وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في اسرائيل، خسارة صديق عناصر الجناح اليميني

إسرائيل ترمب
السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ديفيد فريدمان (يسار)، وكبير مستشاري ترمب- جاريد كوشنر (الثاني من اليمين)، ووزير الخزانة الأمريكي الأسبق ستيفن منوشين (يمين) مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في البيت الأبيض – 13 أغسطس 2020، في واشنطن العاصمة. Photo: Brendan Smialowski / AFP

جاليا جولان

قد يفترض المرء أن العديد من قادة العالم سعداء برؤية الولايات المتحدة تحت إدارة جديدة، ومع ذلك، أحد القادة الذين لربما لا تتملكهم السعادة هو بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وربما أيضاً شريحةٌ كبيرة من الجمهور الإسرائيلي. فقد كان ترمب صديقاً عزيزاً على قلب نتنياهو، إذ سمى الرئيس الأمريكي سفيراً ومستشارين كانوا من أشد أنصار الحركة الاستيطانية في إسرائيل وأصدقاء لليمين ولأشخاص في إسرائيل.

وهنا، تخلت إدارة ترمب عن الاعتراضات الأمريكية الرسمية السابقة على بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، باعتبارها غير قانونية أو على الأقل باعتبارها “عوائق أمام السلام،” ودعمت السياسة الجديدة بناء المستوطنات الإسرائيلية، كما كان متوقعاً نظراً لحقيقة أن السفير الجديد وبعض أقرب المقربين من ترمب الرسميين قد ساهموا مالياً في مشروع الاستيطان.

بالإضافة إلى ذلك، انضم ترمب إلى مصالح اليمين الإسرائيلي في الاحتفاظ بالقدس الشرقية، فبعد حرب 1967 مباشرة تقريباً، احتلت إسرائيل القدس الشرقية ووسعتها وضمتها. وبعد تغيير الموقف الأمريكي الرسمي الأكثر اعتيادية بكون القدس الشرقية “أرضاً محتلة يتم حل قضيتها في اتفاقية سلامٍ مستقبلية،” عزز ترمب الموقف الأمريكي الجديد بنقل سفارة بلاده إلى القدس في مايو 2018. حتى ذلك الوقت، وكحال معظم الدول الأخرى، التزم الأمريكيون بقرار الأمم المتحدة الذي أعلن قيام دولة إسرائيل (خطة التقسيم لعام 1947) والتي حددت القدس بأكملها كمدينة دولية (باستفتاءٍ جماعي) نظراً لأهمية الأماكن المقدسة هناك لثلاث ديانات رئيسية. تجاهلت إسرائيل هذا الوضع، وأعلنت القدس الغربية عاصمتها ونقلت مكاتبها الحكومية إلى هناك في عام 1949، في حين أن الأردن، الذي استولى على الجزء الشرقي من المدينة في الحرب السابقة، تبنى القدس الشرقية عاصمةً ثانيةً للأردن.

وأيضاً، امتثل ترمب لسياسات اليمين الإسرائيلي على نحوٍ أكبر بالاعتراف بضم إسرائيل عام 1981 لمرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل أيضاً في حرب عام 1967. وعليه، كرّم نتنياهو هذه الخطوة بتسمية بلدةٍ من بلدات الجولان تيمناً بترمب. وفي إذعانٍ آخر لوجهات نظر اليمين الإسرائيلي، مردداً صدى اعتراضات نتنياهو على خطة العمل الشاملة المشتركة لمراقبة أو السيطرة على طموحات إيران النووية، سحب ترمب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية في مايو 2018.

وأخيراً، قدم ترمب صفقة القرن المصممة، على حد زعمه، لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. فقد عكست “رؤية السلام،” كما أطلق عليها والتي خطط لها على نحوٍ كبير صهر ترمب، المصالح الإسرائيلية ومواقف نتنياهو. وعليه، لم يقتصر الأمر على بقاء القدس موحدةً تحت السيادة الإسرائيلية بينما ستصبح العاصمة الفلسطينية المستقبلية خارج الحدود التاريخية للمدينة، ولكن نصت أيضاً على حفاظ إسرائيل على أمن المنطقة بأكملها ما بين الحدود الشرقية (الفلسطينية) مع الأردن وحتى البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن الموافقة الإسرائيلية على أي لاجىء فلسطيني قد يسعى للدخول إلى أراضي الدولة الفلسطينية الجديدة. علاوةً على ذلك، ستبقى جميع المستوطنات الإسرائيلية قائمةً في الضفة الغربية، بينما سترتبط الجيوب داخل الدولة الفلسطينية المستقبلية بشبكة أنفاقٍ وجسورٍ وطرق. كما ستضم إسرائيل وادي الأردن، وهي منطقة تشكل 30% من الضفة الغربية على طول الحدود مع الأردن.

بل إن الخطة نصت على نقل جزءٍ كبير من المواطنين العرب في إسرائيل، برفقة مجتمعاتهم، من إسرائيل إلى الفلسطينيين. ومع ذلك، تم إسقاط هذا الإجراء الوحشي، الذي روجته عناصر من يمين نتنياهو، من الخطة. وفي عامه الأخير في منصبه، ساعد ترمب أيضاً في هندسة توقيع اتفاقيات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وهكذا استطاع نتنياهو المجاهرة بأن قبول الدولة اليهودية في المنطقة العربية يمكن تحقيقه دون الانسحاب من شبرٍ واحد من الأراضي الفلسطينية. وعليه، يمكن أن يستمر الاحتلال دون انقطاع، واضعاً الحد لفكرة الأرض مقابل السلام. قد تدعو رؤية ترمب من الناحية الفنية إلى حل الدولتين، لكن بالكاد توفر الشروط المدرجة للفلسطينيين لإنشاء دولة، وبالكاد تعكس أيضاً الخطة الجغرافية والأمنية والسياسية للدولة نفسها وفقاً للخطة الجديدة أي حكمٍ ذاتي للفلسطينيين. بيد أن هذا كان مناسباً لتصريحات نتنياهو المتكررة بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة في ظل حكمه.

نتنياهو ترمب
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الثاني من اليسار) وزوجته سارة نتنياهو (يسار) وكبير مستشاري البيت الأبيض السابق جاريد كوشنر (الثالث من اليسار) وابنة الرئيس الأمريكي السابق إيفانكا ترمب (وسط) ووزير الخزانة الأمريكي السابق ستيف منوتشين (يمين) والرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين (الثاني من اليمين) خلال افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في 14 مايو 2018. Photo: MENAHEM KAHANA / AFP

بالنظر إلى هذا التوافق مع سياسات حزب نتنياهو وحكومته، فلا عجب أن الزعيم الإسرائيلي ربما يشعر بالأسف الشديد لرؤية رحيل ترمب. علاوةً على ذلك، لدى الجناح اليميني في إسرائيل سببٌ للقلق من الرئيس الجديد، فكثيراً ما تحدث بايدن وفريقه للسياسة الخارجية عن حل الدولتين ودعمه على ما يبدو. وعلى صعيدٍ آخر، لطالما دعم بايدن باستمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، ورفض أي ربطٍ للمطالب السياسية بحزمة المساعدات. في الواقع، لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه لم يقدم سوى الدعم، كنائبٍ للرئيس، لحزمة المساعدات العسكرية التي قدمها الرئيس أوباما، وبشكلٍ أكبر من المعتاد، لمدة 10 سنوات، بقيمة 38 مليار دولار لإسرائيل في عام 2016.

وإلى جانب فقدانه صديقه الصدوق في البيت الأبيض وأنصار الاستيطان من عائلة ترمب وشركائه، هناك أمور أخرى تثير قلق نتنياهو مع مجيء إدارة بايدن، إذ أن هناك انقساماتٍ داخل الحزب الديمقراطي، وقد تدفع العناصر التقدمية بايدن نحو سياسيةٍ أكثر ديناميكية، مصممة للسير بفعالية نحو حل الدولتين. من جهته، يدرك نتنياهو ذلك جيداً، إذ سرعان ما هنأ بايدن على انتخابه، مستحضراً صداقتهما طويلة الأمد. لكن ربما كان هناك سبب أكثر تحديداً يثير قلق نتنياهو، وهو تجربته السابقة والسلبية مع الرئيس الأمريكي الجديد.

حدث هذا في عام 2010، أثناء مفاوضات أوباما بشأن تجميد بناء المستوطنات والذي كان يهدف إلى تجديد محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. قام نائب الرئيس آنذاك، بايدن، برحلةٍ إلى إسرائيل، وخلال زيارته الرسمية للقدس، أعلنت حكومة نتنياهو عن مناقصات لبناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في الحي اليهودي (المستوطنة القائمة بالفعل) في رامات شلومو في القدس الشرقية. كان بايدن غاضباً بالفعل، وتسبب الحادث في أزمةٍ دبلوماسية طفيفة بين البلدين.

ربما يتوخى نتنياهو الحذر من هذه الذكرى التي جمعته ببايدن، فقد اتخذ خطواتٍ لضمان خطط بناء معينة في الضفة الغربية، حيث أعيد إصدار المخططات المعروفة باسم E-1 وE-2، التي تدعو إلى بناء المستوطنات في مناطق شرق وجنوب القدس، فيما يبدو أنه محاولة لفرض حقائق على الأرض في الوقت الذي كان بايدن يتولى منصبه. في الماضي، تم الإعلان عن هذه الخطط ولكن تنفيذها تأخر، على ما يبدو بسبب المعارضة داخل إسرائيل ولكن في المقام الأول بسبب الاعتراضات الأمريكية. وشملت القضايا مطالبة إسرائيل بمصالح أمنية في حماية القدس من تهديدات المناطق المجاورة، إذ شكّل هذا مصدر قلق أمني قبل عام 1967، عندما كانت القدس بالفعل مهددة بهجمات دورية من المناطق الأردنية المحيطة بالمدينة، في الشمال والجنوب. وبالتالي، فإن عدم الثقة هو الذي وجه الخطط الإسرائيلية للمطالبة بهذه المناطق، في حال إنشاء دولةٍ فلسطينية ذات يوم. ومن الجدير بالذكر هنا أنه غالباً ما كان عدم الثقة في النوايا العربية المستقبلية بوصلة إسرائيل، لا سيما في ظل حكومتي أشكول وجولدا مائير عندما رفضت إسرائيل مراراً وتكراراً خطط السلام أو المبادرات العربية، وبدلاً من ذلك فضلت التمسك بما يعتبر أصولاً أمنية في حال لم يصمد السلام.

بل إن عدم الثقة والمخاوف الأمنية السابقة ليست سوى جزء من الصورة، إذ لدى اسرائيل بالفعل مستوطنات تحيط بالقدس وهما غوش عتصيون في الجنوب ومعاليه ادوميم في الشرق. ستوسع الخطط الجديدة هذه المناطق، لكن المشكلة الرئيسية في خطتي E-1 وE-2 اليوم ليست فقط أنها ستستلزم المزيد من مصادرة الأراضي (التوسعية الإسرائيلية)، وستكون غير قانونية، لكنها ستقسم فعلياً منطقة الضفة الغربية إلى قسمين. وعليه، سيضطر الفلسطينيون إلى السفر لساعات للالتفاف حول هذه المناطق من أجل الانتقال من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، إذ سيصبح تجاور دولةٍ فلسطينية مستقبلية مستحيلاً.

قد يكون المضي قدماً في هذه الخطط المثيرة للجدل دلالةً على توقع نتنياهو للصعوبات التي قد يواجهها الآن من إدارة بايدن. وبصرف النظر عن نية بايدن المعلنة بوضوح لتغيير السياسة الأمريكية تجاه إيران، فإن آخر ما قد يخشاه نتنياهو هو القلق بشأن السلوك الأمريكي المستقبلي في الأمم المتحدة، وعلى نحوٍ خاص، قد تساوره المخاوف من احتمال تكرار امتناع إدارة أوباما عن التصويت، بدلاً من حق النقض، في عام 2016 لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334 الذي أدان بناء المستوطنات الإسرائيلية ودعا الدول الأعضاء إلى التمييز بين أراضي دولة إسرائيل والأراضي التي تحتلها إسرائيل.

بل إن من العلامات المبكرة على أن مخاوف نتنياهو قد تكون لها ما يبررها، ظهور تسميةٍ جديدة على موقع تويتر للسفارة الأمريكية في إسرائيل. ففي اليوم الموافق لتنصيب بايدن، ظهر تعديلٌ لوقتٍ قصير لتعريف سفارة الولايات المتحدة لدى إسرائيل، في حسابها على موقع تويتر في 20 يناير 2021، ليصبح سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل والضفة الغربية وغزة – أي لثلاثة كياناتٍ منفصلة. من جهته، قال متحدثٌ باسم السفارة إن هذا لم يكن تغييراً في السياسة، وأن التعريف ظهر لفترةٍ وجيزة فقط، ولكن ذكرته صحيفة هآرتس اليومية الإسرائيلية الرئيسية ولا يمكن أن يمر مرور الكرام دون أن يلاحظه نتنياهو. فهل هذا دلالة على ما هو آتٍ؟