وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

جيلٌ ضائع من الأطفال في اليمن

Yemen- malnutrition yemen
باسم محمد حسن، صبي يمني يبلغ من العمرعامين يعاني من سوء التغذية، يتم قياس وزنه في أحد المستشفيات في مديرية عبس الشمالية في محافظة حجة الشمالية الغربية في 19 سبتمبر 2018. Photo AFP

85 ألفاً: هذا هو العدد التقديري للأطفال دون سن الخامسة الذين لقوا حتفهم بسبب الجوع خلال ثلاث سنواتٍ ونصف من الحرب في اليمن، وفقاً لنداء الطوارىء الذي أطلقته منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children). فالأطفال باليمن، بالكاد يحصلون على الرعاية الصحية والتعليم عندما لا يتم تجويعهم أو قصفهم، فهم جيلٌ ضائع يترك مستقبل اليمن غامضاً.

ففي الحرب، بغض النظر عن ماهية النزاع، تعتبر النساء والأطفال أكثر الفئات تأثراً. فقد أوضحت أخصائية التواصل على موقع Peace Insight، تادزي مادزيما بوشا، في عام 2013 أنه “على مر التاريخ، يمكننا رؤية أمثلةٍ على انتهاكاتٍ مروعة ضد النساء والأطفال؛ بدءاً من الـ1,1 مليون طفل الذين قتلوا خلال الهولوكوست، ووصولاً إلى العديد من النساء والأطفال الذين اغتُصِبوا أو قُتلوا خلال الإبادة الجماعية في رواندا.”

أما على موقع Open Democracy، كتبت الباحثة جوانا روزبيدوسكي أن “المنظمات الإنسانية غير الحكومية تقدر أنه خلال السنوات العشر الماضية، قُتل ما يقدر بـ10 ملايين طفل نتيجة للصراعات المسلحة، في حين أن الناجين من الشباب قد تعرضوا للصدمة، أو الاستغلال، أو الإصابات، أو تشوه الأعضاء أو الأعاقة. الانفصال عن الوالدين والأسر الممتدة يجعلون الأطفال عرضة لصدمة الإعتداء الجنسي، والألغام المضادة للأفراد والتشوه بسبب القنابل العنقودية، بالإضافة إلى تجنيدهم غير الطوعي كجنود أطفال أو سجنهم وإجبارهم على العمل القسري. إن الافتقار إلى إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية والمرافق الصحية الأساسية والتعليم له أيضاً عواقب لا رجعة فيها ومدمرة مدى الحياة.”

فقد بات اليمن مسرح حربٍ بين تحالفٍ من دول إقليمية قوية بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة وقوات الحوثيين من جهةٍ أخرى؛ حيث استولى الأخير على أجزاء كبيرة من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء. وحمل الصراع غاراتٍ جوية للتحالف ضد ميليشياتٍ تعمل على الأرض، فيما يواجه المدنيون في خضم ذلك ما تسميه المنظمات الدولية “أسوأ أزمةٍ إنسانية في العالم،” في حين يتحمّل الأطفال وطأة هذه العواقب.

فقد قال بانو باتناغار، المتحدث باسم منظمة أنقذوا الأطفال في المملكة المتحدة، لـفَنَك: “إذا ما تركت هذه الأزمة دون رادع، ستحصد أرواح العديد من الأطفال.” وأضاف “يعاني حالياً 400 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن، ويخوضون كل يومٍ معركةً للبقاء على قيد الحياة. إن موت طفلٍ واحد بسبب المجاعة هو مأساة؛ كما إن موت 85 ألف شخصٍ من الجوع الذي يمكن تجنبه هو كارثةٌ إنسانية ذات أبعاد أسطورية. ومقابل كل طفلٍ يموت من الجوع في اليمن، هناك الكثير من الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة بسبب العنف المستمر، والانهيار الاقتصادي وتدمير جميع الخدمات الأساسية. ما نعرفه هو أن حياة الأطفال أصبحت أكثر صعوبة مع مرور الوقت، وأننا نتجه نحو ‘مجاعةٍ كبيرة‘ تجتاح البلاد. دون اهتمامٍ واتخاذ الإجراءات اللازمة على وجه السرعة، لن يتمكن العديد من أطفال اليمن من البقاء على قيد الحياة إلى حين بزوغ فجر عام 2019.”

الطفل نُصير، البالغ من العمر 13 شهراً، من بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم والذين تتم مراقبتهم عن كثب من قبل منظمة أنقذوا الطفولة. فبعد أن تم علاجه في أغسطس، تدهورت حالته الصحية مرةً أخرى بحلول شهر أكتوبر، حيث أُجبر هو وأمه على الانتقال إلى منطقةٍ نائية بسبب تصاعد القتال بالقرب من منزلهما، كما لم يتمكن من الذهاب برحلةٍ طويلة إلى المستشفى. فقد قالت والدته سعاد للمنظمة: “لا أستطيع النوم. هذا تعذيب، أشعر بالقلق على أطفالي. لا يمكنني مواصلة الحياة إذا ما أصاب مكروهٌ أياً منهم.”

لا يعتبر الجوع الخطر الوحيد الذي يهدد حياة الأطفال في اليمن: إذ يتم قصف منازلهم ومدارسهم بشكلٍ يومي. وقال باتناغار “إن الأطفال يدفعون أبهظ ثمنٍ لهذه الأزمة وهم الأكثر عرضة للموت بسبب الظروف التي خلقتها هذه الحرب.” وتابع القول، “يعانون كل يوم من الجوع والعطش، كما يعانون من أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة مثل الكوليرا والدفتيريا. ازدادت حالات سوء التغذية الحاد الوخيم لدى الأطفال بأكثر من الضعف خلال الحرب، حيث بلغ عدد الحالات المشتبه فيها 400 ألفاً هذا العام مقارنة بـ160 ألف حالة قبل النزاع. يعني نقص الوقود وصعوبة الوصول إلى المرافق الطبية، بالإضافة إلى نقص الإمدادات الطبية وانقطاع التيار الكهربائي، أن الأطفال يموتون من أمراض يمكن علاجها. التقينا بأهلٍ فقدوا أطفالهم بسبب أمراض بسيطة ويمكن علاجها مثل التهاب اللوزتين. كما أُجبر الأطفال على تحمّل روتينٍ مروع من الغارات الجوية والعنف الشديد؛ إذ قُتل أو شوه الكثير منهم في القتال أو فقدوا أحبائهم وبيوتهم ومدارسهم. كما تستمر انتهاكات حقوق الإنسان وتجاوزاتها بلا هوادة، حيث قتل أو أصيب ما لا يقل عن 6600 طفل في ما تصفه الأمم المتحدة بأنه ‘كارثة من صنع الإنسان بالكامل‘.”

وحتى قبل الحرب، كان العديد من الأطفال ضحايا لعمالة الأطفال وظلوا خارج المدارس. ففي عام 2013، كشفت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية وصندوق التنمية الاجتماعية واليونيسف أن أكثر من 1,3 مليون طفل في اليمن منخرطون في عمالة الأطفال. ووفقاً لليونيسف، ازداد نطاق شمول والتسجيل في المدارس في السنوات الثلاثين الماضية بشكلٍ ملحوظ، ومع ذلك، لا يزال اليمن من بين البلدان التي لديها أقل نسبة تسجيل إجمالية. وفي عام 2015، قُدر أن نحو 1,2 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي كانوا خارج المدرسة (30%)، إلى جانب 402,284 طفلاً دون سن الدراسة الثانوية (22%). كما أن هناك 401,544 طفلاً في سن المدرسة ما قبل الإبتدائية خارج مقاعد الدراسة (92%).

كما لاحظ تقريرٌ صادرٌ عن الأمم المتحدة، والذي نشر في عام 2017، وجود 1,702 حالة تجنيد للأطفال لاستغلالهم في الأعمال العدائية. وجاء في التقرير: “اللجان الشعبية التابعة للحوثيين ووحدات الجيش الموالية للرئيس السابق عبد الله صالح (قوات الحوثي/ صالح) كانت مسؤولةً عن حوالي 67% [من هذه الحالات]… لاحظ مراقبو حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وبشكلٍ متكرر، أطفالاً بالكاد يبلغون العشر سنوات، مسلحين ويرتدون الزي العسكري، ويقيمون نقاط تفتيش. كما تبين أن قوات الحوثي/ صالح مسؤولة عن الاعتقالات التعسفية أو غير القانونية المنتشرة على نطاق واسع.” فقد روى يونس، البالغ من العمر 13 عاماً، لشبكة سي أن أن، تجربته كجندي طفل وتعرضه للإصابة في ساقه: “رأيت أشخاصاً بجانبي يقتلون، إذ كانوا يُصابون برصاصةٍ في الرأس أو الصدر. كنت أشعر بخوفٍ شديد. عندما أصابتني القذيفة، ظننت أني أموت. تغلب عليّ الخوف والقلق. وإلى الآن، لا زلت أشعر بنفس الطريقة.”

فالأوضاع لم تزداد إلا سوءاً منذ اندلاع الحرب، بحسب باتناغار، الذي أوضح لفَنَك، “رواتب المعلمين إما غير كافية أو لا يتم دفعها على الإطلاق، كما تخفّض المدارس ساعات التدريس أو تضطر إلى إغلاق أبوابها. وإلى جانب قضايا انعدام الأمن، فإن هذا يعني أن بعض الآباء يفضلون عدم إرسال أطفالهم إلى المدرسة. يُعدّ عدم ارتياد المدرسة إشكالية خاصة في منطقة الحرب، حيث يمكن للمدارس توفير أماكن آمنة ووقائية للأطفال، فضلاً عن بعض الاستقرار في خضم الاضطرابات.” وعلى الرغم من إعلان المدارس الآمنة، الذي وقعته الحكومة ويهدف إلى تعزيز وحماية في الحق في التعليم أثناء النزاع المسلح، يُجبر الأطفال بدلاً من ذلك على العمل في الغالب في الزراعة وصناعة الخدمات من أجل مساندة أسرهم، وفقاً لمكتب شؤون العمل الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية.

قد يكون الوقف الفوري للصراع إحدى طرق مساعدة الأطفال في اليمن؛ ومع ذلك، من غير المحتمل أن يحدث ذلك في أي وقتٍ قريب للعديد منهم، على الرغم من وقف إطلاق النار الذي وافق عليه وزير الخارجية اليمني خالد اليماني ومفاوض المتمردين محمد عبد السلام خلال محادثات السلام في السويد في 13 ديسمبر 2018، والذي تضمن السماح بالوصول إلى ميناء الحديدة، الذي يمر عبره 80% من واردات البلاد. وقال الأمين العام للحملة، أنطونيو غوتيريس، أثناء المحادثات، “ستلعب الأمم المتحدة دوراً رائداً في الميناء وتسهل وصول المساعدات إلى السكان المدنيين.” ومن المتوقع أن تجري الجولة التالية من المحادثات في نهاية يناير 2019.

وبشكلٍ أعم، لا يزال وضع الأطفال في اليمن كارثياً. فقد قال باتناغار “عندما سألت إحدى الزميلات عن أمنياتهم في المستقبل، قالت لي ‘الأمل الوحيد الذي يجرؤ اليمنيون على الحلم به هو الغد، أن يبقوا على قيد الحياة أُثناء الليل‘.” وأضاف “كما تشعر منظمة أنقذوا الأطفال بالقلق من التأثير النفسي الذي يخلفه العنف على الأطفال، إذ قد يكون له آثار طويلة المدى، خاصة إذا ما ترك دون علاج. إن غالبية سكان البلاد دون سن الخامسة والعشرين، والتعليم هو السبيل الوحيد لتجنب خسارة جيلٍ كامل بسبب آثار الحرب. الأطفال هم مستقبل اليمن ودون تعليمٍ ملائم، لن يكونوا قادرين على إعادة إعمار بلدهم.”