وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المهمة المستحيلة للحكومة الليبية الجديدة- إرضاء الجميع غايةٌ لا تُدرك!

الحكومة الليبية الجديدة
ناخبة ترتدي كمامة أثناء تسجيلها للتصويت في انتخابات المجلس البلدي في طرابلس في العاصمة الليبية في 6 فبراير 2021. Photo: Mahmud TURKIA / AFP

مات ناشد

صوّت المنتدى السياسي الليبي بقيادة الأمم المتحدة لصالح حكومةٍ جديدة مفاجئة في الخامس من فبراير، حيث توقع الدبلوماسيون فوز القائمة المشتركة لفتحي باشاغا وصالح عقيلة، إذ يعتبر الأول وزير الداخلية من الحكومة السابقة في العاصمة طرابلس والمدعوم من تركيا، بينما الأخير مدعومٌ من الكرملن وما يزال يشغل منصب رئيس مجلس النواب الليبي الشرقي.

كان باشاغا وصالح فرقاء تقليديين، بيد أن موسكو وأنقرة كانتا تعتمدان على القائمة المشتركة لتأمين مصالحهما الاقتصادية والأمنية في البلاد. واليوم، ينبغي على كلا القوتين الإقليميتين إعادة تقييم نفوذهما في ليبيا بعد أن حصلت القائمة المشتركة لعبد الحميد الدبيبة ومحمد المنفي على 53% من أصوات أعضاء المنتدى السياسي الليبي.

وعليه، سيتولى الدبيبة منصب رئيس الوزراء، بينما يتولى المنفي رئاسة المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أعضاء. هذا ويواجه الرجلان مهمة شاقة تتمثل في إعداد البلاد للانتخابات في ديسمبر وتوحيد المؤسسات الليبية المتصدعة.

وعلى صعيدٍ متصل، يعتقد الخبراء أن حكومة الوحدة الوطنية الجديدة ستواجه نفس التحديات التي واجهتها حكومة الوفاق الوطني السابقة، التي تشكلت من محادثات السلام للأمم المتحدة في ديسمبر 2015. فقد فشلت حكومة الوفاق الوطني في الحصول على موافقة مجلس النواب الليبي، وكبح جماح الميليشيات التي نهبت المؤسسات العامة، وكسب الشرعية بين العديد من الليبيين الذين رأوا أن الحكومة تخضع للمصالح الأجنبية.

ومع ذلك، يتمثل أحد الاختلافات الرئيسية في أن حكومة الوحدة الوطنية الجديدة يمكنها تقنياً تخطي موافقة مجلس النواب بالحصول على شرعيةٍ من المنتدى السياسي الليبي، لكن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التصدعات على أرض الواقع. كما أكد داعمو صالح الأجانب، وعلى الأخص مصر، أنهم سيصادقون على حكومة الوحدة الوطنية فقط بموافقة موكليهم.

من جهته، سيحاول الدبيبة، وهو رجل أعمالٍ مخضرم ومن بقايا حقبة الدكتاتور المذبوح معمر القذافي، استمالة المنافسين المحتملين لتشكيل تحالفاتٍ دقيقة في أرجاء البلاد، ومما قد يساعد الدبيبة هو أنه يحمل القليل من الأمتعة الأيديولوجية، ومع ذلك يخشى النقاد أنه سيستخدم سلطته لإثراء نفسه ودائرته المقربة. فقد قال أحد مسؤولي الأمم المتحدة لصحيفة الإيكونوميست إن الدبيبة “سيحاول الحصول على أكبر قدر ممكن مما يمكنه كسبه.”

يقارن بعض الدبلوماسيين الدبيبة بقطب المال اللبناني المُغتال رفيق الحريري، الذي اتُهم بالاختلاس أثناء إعادة إعمار بلاده التي مزقتها الحرب من خلال عددٍ لا يحصى من خطط الخصخصة. ومع ذلك، قد يكون الدبيبة أكثر دهاءً بعد أن أظهر قدرته على استغلال استياء ومظالم أقرانه في المشهد السياسي الليبي الفوضوي، فقد حصل بذكاء على دعم الجنرال المارق خليفة حفتر الذي أمر حلفاءه في المنتدى السياسي الليبي بدعم الدبيبة، حيث أدى ذلك إلى تقويض صالح، الذي كان الوجه المدني لدكتاتورية حفتر العسكرية في الشرق على مدى السنوات الخمس الماضية.

ومن الجدير بالذكر أن العلاقات بين حفتر وصالح متوترةٌ منذ أن خرّب الأول عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في عام 2019 بشن هجومٍ فاشل لاستعادة طرابلس، حيث كلّف هذا الخطأ الفادح حفتر أراضٍ فضلاً عن تأييد موسكو، التي سرعان ما تحولت لدعم صالح. والآن استعاد حفتر أهميته السياسية بفضل هزيمة صالح في المنتدى السياسي الليبي.

وفي هذا الشأن، كتب طارق المجريسي، الخبير في شؤون ليبيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنه يبدو أن حفتر يعتقد أنه سيصبح وزير الدفاع التالي بعد مساعدة الدبيبة في تولي منصب رئيس الوزراء. كما يبدو أن الدبيبة وعد تركيا على ما يبدو ببقاء وزير دفاعها المفضل صلاح الدين النمروش، كما يبدو أن رئيس الوزراء الجديد قدم وعوداً أكثر مما يمكنه الوفاء بها.

“رؤية الدبيبة هي حكومة كبيرة بما يكفي لإرضاء الجميع – على الرغم من نصيحة الولايات المتحدة وآخرين بإعطاء الأولوية لقيادة تكنوقراطية صغيرة تركز على انتخاب بديلٍ لها في غضون عشرة أشهر،” بحسب ما كتبه المجريسي.

أياً كانت التنازلات التي يقدمها حفتر، سيشكل استرضاء الجنرال تحدياً حقيقياً. وهنا، يجادل عماد الدين بادي وولفرام لاشر، وهما خبيران من المجلس الأطلسي والمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية على التوالي، بأن حفتر لا يستطيع قبول السلطة الجديدة بالمطلق ذلك أنه يحتاج إلى أعداء في الغرب لتبرير هيمنته شبه الكاملة على الشرق الليبي.

فقد كتب بادي ولاشر لمؤسسة كارنيغي: “قد يُبقي حفتر على موقف متناقض من السلطة التنفيذية الجديدة، بحيث يتحوّل من حين لآخر إلى العداوة العلنية، ويستغلّ مع هذا الفرص التي تتيحها له الهيكلية الجديدة بقدر المستطاع.”

كما سيحاول المنفي، وهو رجل من شرقيّ البلاد ودبلوماسي سابق طُرد من اليونان في 2019، شق طريقه مع حفتر والسلطات المدنية في الشرق. فقد التقى الرئيس الجديد للمجلس الرئاسي بالفعل مع القوات المسلحة العربية الليبية التي يقودها حفتر الأسبوع الماضي للتحدث عن أولوياته، حيث ذكر أن توحيد الجيش وإصلاح مؤسسات الدولة وتعزيز المصالحة الوطنية تتربع على رأس جدول أعماله.

بينما غرّد أنس القماطي، مدير معهد صادق، على تويتر أن المنفي إما “سيتولى السيطرة على القوات المسلحة الليبية ويعيد هيكلتها لضمان خضوعها السياسي، أو سيتم استدراجه، وتمكين القوات المسلحة العربية الليبية سياسياً وتقويض مضمون الرئاسة المدنية.”

في الوقت الراهن، تبدو أي صفقةٍ لتوحيد الجيش مهمةً مستحيلة، إذ ما تزال الفصائل المسلحة في غرب ليبيا متحدة في بُغضها لحفتر، في حين أن الجنرال الشرقي لن يقبل بأقل من السيطرة الكاملة على الجيش.

كما ينبغي على الدبيبة والمنفي أيضاً فرض أنفسهم على الشخصيات المتنافسة في الغرب، إذ من المحتمل أن يكون باشاغا، على وجه الخصوص، شريكاً صعب المراس بعد هزيمته المحرجة. وبالمثل، فإن العداء الواسع الذي تمارسه الجماعات المسلحة في طرابلس تجاه باشاغا – الذي هدد سيطرتها الشبيهة بسيطرة عصابات المافيا على المؤسسات المدنية – يمكن أن يمكّن حكومة الوحدة الوطنية من استيعاب خصومه الكثيرين.

أما بالنسبة لأنقرة وموسكو، فلا يحتاج أي من البلدين إلى الشعور بالذعر، إذ يتمتع الدبيبة بعلاقاتٍ تجارية قوية مع تركيا وتعهد مؤخراً “بالتضامن الكبير مع الشعب والدولة التركية،” في حين أن روسيا براغماتية على نحو يدعو إلى السخرية وعلى أهبة الاستعداد دوماً للتعاون مع قادةٍ جدد لتأمين مصالحها. وبالفعل، يتنافس السياسيون الفرقاء في غرب ليبيا على محاباة الكرملين، بيد أن من سيحظى بدعم موسكو فيما بعد ما يزال يشكل لغزاً.

في نهاية المطاف، كل ما هو مؤكد حتى الآن أن ليبيا ما تزال منقسمة في ظل حكومة الوحدة الوطنية.