزراء السني ورئيس البرلمان الشيعي.

فالمسيحيون اللبنانيون اللذين يشكلون الآن حوالي 30 في المئة من السكان  قد تم بالفعل اضعافهم بشكل كبير على مدى السنوات ال 30 الماضية، حيث فقدوا امتيازات سياسية هامة في أعقاب اتفاق الطائف  الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية. ففي فترة الاحتلال السوري، بين عامي 1990 و 2005  كان مجرد الخوض في تلك المسألة من المحرمات ولم يتم التطرق فيها ،ولكن بعد انسحاب القوات السورية بدأت العديد من الأصوات تدعو لإعادة بعض صلاحيات الرئيس التي تم التوصل اليها قبل الطائف  وكان من بين هؤلاء ميشال سليمان  في نهاية فترة ولايته حيث سلط الضوء على وجود “ثغرات دستورية” و التي اعتبرها السبب الوحيد ” للخلل و التعطيل اللذان اصابا النظام السياسي.” ونتيجة لذلك تم تشكيل لجنة من الخبراء الدستوريين من قبل الرئيس المنتهية ولايته لدراسة هذه الثغرات وصياغة التعديلات الدستورية لكي تسلم للرئيس الجديد.

الأثر الاقتصادي والسيناريو اليوناني

قد يكون الوضع الحالي أيضا له تداعيات خطيرة على الاقتصاد اللبناني  فقد سجل معدل النمو في البلد 1 في المئة ققط حيث تواجه البلاد العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة  نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والأمني المتزايد محليا وإقليميا  فقد ضرب أكثر من 14 انفجاراً وهجمات إرهابية البلاد منذ مايو عام 2013، ثلاثة منها وقعت بعد نهاية الفترة الرئاسية.

علاوة على ذلك، فقد كلفت الأزمة السورية لبنان أكثر من 7 مليار دولار بين عامي 2012 و 2014  وفقا للبنك الدولي.  فقد اعرب الخبراء الاقتصاد عن خشيتهم  خصوصا فيما يخص بالعجز العام المتزايد  والذي قد وصل إلى مستوى قياسي في عام 2013 و الذي يقدر ب من 4 مليارات دولار، في حين واصل الدين العام في النمو  مسجلا حوالي 65 مليار في نهاية ابريل و في ظل غياب  اي حل  فالبلاد تتجه للسيناريو اليوناني  مع الديون المسقطة، حسب بعض الاقتصاديين  لتصل إلى 100 مليون دولار في أقل من خمس سنوات.

user placeholder
written by
telesto
المزيد telesto articles