وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الطريق الطويل أمام الانتخابات الفلسطينية

Palestinian elections
أفراد من عائلة أبو شمسية الفلسطينية يسجلون أسمائهم للمشاركة في الانتخابات عبر موقع لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، من داخل منزلهم في مدينة الخليل في الضفة الغربية في 22 يناير 2021. Photo: HAZEM BADER / AFP

نور عودة

بعد خمسة عشر عاماً من انتخاب الفلسطينيين رئيساً ومجلساً تشريعياً، يبدو أن الشعب الفلسطيني سيحصل أخيراً على فرصةٍ للتصويت مجدداً، ففي 15 يناير 2021، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً بعقد انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني على التوالي في مايو ويوليو وأغسطس 2021.

جاء المرسوم نتيجة تفاهماتٍ بين فتح وحماس بتشجيعٍ من مصر والأردن وقطر وتركيا وروسيا، إذ ضغط هؤلاء اللاعبون الإقليميون على الفصيلين المتحاربين لإنهاء الخلاف المستمر، وتجديد شرعيتهما، وإيجاد ترتيبٍ لتقاسم السلطة من خلال صناديق الاقتراع. وعليه، يُفترض أن القيادة الفلسطينية وحماس تملّكهما الدافع على نحوٍ أكبر لإجراء الانتخابات في أعقاب وعودٍ من إدارة بايدن بالتركيز على حقوق الإنسان والديمقراطية، واستباق أي طلب أمريكي لإجراء الانتخابات.

فقد لقيّ الإعلان عن إجراء الانتخابات ترحيباً من اللاعبين الدوليين بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، فضلاً عن الفصائل الفلسطينية والدول العربية، بيد أن الجمهور الفلسطيني ما زال حذراً من الإفراط في التفاؤل تجاه مصالحةٍ أخرى قد تفشل كحال سابقاتها في السنوات الماضية.

ومع ذلك، لا تعدّ مشكلة تضاؤل ثقة الجمهور المشكلة الوحيدة التي تواجه الفصائل الفلسطينية، إذ ينبغي عليهم مواجهة العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي يمكن أن تعرقل أو حتى تلغي إجراء الانتخابات في الأشهر المقبلة، بما في ذلك انعدام الثقة عميق الجذور بينهما.

وعليه، يتوجب أن تتوصل الفصائل إلى تفاهماتٍ في المحادثات المقبلة في القاهرة حول الجوانب الفنية والعملية لإجراء الانتخابات، بما في ذلك الترتيبات الأمنية. ففي غزة، تواصل حماس احتكارها المطلق على السلطة والأمن، بينما تتمتع السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً بسيطرةٍ محدودة على المدن والقرى ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية. لذا، يعد التغلب على انعدام الثقة المتأصل بين الأطراف غايةً في الأهمية لإجراء انتخاباتٍ لا مأخذ عليها في ظل الوضع الراهن.

هناك أيضاً قضية الفصل في الانتخابات، إذ ينبغي أن تتوصل فتح وحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى إلى اتفاقٍ حول تشكيل محاكم انتخابية والقضاة الذين يرأسونها فضلاً عن التشريعات التي سيستخدمونها كمرجع. وهنا، يعتبر التناقض في القوانين بين الضفة الغربية وغزة أحد الجوانب التي تم التغاضي عنها خلال الانقسام المستمر منذ 15 عاماً، حيث تقر حماس قوانينها الخاصة بينما يقرّ الرئيس الفلسطيني القوانين ويعدلها بالمراسيم. ففي عام 2016، قوّضت هذه القضية اتفاقاً بين فتح وحماس لعقد انتخاباتٍ بلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة. واليوم، باتت أزمة القضاء الفلسطيني أكثر عمقاً حيث أعلنت نقابة المحامين الفلسطينية مؤخراً المقاطعة الكاملة للمحاكم في الضفة الغربية احتجاجاً على تدخل محمود عباس الموسع في القضاء. ومع ذلك، من دون محاكم عاملة وشرعية، سيذهب احتمال إجراء انتخاباتٍ أدراج الرياح.

وفي حال تم التغلب على هذه العقبات الحرجة، فما يزال يتعين على الفصائل الفلسطينية والناخبين الفلسطينيين مواجهة العديد من التحديات الخارجية الجدية، إذ يتمثل التحدي الأكثر وضوحاً في تخوف الجمهور الفلسطيني من أن دعم المجتمع الدولي الجلي للانتخابات مرهونٌ بانتخاب الفلسطينيين للحزب “الصحيح.”

لم ينس الفلسطينيون مرارة العقوبات الدولية المفروضة على الفلسطينيين بعد فوز حماس المفاجئ في انتخابات عام 2006. آنذاك، شجب الحقوقي الدولي الشهير والمقرر الخاص للأمم المتحدة جون دوغارد العقوبات ووصفها بأنها “ربما تكون أشد أشكال العقوبات صرامة في العصر الحديث.” فقد كان نظام العقوبات مدمر مالياً واجتماعياً لدرجة أن المقرر الخاص المعني بحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية البروفيسور بول هانت انتقد المانحين الدوليين، قائلاً إن أفعالهم تهدد الفئات الأكثر ضعفاً وتسبب الفقر والمعاناة للفلسطينيين و”تشكل انتهاكاً لمسؤوليتهم تجاه تقديم المساعدة الصحية الدولية.”

وعلى صعيدٍ متصل، يواصل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، من بين آخرين، مقاطعة حماس وفصائل فلسطينية أخرى وتصنيفهم على قوائم المنظمات الإرهابية. وبالرغم من الدعوات لتغيير سياسة المقاطعة هذه، خاصة في أوروبا، فما زال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهات الفاعلة الدولية ستعاقب الفلسطينيين مرةً أخرى على خياراتهم الديمقراطية المقبلة أم ستقرر دعم نتائج الانتخابات تماماً كما تدعم اليوم إجراء هذه الانتخابات، إذ ما يزال هذا التهديد يلوح في الأفق مع تسارع التحضيرات لإجراء الانتخابات.

ولكن من بين جميع المخاطر التي تدور في فلك الانتخابات الفلسطينية، تعتبر إسرائيل اللاعب الوحيد الذي يمتلك معظم الأوراق لتعطيل أو التأثير على الانتخابات أو حتى إبطال الانتخابات المقبلة. فمن ناحية، تتمتع إسرائيل بسيطرةٍ كاملة ومطلقة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وعليه، فهي تتحكم بقدرة الناخبين على التحرك وعقد الحملات الانتخابية بحرية، فضلاً عن سجلها الحافل باعتقال ومضايقة المرشحين. ففي عام 2006، اعتقلت إسرائيل 25% من المشرعين المنتخبين وعطلت قدرة الهيئة التشريعية على العمل. وبالفعل، هناك تقارير تفيد بأن إسرائيل تحذر شخصياتٍ من حماس في الضفة الغربية من الترشح للانتخابات وتهدد بالانتقام.

ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل لم تحترم قط حق الناخبين الفلسطينيين في تنظيم انتخاباتٍ نزيهة وحرة، خاصة في القدس. فمن بين الـ2,5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، 300 ألف منهم مقدسيون. أما بالنسبة للفصائل الفلسطينية، يعدّ استبعاد القدس من الانتخابات العامة خطاً سياسياً أحمر لا يمكن تجاوزه، حيث سيوفر تعديل قانون الانتخابات لإكمال التمثيل النسبي بعض المجال لتمثيل القدس بشكلٍ أفضل من حيث المبدأ، لكن مدى دفاع إسرائيل عن ضمها غير القانوني للمدينة لم يتضح بعد. كما ستلقي المخاوف من إلغاء بطاقة هوية القدس، والنفي من المدينة و/ أو الاعتقال بظلالها على الأشهر المقبلة.

ما زال التغلب على مثل هذه العوائق التي تبدو مستعصيةً يطارد الفلسطينيين، إذ أن الانتخابات التشريعية ليست سوى الخطوة الأولى في سلسلةٍ من الانتخابات التي ينبغي عليهم تنظيمها بنجاح لإحياء نظامهم السياسي وضمان تجديده وجعله شاملاً وعملياً. ومن الجدير بالذكر أن المجلس التشريعي يمثل حوالي ثلث الشعب الفلسطيني فقط، إذ سيتطلب التمثيل الكامل إجراء انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية بنجاح، حيث يتم تمثيل الفلسطينيين في المنفى. وعليه، لن يكون هذا التمثيل ممكناً من خلال الانتخابات في جميع المواقع، لا سيما في دول المنطقة التي لا تتوفر فيها العمليات الديمقراطية للسكان المحليين.

أثار هذا مخاوف من أن تلجأ الفصائل الفلسطينية إلى إبرام اتفاقاتٍ داخلية فيما بينها بما يتجاوز الأصوات المستقلة التي تشكل الكتلة الأكبر من الناخبين الفلسطينيين. عزز هذا الخوف بأقاويل تتحدث عن نية فتح وحماس وفصائل أخرى أصغر تشكيل قائمةٍ مشتركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، إذ من شأن هذه الخطوة تبديد الآمال بالتزام هذه الفصائل بالتغيير فضلاً عن تعزيز المخاوف من أن هذه الانتخابات تهدف إلى إضفاء الشرعية على الوضع الراهن بدلاً من إحداث تغيير طال انتظاره.

ومن المفارقات أن جميع المُنتَخبين سيتمتعون بسلطة التشريع واتخاذ القرارات نيابةً عن الشعب الفلسطيني، بيد أنهم لا يستطيعون محي وجود الاحتلال الإسرائيلي وواقعه المرير الذي لا يُحتمل والمفروض على الفلسطينيين. فالناخبون الفلسطينيون، والمنتخبون، سيتعرضون للقمع من قبل نظام الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من أهميتها، لا تشكل الانتخابات وحدها حلاً للمطالب الفلسطينية الأساسية بالتحرر من الاضطهاد والاحتلال، ومع ذلك، في حال جرت الانتخابات على نحوٍ صحيح، فمن المفترض أن تجلب ممثلين مسؤولين يمكنهم الدفاع عن الحقوق والمطالب الفلسطينية المشروعة بالحرية، التي فات أجل استحقاقها، بالإصرار المنشود والصدق المطلوب.