وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا في ظل الحكومات الثلاث

وضع سياسي ليبيا
مظاهرة لمواطني طرابلس، في ميدان الشهداء، يُظهرون فيها الدعم لحوار السلام الجاري بين الفصائل الليبية المتحاربة والذي عُقد في المغرب، طرابلس, ليبيا, 6 ماريس 2015. Photo Corbis

وصل فايز السراج، رئيس وزراء ليبيا المعيّن من قِبل المشاركين في جلسات الحوار الليبية في صخيرات، بضغوطاتٍ من المجتمع الدولي والأمم المتحدة، إلى طرابلس في 31 مارس من العام الجاري. فقد أعلن عن حكومته، حكومة الوفاق الوطني، التي جاءت نتيجة عامين من المفاوضات بقيادة الأمم المتحدة، في أكتوبر 2015. كما صرّح مسؤولون في الأمم المتحدة أنّ الأمر “سيستغرق بضعة أسابيع” قبل أن تستقر حكومة الوفاق الوطني في طرابلس: فقد استغرق الأمر ما يقرب من ستة أشهر، بعد رحلة محفوفة بالمخاطر وسيطرة، غير مؤكدة، على الأوضاع على الأرض. ومع بقاء الحكومة المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام الليبي في طرابلس، وحكومة طبرق (حكومة مجلس النواب في طبرق)، تعتبر حكومة الوفاق الوطني برئاسة سراج، حكومة الأمر الواقع الثالثة في ليبيا.

وفي حين يكافح السياسيون الليبيون من أجل مصالحهم الشخصية، وآخرين من أجل أحزابهم السياسية، بينما البعض الآخر بالنيابة عن رعاتهم من دول الخليج العربي، يتواصل تفكك البلاد. فقد أصبحت ليبيا تتكون من فسيفساء من مناطق بلا جنسية، والمدن الدول، فضلاً عن المناطق التي تُسيطر عليها القبائل. ومن الجدير بالذكر أيضاً أنّ البلاد أصبحت قاعدة لتهريب الأسلحة والبشر وتجار المخدرات، وغيرها من الأمور الأخرى الخارجة عن القانون.

وما يدعو للقلق بشكلٍ أكبر، بالنسبة للمجتمع الدولي على وجه الخصوص، التقدم الذي يحرزه متطرفوا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على الأراضي الليبية، إذ يطمح جهاديوا الخلافة المزعومة، التي تأصلت وتجذرت في مدينة سرت منذ منتصف عام 2015، بالسيطرة على كامل الأراضي الليبية، فضلاً عن تونس والمناطق المحيطة بها. وعلى الرغم من عدم قدرتهم التمسك بمعقلهم السابق في درنة، شرقيّ ليبيا، إلا أنّ مقاتلي “داعش” تمكنوا من السيطرة على مدينة سرت الاستراتيجية، معقل الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، ولا يزالون يتمتعون بالسطوة هناك.

وانطلاقاً من سرت، أرسلت “داعش” انتحاريين إلى كلٍ من طبرق ومصراتة وطرابلس، بالإضافة إلى تكوين علاقاتٍ مع مجموعاتٍ من المتطرفين في مدينة صبراتة، المدينة الغربية المهمة استراتيجياً والواقعة بين طرابلس وتونس (والتي تندرج ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو). فقد وافقت بلدية صبراتة، المنتمية لحكومة المؤتمر الوطني العام الموالية للإسلامين في طرابلس، طوعاً أو كرهاً، أن تغض الطرف عن مقاتلي “داعش.”

ومن ناحيةٍ أخرى، أصبح فشل قيام الدولة في ليبيا ملاذاً آمناً للمتطرفين التونسيين. فقد اعتاد التونسيون على الذهاب إلى ليبيا بحثاً عن عمل، كما يعيش عشرات الآلاف منهم هناك. ومنذ الإطاحة بنظام القذافي وبداية الحرب في سوريا في عام 2011، انتقل العديد من التونسيين إلى ليبيا من أجل الانضمام إلى الحرب في سوريا. ومنذ عام 2014، سكنت أعدادٌ متزايدة منهم ليبيا وانضموا إلى الميليشيات الإسلامية المتطرفة، إما للقتال على الأراضي الليبية أو لتدريبهم والحصول على الأسلحة التي يحتاجونها لنقل الحرب إلى تونس.

وتدعي السلطات التونسية أنّ الهجمات الإرهابية الرئيسية الثلاث التي عانت منها البلاد عام 2015؛ على متحف باردو، وشاطئ سوسة، وحافلات الحرس الرئاسي؛ صنيعة التونسيين “العائدين” الذي تم تدريبهم في ليبيا. ومما لا يُثير الدهشة، عندما هاجمت مجموعة يُفترض أنها تابعة لداعش مدينة بن قردان في 7 مارس 2016، سُرعان ما كُشف عن علاقاتها بليبيا.

ولا يقتصر خطر ليبيا على أراضي تونس الصغيرة، بل ينتشر الخوف أيضاً بين الجزائرين والمصريين، فضلاً عن تشكيلها تهديداً مباشراً لأوروبا. فالبنسبة للاتحاد الأوروبي، ليبيا التي كانت في يومٍ من الأيام مصدر جذب لمواردها الطبيعية، أصبحت الآن مصدر قلقٍ كبير بسبب احتمالية شن هجماتٍ على السفن الأوروبية أو المدن الساحلية، ومخاطر التسلل إلى دولها، واحتمال تدفق موجات هائلة من اللاجئين- العرب والأفارقة على حد سواء– من الجنوب عبر لبيبا. هذه التهديدات تُنذر بالخطر في أروقة كلٍ من بروكسل وستراسبورغ.

فقد كانت ولا تزال الأمم المتحدة، من خلال بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا “أونسميل” بقيادة مارتن كوبلر، تجري محادثاتٍ تتضمن الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية التي لها مصالح في ليبيا. وفي نهاية المطاف، نجحت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من قِبل الأمم المتحدة، من الوصول أخيراً إلى طرابلس، بعد أن استخدمت تونس كنقطة مركزية خلال الأشهر الست السابقة. وصلت الحكومة بالقارب إلى طرابلس، بعد أن منعت سُلطات المدينة طائرتها من الهبوط. ولا يزال التشكيك في شرعيتها سيد الموقف من قِبل العديد من الفصائل الليبية، وبالتحديد حكومة المؤتمر الوطني العام الليبي وحكومة مجلس النواب في طبرق.

دفعت الأوضاع المجتمع الدولي إلى النظر في اعتماد الخطة (ب): فلطالما كان التدخل العسكري أحد الخيارات المطروحة على الطاولة، ولكن كان التعاون أحد الإشكاليات، لأن مختلف الزعماء لا يملكون ذات المصالح.

وفي مناسباتٍ عدة في عامي 2014 و2015، أرسلت مصر والامارات العربية المتحدة، في معركتهم ضد الإسلام السياسي المتطرف وخوفاً من انتشار الفوضى (أو الديمقراطية)، طائراتهم المقاتلة لقصف أهدافٍ في ليبيا.

أما الغرب، وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، فقد قاموا بإرسال بعثات مراقبة منتظمة منذ عام 2015، والتهديد باتخاذ إجراءات إضافية إذا لم يتم التوصل إلى حل. وفي ضوء ذلك، شنت الطائرات الحربية الأمريكية والفرنسية بضع ضرباتٍ جوية على إهدافٍ لمواقع تابعةٍ لتنظيم القاعدة وداعش في ليبيا. وبحلول نهاية شهر فبراير 2016، قتل الطيران الأمريكي حوالي 50 تونسياً من مقاتلي داعش في صبراتة، ويُعتقد أنّ هذه الإجراءات أشعلت فتيل الهجوم على مدينة بن قردان.

جيران ليبيا الأقرب- تونس والجزائر- تعارضان العمل العسكري، باعتباره عاملاً مزعزعاً للاستقرار، ذلك أنه سيدفع الشبكات الإجرامية والإرهابية التي وجدت ملاذاً في ليبيا إلى اللجوء أو الانتقام من أوطانهم.

وعلى صعيدٍ آخر، لم يلمس المواطنون الليبيون أي تحسنٍ على أرض الواقع، ولا يشعرون سوى باليأس. وعلى ما يبدو، فإن المجتمع الدولي ينتظر استقرار حكومة الوفاق الوطني في طرابلس قبل اتخاذ أي إجراءٍ منظم، على الرغم من أنّ هذا لا يبدو سوى أداةً لاكتساب المزيد من الوقت وبعيداً كل البعد عن التوقعات الواقعية. في الحقيقة، تعكس ليبيا مجتمعاً دولياً منقسماً غير قادرٍ على الوصول إلى توافق بشأن القضايا الأساسية مثل مكافحة الإرهاب وحماية البشر.