وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النظام الصحي في ليبيا وصل مرحلة الإنهيار

Libya- Displaced Libyans
نازحون ليبيون فروا من مدينتي أبو قرين وسرت الشرقيتين يجلسون في مدرسةٍ في مدينة بني وليد، على بعد 200 كيلومتر جنوب طرابلس، في 10 مايو 2016. Photo AFP

كان النظام الصحي في ليبيا خلال حُكم معمر القذافي الذي استمر لأربعة عقود متداعٍ، فقد عمل عددٌ قليلٌ من الليبين في هذا القطاع ذلك أن غالبية العاملين في المجالي الطبي كانوا من الأجانب ممن تم توظيفهم برواتب سخية.

وبمجرد اندلاع الاحتجاجات ضد القذافي والحرب الأهلية التالية في فبراير 2011، فر المئات من الأطباء و80% من الممرضين من البلاد. تركت مغادرتهم فجوةً كبيرة في النظام الصحي للبلاد، الذي حاولت منظمات مثل منظمة أطباء بلا حدود سدها. إلا أن انقسام الحكم، في خضم الصراع المستمر، أدى إلى نشوء عددٍ لا يحصى من التحديات.

وصلت أزمة الرعاية الصحية مرحلةً حرجة بعد الانتخابات في يونيو 2014. في ذلك الوقت، خرج المؤتمر الوطني العام الحاكم من السباق الانتخابي بخسارةٍ أمام مجلس النواب الليبي، بيد أنه بدعمٍ من الميليشيات في العاصمة طرابلس، رفض الأول التنحي، مما اضطر الأخير إلى الانتقال إلى مدينة طبرق الشرقية.

ومع دخول البلاد في دوامة حربٍ أهلية أخرى، أصبح الحصول على الرعاية الصحية محدوداً جداً. وذكر تقريرٌ لمنظمة الصحة العالمية، نشر في مايو 2015، أن المرضى لم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفيات بسبب القتال الدائر، كما واجه العاملون في القطاع الطبي صعوبة في إخراج الضحايا.

فقد أدى الاقتصاد المتدهور، الذي نتج عن انخفاضٍ حاد في صادرات النفط عام 2014، إلى زيادة محدودية التمويل للمرافق الصحية، حيث رفض بعض العاملين في المجال الطبي العمل إلى أن يتم منحهم رواتبهم. وعلى الرغم من أن عائدات النفط قد استعادت عافيتها بعض الشيء في السنوات الأخيرة، إلا أن أصول ليبيا المجمدة لا تزال تعوق النظام الصحي. كما أدى الاقتتال السياسي والفساد المستشري وحكم الميليشيات إلى شل البنك المركزي، ما أدى إلى حرمان وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية من الحصول على الأموال.

وبالتالي تعمل المستشفيات أقل من قدرتها بكثير. ووفقاً لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، تكافح جميع مستشفيات ليبيا البالغ عددها 98 مستشفى و1600 مركز صحي لتوفير الرعاية الكافية لسكان البلاد البالغ عددهم 6 ملايين نسمة تقريباً. ويُقارن عدد العيادات والمراكز الصحية على الأقل بتونس المجاورة التي يوجد بها 109 مستشفى و2091 مركزاً صحياً أساسياً لرعاية عدد سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 10 ملايين نسمة. الفرق، بالطبع، هو أن المستشفيات في تونس لا تعمل في منطقة نزاع.

وقال سيد جعفر حسين، ممثل منظمة الصحة العالمية في ليبيا، لصحيفة ليبيا هيرالد: “قمنا بتقييم مدى جاهزية الموظفين ووظائفهم وأين يعملون.” وأضاف “وجدنا انهياراً كبيراً في النظام الصحي، مع وجود أربعة فقط من أصل 98 مستشفى تعمل بنسبة 75% من طاقتها.”

فعلى سبيل المثال، لا يعمل مركز طرابلس الطبي، أكبر مستشفيات العاصمة، إلا بنصف طاقته، في حين يعمل 25 مستشفى آخر بربع طاقته.

وقال حسين أيضاً “[إن عدم الحصول على الرعاية الصحية] لا يشبه وجود نقصٍ في الكهرباء. حسناً، أنا أشعر بالحر وطفلي مستاء، إلا أن الأمر لا ينطبق على الصحة. ففي حال لم تعطِ الأنسولين لمريض أو تجري عمليةً لشخص بحاجةٍ ماسة للجراحة، فسوف يموتون.”

ومما يضاعف الأزمة، تستهدف الجماعات المسلحة بصورة روتينية العاملين في المجال الطبي لأسباب مختلفة. ففي احدى الحوادث في بنغازي هدد أحد المقاتلين أحد الأخصائيين في القطاع الطبي ما لم ينقذ حياة أحد أفراد مجموعته. كما ورد أن مسلحين اقتحموا المستشفيات لقتل المرضى الجرحى.

كما وثق تقريرٌ صدر في عام 2018 عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، 36 هجوماً على المرافق الطبية أو العاملين أو المرضى بين مايو 2017 وأيار 2018.

فقد تعرض مركز سبها الطبي في جنوب ليبيا للقصف أو إطلاق النار 15 مرة بين فبراير ومايو 2018. وفي فبراير 2017، أثناء معركة بنغازي الدامية، اشتبك رجال مسلحون ببنادق أيه كيه- 47 في أروقة أحد المستشفيات.

وقال غسان سلامه، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا “تعدّ هذه الهجمات انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي وتجاهل مأساوي لإنسانيتنا المشتركة. في كثيرٍ من الأحيان، لا يوجد احترامٌ للمرضى ولا حُرمة لأولئك الذين يقدمون الرعاية. يجب أن ينتهي هذا.”

ومع ذلك، فإن العديد من المهنيين الطبيين تحدوا المخاطر لخدمة المحتاجين. فقد عملت الطبيبة تاني لونا، أخصائية أمراض النساء والتوليد مع منظمة أطباء بلا حدود، في جناح التوليد في مستشفى بالقرب من بنغازي. وعلى الرغم من أزمة الرعاية الصحية، قالت إنها كانت تربطها علاقة رائعة بموظفي المستشفى المتفانين، لكنها أضافت أن معظم العاملين في القطاع الطبي لم يتلقوا تدريباً أو إشرافا يذكر لسنوات.

وقالت لمنظمة أطباء بلا حدود في سبتمبر 2016: “بالكاد حصل [الطاقم الطبي] أو لم يحصل أبداً على نماذج تدريبية محددة في مجال التوليد، كما أن سير العمل لم يكن منظماً بشكلٍ جيد عموماً.”

وأيضاً خلال معركة بنغازي التي انتهت في ديسمبر 2017، أدى القتال العنيف إلى تعطل طرق الإمدادات، مما أدى إلى كارثةٍ طبية. في ذلك الوقت، تم تسليم معظم الإمدادات عبر ميناء ومطار المدينة حتى اضطرتهم الاشتباكات لإغلاقها.

إن توفير الخدمات الطبية في سرت، مسقط رأس القذافي، ما هو إلا مثالٌ آخر على انهيار النظام الصحي بالكامل. ففي أعقاب الحملة المدعومة من الولايات المتحدة لطرد جماعة الدولة الإسلامية “داعش” من المدينة، قال كلاوديو كولانتوني، المدير القطري للهيئات الطبية الدولية في ليبيا، إنه سيتعين على وكالات الإغاثة المساعدة في إعادة بناء الخدمات الصحية من الصفر.

وقال لرويترز في أكتوبر 2016، “الوضع مأساوي. إن النظام الصحي انهار بالكامل، لا توجد مستشفيات عاملة، الاحتياجات مطلوبة من جميع الاتجاهات.”

وعليه، تواصل الرعاية الصحية تدهورها في جميع أنحاء البلاد، فالعديد من المرضى غير قادرين على الحصول على الرعاية العاجلة بسبب التأخيرات الطويلة في نقاط التفتيش والمرافق المتضررة.

كما قال حسين، من منظمة الصحة العالمية، إن الأمراض التي لم يعد لها وجود في ليبيا منذ عقودٍ من الزمن باتت تعود، فعلى سبيل المثال تشكل الملاريا تهديداً خطيراً. وتحاول منظمة الصحة العالمية التخفيف من حدة الأزمة من خلال توفير الأدوية والمعدات المنقذة للحياة للعيادات والمستشفيات. ومع ذلك، هناك مخاوفٌ من انتشار فيروساتٍ خطيرة مثل فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) بسرعة بسبب الافتقار إلى المرافق الصحية والوعي العام. وحذر حسين من أن قطاع الرعاية الصحية لا يمكن أن يوقف انتشار الأمراض، إلا إذا انتهت الحرب الأهلية فضلاً عن إنهاء تجميد أصول ليبيا.