وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عودة الحريري: تراجيديا أم مسرحية هزلية، أم الأمل الوحيد للبنان؟

Saad hariri
رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري أثناء إلقائه لبيان عقب تكليفه من قبل الرئيس بتشكيل حكومة جديدة، وذلك يوم ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠ في القصر الرئاسي ببعبدا شرق بيروت. وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد سمّى اليوم الحريري لتشكيل حكومة جديدة تنتشل البلاد من الأزمة التي تعيشها بعد دعم أغلبية الكتل النيابية لتسميته. وكان الحريري، الذي تولّى رئاسة الحكومة في لبنان ثلاث مرات، قد استقال قبل حوالي عام تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة ضد الطبقة السياسية في لبنان. المصدر: ANWAR AMRO / AFP.

نشر موقع “The Globalist” مقالة سلطت الضوء على عودة سعد الحريري لتولي منصب رئيس الوزراء وما يعنيه هذا الأمر للشباب اللبناني الراغب بالتخلص من نظام المحاصصة السياسية الطائفية. ويقوم صاحب المقالة بنيامين ماكشين، وهو باحثٌ وكاتب مختص في شؤون الشرق الأوسط والسياسات العربية، بتناول أبعاد الأزمة التي يعيشها لبنان وسط استغلال النخبة السياسية لانهيار الاقتصاد اللبناني ووقوع جائحة الكورونا.

ويبدأ ماكشين مقالته بالتالي: “في البدء كانت تراجيديا ثم أصبحت مسرحية هزلية. هذا التعليق الشهير قاله الفيلسوف الألماني كارل ماركس عن لويس نابليون. لكنه ينطبق أيضاً على لبنان حالياً وعلى عودة سعد الحريري رئيساً للوزراء”.

وشهد شهر أكتوبر من عام ٢٠١٩ نزول مليون لبناني – أي ربع تعداد السكان في البلاد – إلى الشوارع للمطالبة بإنهاء حكم النخبة الفاسدة، التي تخدم نفسها وتدير البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي.

الحريري: من كونه هدفاً إلى كونه منقذاً؟

يرى ماكشين أن هدف الهبة الشعبية التي شهدتها البلاد في العام الماضي كان سعد الحريري. فسعد، الملياردير السني وابن رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، الذي اغتيل في عام 2005 بواسطة حزب الله المدعوم من إيران، مثل والده، يترأس نظاماً طائفياً فاسداً، سمح لكبار ساسته بأن ينعموا بثراء فاحش.

وكشفت انتفاضة العام الماضي عن سنوات من الغضب المتراكم، الذي أطلق اللبنانيون العنان له عبر التظاهرات. وعندما تزايد الضغط، استقال الحريري.

أزمات لبنان المتتالية

منذ ذلك الحين، سقط لبنان في حالة من اليأس، وعاش الناس في هذه الدولة أزمة تلو الأخرى. وكانت المأساة الأحدث هي انفجار أغسطس ميناء بيروت، ما أسفر عن مقتل 200 شخصاً وإصابة 5 آلاف شخصاً بجروح وتدمير مئات المنازل.

وبحسب ماكشين، فإن سنوات الإهمال الحكومي كانت السبب الرئيسي وراء هذا الانفجار. لكن أياً من هذه الأزمات المأساوية، أو الاحتجاجات، أو التدخل الدولي، لم يساهم في إحداث أي إصلاح سياسي حقيقي.

وفي الوقت الراهن، وفي مسرحيةٍ هزلية خاصة، أعاد اللبنانيون سعد الحريري لرئاسة الحكومة. بيد أن هذه المسرحية لم تدفع أحد للضحك.

تجاهل الإرادة الشعبية بشكلٍ كامل

مع صعود الحريري، اكتملت دائرة المأساة الساخرة، إذ نجحت المناورة السياسية للحرس القديم، والتي رمت للالتفاف حول الشعب وغضبه المشروع.

وبحسب ماكشين، فقد نجحت جهود كل من حزب الله التابع لإيران، وحركة أمل الشيعية التي يترأسها نبيه بري، وتيار المستقبل السني الذي يترأسه الحريري، والرئيس الماروني ميشال عون، وكل المقربين منهم.

ويضيف صاحب المقالة: “لقد انتظروا ببساطة حتى أدت الضغوط الناجمة إلى انهيار الاقتصاد، وانتشار جائحة فيروس كوفيد-19، ووقوع واحدة من أكبر الحوادث الصناعية في تاريخ البلاد إلى خنق حركة الإصلاح”.

دعوة ماكرون الخاطئة

لم يأت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان مرة واحدة، بل مرتين. وكان الهدف المتمثل من هاتين الزيارتين في التأكيد على القوة الاستعمارية التي تتمتع بها فرنسا في لبنان.

بيد أن زيارتي ماكرون إلى لبنان لم تأت بالكثير. وإن كان من شيء قد حققته، فهو تعزيز نفوذ النخبة التي تخدم نفسها.

وبحسب ماكشين، فقد تمثّل خطأ ماكرون في الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية في أغسطس الماضي. هذه هي النغمة المفضلة لدى الأحزاب الطائفية التي تفسّر هذه الدعوة على أنها تعني تصريف الأعمال كالمعتاد دون وجود حكومة نزيهة.

uprising lebanon
ناشطون لبنانيون يقومون يوم ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠ باستبدال “قبضة الثورة” وهي رمزٌ للانتفاضة الشعبية التي عاشها لبنان في أكتوبر ٢٠١٩ بقبضة أخرى مصنوعة من قماش الكتان. كما تتواجد في الصورة قبضة ثانية كتب عليها “للوطن… حرقة بقلبكن”. وجاء هذا بعد يوم من حرق قبضة سابقة على أثر الاشتباكات التي وقعت بين متظاهرين مناوئين للحكومة مع موالين لرئيس الوزراء السابق سعد الحريري بساحة الشهداء في العاصمة اللبنانية بيروت. وبدأ الرئيس اللبناني ميشال عون رسمياً مشاوراته اليوم لتسمية رئيس وزراء جديد، وذلك بعد مرور حوالي شهر على فشل الرئيس الوزراء السابق المكلّف في تشكيل حكومة. ويعد سعد الحريري المرشح الأبرز لتولي المنصب، وهو سبق له تولي الوزارة مرتين واستقال قبل عام تحت وقع حركة احتجاجات شعبية غير مسبوقة طالبت برحيل النظام السياسي بأكمله. المصدر: JOSEPH EID / AFP.

الحريري يسعى إلى إرضاء النخب الغربية علناً

من المؤكد أن الحريري، بتعليمه الأمريكي، وأمواله الكثيرة التي تمكنه من إقامة علاقات مع دول الشمال، يحظى بإعجاب فرنسا وغيرها من الحكومات الغربية.

وتصل ثروة الحريري إلى 1.5 مليار دولار أمريكي، وثروته تأتي من شركات عقارية في لبنان والسعودية.

كيف ستلعب السعودية أوراقها؟

تثير علاقة الحريري بالسعودية تساؤلات حول مدى تورط المملكة في لبنان للدفع بعودته إلى السلطة.

وكانت السعودية تدعم القاعدة الانتخابية السنية في لبنان طوال الوقت. وكانت الحرب الباردة بين الرياض وإيران، والمعلومات التي كانت بحوزتهم بخصوص الحريري سبباً في اختطافه في عام 2017 كخطوةٍ موجهة ضد حزب الله.

وفي بداية العام الحالي، كانت السعودية من بين الدول التي وعدت بمساعدة لبنان مالياً. ومع عودة الحريري إلى السلطة، قد يسعى السعوديون مجدداً إلى ممارسة نفوذهم في لبنان عبر استخدام الحريري كوكيلٍ لهم في البلاد.

رغم كل هذا: هل هو المشرح الجدي الوحيد؟

غير أن سمعة الحريري بين النخبة، وسنوات خبرته في إدارة السياسة اللبنانية، قد تجعله فعلاً أكثر أشخاص الحفنة الفاسدة قدرةً على شد لبنان من حافة الهاوية.

وأوضحت فترات الحكم القصيرة التي قضاها كلٌّ من حسن دياب ومصطفى أديب في رئاسة الوزراء أن الأشخاص التكنوقراط غير النافذين لا تمتعوا بالقدرة على حكم لبنان. وظهر اللبنانيون غير مبالين إزاء ما يحدث. والآن، من الأفضل بالتأكيد أن يكون لديهم حكومة عن ألا يكون هناك أية حكومة.

عودة الحريري الصعبة للغاية

عاد الحريري ليحكم بلداً بات الآن في وضع أسوأ مما كانت عليه عندما استقال. وتعتبر إعادة بناء نظام شكلي داخل البلاد أكثر المهام أولوية في الوقت الراهن.

وأدى انتشار الأخبار بشأن خلو لبنان من أي حكومة فعالة، وفشل نظامها إلى ظهور تحركات لخلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) محاولةً بناء عمليات عبر الثغرات الأمنية الموجود على الحدود الجنوبية اللبنانية مع سوريا. وهناك مخاوف حقيقية من اندلاع أحداث عنف في أي لحظة.

وما بين التضخم الحاد، ودمار صومعة الحبوب في انفجار ميناء بيروت في أغسطس، ووضع حزب الله الراسخ، يتأرجح لبنان فوق وضع مهدد بالاشتعال في أي لحظة.

تبخر الغضب الشعبي

عاد الغضب الشعبي الكبير الذي اجتاح الشوارع في أكتوبر 2019 بكامل قوته في أعقاب انفجار أغسطس. غير أنه لم يستمر.

ويتسم المناخ السائد حالياً بين الشعب بالإنهاك والاستسلام. ويعد لبنان من الدول التي يعتبر أغلب سكانها من الشباب. ويتوقع أن تغادر أعداداً كبيرة البلاد، وقد تصل هذه أعداد المهاجرين إلى مئات الآلاف.

هجرة العقول البشرية ولا أفق للنمو

وسيكون لهجرة العقول البشرية تداعيات خطيرة على جهود إعادة بناء البلاد. وفي نهاية المطاف، سيُعاد بناء البلاد – وستمر الأزمة بطريقة أو بأخرى.

وسيتمسك اللبنانيون الباقون بحلمهم لتحرير أنفسهم من النخبة المسؤولة عن الكارثة التي يعيشها بلد الأرز.

صندوق النقد الدولي وليس السعوديون

ولدى الحريري الفرصة، فهو قد يكون أفضل السياسيين اللبنانيين حالياً لتنفيذ إصلاحات أساسية، والتي تعد شرطاً مسبقاً للحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي.

ويؤكد ماكشين على ضرورة استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي فوراً، سيّما وأنه المصدر الأكثر ترجيحاً للحصول على التمويل الذي تحتاجه البلاد بشدة.

ويمكن أن تساهم الإجراءات الواجب اتخاذها لإرضاء صندوق النقد الدولي في تحجيم فرص التلاعب في الدوائر الانتخابية على طول الخطوط الطائفية. كما قد تساهم في وقف استنزاف ثروات البلاد من قبل المجموعات الداخلية المتعددة وتنظيم أسعار الفائدة المصرفية.

الخلاصة

غير أن إحداث تغيير حقيقي سريع في لبنان يحتاج إلى معجزة. ولعلّ هذا هو أصعب ما يمكن تحقيقه، إذ لم يعد واضحاً ما إذا كان لا يزال هناك بعض المعجزات التي يمكن أن تحدث في الشرق الأوسط.

وحتى الآن، دمجت عودة الحريري بين التراجيديا والكوميديا الساخرة، في وقتٍ يواصل فيه النظام اللبناني الفاشل خذلان شعبه.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.