وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بعد 29 شهراً من الفراغ السياسي، لبنان ينتخب رئيساً جديداً

انتخابات في لبىان رئيس ميشال عون
أنصار حزب التيار الوطني يحتفلون بانتخاب ميشال عون رئيساً للبنان، بيروت، لبنان، 31 أكتوبر 2016. Photo Ratib Al Safadi / Anadolu Agency

انتخب البرلماني اللبناني الجنرال السابق في الجيش رئيساً للبلاد، بعد تحولٍ مفاجىء في تحالفات الأحزاب السياسية المقسمة في أرجاء البلاد.
خرج التصويت الذي أجري في 31 أكتوبر 2016، وهو التصويت رقم 46 منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في مايو 2014، بأغلبية الثلثين المطلوبة لصالح ميشال عون. فقد كسر التصويت الجمود السياسي الذي ترك المؤسسات السياسية بالكاد تعمل، ومنع تمرير التشريعات لأكثر من عامين.

فمن ضمن ترتيبات تقاسم السلطة الطائفي في البلاد، يُحجز كرسي الرئاسة لمسيحي ماروني، ورئاسة الوزراء لمسلمٍ سُنّي، ورئاسة البرلمان لمسلم شيعي. ويعود تاريخ هذه الصيغة إلى 22 نوفمبر 1943، عندما خصص الميثاق الوطني، وهو اتفاقٌ غير مكتوب أرسى الأسس السياسية لمرحلة لبنان ما بعد الاستقلال، السُلطة السياسية وفقاً لنظامٍ طائفي على أساس تعدادٍ سكاني عام 1932.

كانت الجهود الرامية لتغيير هذا النظام في جوهر السياسة اللبنانية لعقود. فقد سعت الجماعات الدينية الأكثر تفضيلاً في هذا الاتفاق إلى الحفاظ عليه، بينما سعى أولئك الذين اعتبروا أنفسهم محرومين، إما لتعديله بعد تحديث البيانات السكانية الرئيسية أو إلغائه تماماً. أدى هذا إلى تمردٍ فاشل عام 1958 وحربٍ أهلية اندلعت عام 1975 واستمرت لما يقرب 15 عاماً. ومع ذلك، ما شكل بداية نهاية الحرب الأهلية، تصنيف العديد من أحكام الميثاق الوطني في اتفاق الطائف عام 1989، مما كرّس الطائفية باعتبارها عنصراً أساسياً في الحياة السياسية اللبنانية.

يمنح الدستور اللبناني البرلمان الحق في انتخاب رئيسٍ لفترة واحدة مدتها ست سنوات. فبعد انتهاء ولاية سليمان، عُقد البرلمان 45 مرة إلا أنه فشل في انتخاب خلفٍ له بسبب عدم اكتمال النصاب. ووفقاً للمادة (49) من الدستور، يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي. وفي حال انعدام نص يحدد النصاب اللازم لانتخاب الرئيس، يكون الدستور مفتوحاً للتفسيرات. تُشير إحدى التفسيرات إلى أنّ النصاب القانوني الذي يشكل أغلبية 50% زائد واحد (وهو المطلوب لعقد أي اجتماعٍ في البرلمان)، كافٍ لعقد اجتماعٍ انتخابي رئاسي برلماني. تفسير آخرٌ يُشير إلى أنّ النصاب القانوني هو أغلبية الثلثين من مجموع الأعضاء (128) في البرلمان.

تم استخدام التفسيرات المختلفة للمادة (49) بشكلٍ رئيسي من قِبل نواب حزب الله الشيعي وحلفائهم من التيار الوطني الحر كأسباب لتأخير العملية الانتخابية. فقد قاطعوا مراراً جلسات البرلمان، لأنهم لم يستطيعوا ضمان انتخاب مرشحهم، ميشال عون، مؤسس التيار الوطني الحر والجنرال في الجيش خلال الحرب الأهلية، كرئيس. المعسكر المنافس بقيادة رئيس الوزراء السابق السُني سعد الحريري، رشح في البداية رئيس القوات اللبنانية، سمير جعجع، المنافس المسيحي اللدود لعون وعدوه السياسي منذ فترةٍ طويلة. ومع ذلك، فشل أيضاً الحريري وجعجع في جمع أغلبية الثلثين المطلوبة لانتخاب جعجع.

وفي محاولةٍ لكسر الجمود، أعلن الحريري، رئيس تيار المستقبل وقوى 14 آذار وأكبر كتلة برلمانية، في فبراير 2016 أنه يؤيد ترشح سليمان فرنجية من تيار المردة وتحالف 8 آذار، للرئاسة. كان يأمل الحريري أن دعمه لفرنجية، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع بشار الأسد في سوريا، من شأنه أن يشجع حزب الله على الالتفاف حول فرنجية، وبالتالي تدمير التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يشكل حجر زاوية في تحالف 8 آذار. فشلت المبادرة وبقي الجمود.

رداً بالمثل، وفي ضوء العلاقة المريرة بين جعجع وفرنجية- حيث اتهم الأخير جعجع باغتيال والده عام 1978 فيما بات يُعرف بـ”مجزرة إهدن“- أيد جعجع عون. فبعد حوالي 30 عاماً من الصراع وتعطل الاتصالات، والتي وصلت ذروتها خلال الحرب الأهلية، أعلن القائدين المسيحيين تعاونهما، فيما اعتبر مصالحة “تاريخية.”

وبدعم جعجع، الذي لا يزال هو نفسه مرشحاً رئاسياً، ازدادت فرص انتخاب عون. ومع ذلك، رفض فرنجية التنحي، ليقتصرالسباق الرئاسي عليه وعلى عون. واصل حزب الله والتيار الوطني الحر مقاطعة جلسات البرلمان، فقد اتُهم حزب الله منذ فترةٍ طويلة من قِبل المحللين السياسيين وسياسي 14 آذار بتفضيل الفراغ السياسي على انتخاب أي رئيس. ولكن، لطالما كان عون مرشح حزب الله رقم واحد، حتى بعد أن أيّد الحريري فرنجية.

فقد أعلن الحريري دعمه رسمياً لفرنجية في فبراير 2016. وواصل دعمه حتى شهر أكتوبر، عندما أدرك أنّ من المستحيل استقطاب النصاب القانوني المطلوب إذا ما كان مرشح الرئاسة أي شخصٍ آخر غير عون.

وأعلن الحريري في 21 أكتوبر 2016 أنه قرر تأييد منافسه السابق لأن جميع الخيارات الأخرى قد استنفذت، مشيراً إلى أن لبنان بحاجة إلى الحماية من الأزمة المندلعة في جارته، سوريا. ويعتقد المحللون أن صفقةً تمت بين الاثنين قد تنطوي على عودة الحريري كرئيسٍ للوزراء، في خطوةٍ تهدف إلى ضمان مستقبل الحياة السياسية لكلا الرجلين.

يُمثل انتخاب العسكري المخضرم البالغ من العمر 81 عاماً نهاية صراعٍ دام عشر سنواتٍ شنه الحريري وحلفاؤه ضد حزب الله المدعوم من إيران؛ صراعٌ كان فيه الدعم المالي والسياسي للملكة العربية السعودية غايةً في الأهمية. ولكن مع تحوّل الأولويات الإقليمية في المملكة نحو مواجهة إيران في اليمن والبحرين وسوريا، وتقلص الميزانية بسبب الانخفاض العالمي في أسعار النفط، بدأ هذا الدعم ينضب.

ولسنوات، عارض النظام الحاكم في السعودية وحلفائه من اللبنانيين السُنة أي دورٍ سياسيٍ أكبر لعون. ولكن، مع غرق الرياض بحروبٍ طويلة الأمد في المنطقة، اعترف المسؤولون السعوديون بهدوء أن لبنان لم يعد أولوية، مما مهد الطريق لصعود عون للرئاسة.

وبالرغم من ذلك، فمن مصلحة كلٍ من إيران والمملكة العربية السعودية أن يراقبا عن كثبٍ ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات، إذ أن أياً منهما لا ترغب في نقل صراعٍ آخر على أعتاب أبوابهم.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles