وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: عقبات في طريق السلام قُبيل محدثاتٍ سياسية صعبة

Libya joint military commission
أعضاء في اللجنة العسكرية الليبية المشتركة في صورة جماعية في غدامس، وهي واحة صحراوية على بعد 465 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة طرابلس، 3 نوفمبر 2020. Photo: AFP

مات ناشد

لدى الليبيين سببٌ للتفاؤل الحذر بعد أن توسطت الأمم المتحدة في وقف إطلاق نارٍ دائم في جنيف في 23 أكتوبر الماضي، حيث وصفت ستيفاني وليامز، رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) بالإنابة، الهدنة بـ”الإنجاز التاريخي،” الذي يمهد الطريق لاستئناف منتدى الحوار السياسي الليبي.

انطلقت المحادثات في 9 نوفمبر في تونس بهدف تنفيذ بنود وقف إطلاق النار، إذ تدعو الهدنة المقاتلين إلى الانسحاب من مواقع الخطوط الأمامية ومغادرة المرتزقة للبلاد في غضون ثلاثة أشهر. وأضافت وليامز أن النازحين واللاجئين سيتمكنون أيضاً من العودة إلى ديارهم.

والأهم من ذلك، تمثل الهدف الأساسي لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة بنزع سلاح الميليشيات وتسريح مقاتليها ودمجهم في وحدة متماسكة تخضع لهيئة سياسية جديدة. ومن المرجح أن يحاول الاتفاق أيضاً إعادة توزيع المؤسسات السيادية، والتي كانت نقطة نقاش خلال المحادثات الأخيرة في بوزنيقة بالمغرب.

ومن المأمول أيضاً أن يتم تقاسم الهيئات الوطنية الأساسية- مثل المحكمة العليا والبنك المركزي- بالتساوي بين مناطق ليبيا الثلاث: طرابلس في الغرب، وفزان في الجنوب الغربي، وبرقة في الشرق. تعد هذه الخطة طموحة بيد أنها قد تكون ضرورية لكسر الجمود السياسي.

في الوقت الراهن، يشعر المحللون بالقلق من أن روسيا وتركيا تهددان محاولات التوسط في سلامٍ دائم. فقد تدخلت الدولتان على نحوٍ حاسم في النزاع وتفضلان الحفاظ على الوضع الراهن لصون مصالحهما الرئيسية. تمتلك روسيا، على سبيل المثال، مرتزقة متمركزون على طول جبهات سرت، مسقط رأس الدكتاتور الراحل معمر القذافي والبوابة إلى منطقة تعرف باسم الهلال النفطي. يتم توظيف هؤلاء المرتزقة من قبل الشركة العسكرية الروسية الخاصة مجموعة فاغنر، وهي قوة تستخدمها موسكو تقليدياً لتعزيز مصالحها الجيوسياسية. ومع ذلك، نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يكون مرتزقة فاغنر يعملون بأمرٍ من موسكو، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت جهة خارجية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة تدفع الأموال لهم. وعلى أي حال، قد تسحب كل من موسكو وأبو ظبي المرتزقة فحسب في حال تم تحويل نفوذهم العسكري إلى نفوذ سياسي.

كما لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حافزٌ ضئيل للحفاظ على الهدنة بسحب المرتزقة السوريين الذين تم نشرهم رسمياً لإنقاذ حكومة الوفاق الوطني في طرابلس في يناير الماضي.

ففي نهاية المطاف، استثمر أردوغان بشكلٍ كبير في مجال الحفاظ على حكومة الوفاق الوطني، فقد وقعت أنقرة وطرابلس اتفاقياتٍ ثنائية تمكّن تركيا من توسيع نطاق استكشافها المعرقل للغاز في مياه البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، يمكن إلغاء هذه الاتفاقات أو تعليقها إذا تم حل حكومة الوفاق الوطني لصالح كيانٍ سياسي جديد. وبالفعل، سبق وأشار أردوغان إلى أن الهدنة “لا تبدو قابلة للتحقيق بشكلٍ كبير،” وهو تعبير ملطف محتمل يشير إلى نيته إحباط عملية السلام في ليبيا ما لم يتم التطرق لمصالحه في المتوسط.

علاوةً على ذلك، تزيد الإنقسامات الداخلية من خطر عرقلة الحوار بين الأطراف المتحاربة. فقد تراجعت مكانة الجنرال المارق خليفة حفتر بشكلٍ خاص منذ هزيمة قواته أثناء محاولتها استعادة طرابلس في يونيو الماضي، بينما رفع الداعمون الأجانب لحفتر اليوم من مكانة الوجه السياسي للشرق، عقيلة صالح، لحماية مصالحهم في المفاوضات.

Libyan joint military commission
أعضاء في اللجنة العسكرية الليبية المشتركة في صورة جماعية في غدامس، وهي واحة صحراوية على بعد 465 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة طرابلس، 3 نوفمبر 2020. Photo: AFP

وما يزال حفتر يقود تحالفاً عسكرياً أساسياً، لذا يمكنه محاولة إفساد الاتفاقية، لكن تعتقد أليس ألوني، الخبيرة في الشأن الليبي وباحثة الدكتوراه في كلية دورهام للإدارة الحكومية والشؤون الدولية، أن أي محاولةٍ للقيام بذلك هي مجرد محاولةٍ عبثية. من وجهة نظرها، تأتي أهمية حفتر المتراجعة في وقتٍ انقلبت فيه الهياكل القبلية المحلية – التي كانت في السابق جزءاً رئيسياً من مسانديه في الشرق – ضده.

وبحسب ما قالته ألوني لنا في فَنَك عبر الهاتف “السؤال المطروح هو ما الأمر الذي سيقبل به هؤلاء الداعمون الخارجيون الذين ساندوه طوال هذا الوقت.” وأضافت “إن الدعم المذهل الذي تقدمه القاهرة للجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) مؤشرٌ واضح على موقفها، بيد أن الإمارات إلتزمت الصمت. فهم يُعيدون النظر في موقفهم ويُقيمون كيف يمكنهم لعب أوراقهم على المستوى السياسي بدلاً من المستوى العسكري.”

وعلى الرغم من الحسابات المتغيرة لداعمي حفتر، لا تزال الميليشيات المتنافسة في الغرب تخشى أن يضاعف الجنرال المارق في نهاية المطاف طموحه في حكم البلاد بقبضةٍ من حديد، بينما تقاوم الميليشيات الأخرى ببساطة اتفاقاً سياسياً جديداً يهدد احتكارها للوزارات والقطاعات الرئيسية في الاقتصاد، وبحسب ألوني “هذا هو الخطر الرئيسي لأنه منذ اندلاع الثورة كان هناك انفصالٌ كبير بين الفاعلين السياسيين والعسكريين.” وتابعت القول “النقطة المهمة هي البحث عن كيفية استيعاب المسار العسكري للجماعات والقوات المسلحة المختلفة في ليبيا.”

بالنسبة لليبيين، تتمثل أحد المخاوف المتمحورة حول المحادثات بعدم إيلاء الأولوية للمساءلة. فقد كتبت حنان صالح، باحثة أولى في هيومن رايتس ووتش، أن الإطار الحالي يعد بالحصانة لمن ارتكبوا أعمال قتل واعتقالات غير قانونية. وتضيف أن عملية دمج المقاتلين في أجهزة أمن الدولة لا تنطوي على نظام فحص وتدقيق صارم.

من جهته، غرّد ولفرام لاشر، الخبير في الشؤون الليبية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، لاحقاً بأنه لن يتم تمثيل الضحايا الذين أجبروا على النزوح على يد قوات حفتر في بنغازي ولا أولئك الذين فقدوا أحباءهم في عمليات القتل الجماعي في ترهونة في تونس الأسبوع المقبل.

ومع ذلك، تعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان على إعداد تقريرٍ يُحمّل الأطراف المتحاربة المسؤولية عن ارتكاب جرائم جسيمة منذ عام 2014. وتأمل رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، أن يكون التقرير “بمثابة رادع لمنع المزيد من الانتهاكات والمساهمة في السلام والاستقرار” في ليبيا. مع ذلك، يخشى المنتقدون أن تصدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريراً يثير خصومة أي من المعسكرات المدعوة للحوار السياسي في تونس. ولربما يعدّ هذا ضرورياً لحماية محادثات السلام الهشة بالفعل، ولكنه قد يرسل أيضاً رسالة مفادها أن اللاعبين ذوي النفوذ يمكنهم ارتكاب جرائم بمأمنٍ من العقاب.