وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

انخفاض أسعار النفط في الخليج: نعمة مُقنّعة؟

low oil prices in the Gulf
وزير الطاقة البحريني عبد الحسين بن علي ميرزا، يصل إلى الاجتماع الدولي الذي تحضره دول أوبك ودول من خارج المنظمة، والذي يُقام في فندق شيرتون الدوحة، في مدينة الدوحة، قطر، 18 أبريل 2016. Photo imago stock&people

بما لا يُثير الدهشة، يتردد مصطلح خفض التكاليف باستمرار في منطقة الخليج في أبريل 2016، بعد عامٍ ونصف على انخفاض أسعار النفط العالمية. فتدفق أموال أقل إلى خزائن الدولة، يعني أنّ أمولاً أقل تخرج منها أيضاً، بينما لا يتم حتى الآن سوى استنزاف صناديق الثروة السيادية. وفي ضوء ذلك، فقد حان الوقت لاتخاذ بعض التدابير الجادة.

القول أسهل من الفعل: فالعقد الاجتماعي يقف عائقاً في الطريق. فكما يعلم الجميع، يعتمد مواطنوا الخليج منذ سنواتٍ على المعونات الحكومية مثل دعم الوقود، والخدمات المجانية أو شبه المجانية، والمنح الدراسية، وبدلات السكن والرعاية الصحية، والوظائف المضمونة برواتب سخية، التي غالباً لا صلة لهم بها. وكذلك حال الاتفاق بين الحكام والشعب.

خرق العقد أمرٌ لا مفر منه، ولطالما دعا إليه صندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات. كانت الإمارات العربية المتحدة أول دولةٍ خليجية تخفضّ الدعم عن الوقود وترفع أسعار الكهرباء، وسرعان ما تبعتها المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وحتى الآن، لم يؤدِ هذا إلى اضطربات مدنية.

ربما يمكن تفسير ذلك من خلال حقيقة أنّ غالبية الناس لا يشعرون بعواقب إرتفاع الأسعار، بل التفسير المنطقي هو أنّ مواطني هذه الدول ليس لهم رأيٌ في السياسة وأنهم إلى الآن لم يجرؤا على الخروج إلى الشوارع للاحتجاج.

يُفسر هذا أيضاً لمَ الكويت، أكثر دول الخليج ديمقراطية، تعتبر استثناءً عن هذه القاعدة. فبصرف النظر عن خفض الدعم عن الديزل، إلا أنه لم يتم اتخاذ سوى القليل من التدابير حتى الآن، إذ يواجه كلُ مقترحٍ من قِبل الحكومة بخفض التكاليف بمقاومةٍ شرسة من البرلمان. وغالباً ما يكون رد الفعل “افعلوا ما تريدون، طالما لن يؤذي المواطنين.”

عباراتٌ مماثلة تتردد في قطاع النفط نفسه، ، حيث تسعى شركة البترول الكويتية المملوكة للدولة إلى خصخصة بعض المرافق وتخفيض الرواتب والفوائد وغيرها من المزايا. وحتى الآن، لم تسفر هذه الجهود سوى عن أعضاء برلمان غاضبين وإضرابٍ للعمّال.

قد لا يرغب الناس في التخلي عن نمط حياتهم المريح، ولكن يشتمل الأمر أيضاً على عدم ثقتهم بالحكومة. فضلاً عن ذلك، يشعر الكثير من الكويتيين، بعد الصفقات الفاسدة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات على مدى العديد من السنوات، والتي كانت تتم لصالح النخب الحاكمة، أنّ الوقت قد حان لمحاسبتهم.

وفي الوقت نفسه، لا تستطيع البنوك تجنب العواقب، وبدأت تشعر بالعناء لأسبابٍ مختلفة، إحداها توقف تدفق عائدات النفط إلى حساباتها. وعلاوة على ذلك، فإنّ أسواق الأسهم الاقليمية ليست في مأمن من هبوط أسعار النفط أيضاً.

وأخيراً، حتى في الكويت، بدأ الأفراد يشعرون بعدم اليقين حول أسواقهم المالية الآجلة، لينعكس هذا على خفض انفاقهم على السفر والطعام والملابس. ببطء ولكن بثبات، يمكن استشعار ذلك في مختلف القطاعات مثل قطاعيّ البيع بالتجزئة والسياحة (المحلية).

لذا، وعلى الرغم من عدم تحوّل الناس من الثراء الفاحش إلى الفقر المُدقع، لم يعد يُنظر إلى أنّ انخفاض أسعار النفط مرحلة مؤقتة. وكما تبدو عليه الأمور، مع استمرار انخفاض الطلب وعدم وجود تغيير جذري على موقف أوبك، لن يحدث أي تغيير يُذكر في القريب العاجل.

ويقول أحد رجال الأعمال البحرينيين الذي يعمل في مدينة الخُبر في السعودية “قد تكون في الحقيقة نعمة مُقنّعة.” ويُضيف “في الماضي، عندما كنا نرى مشروعاً بميزانية قدرها 100 مليون دولار، كان يمكننا الجزم أنه يمكن إنجازه بنصف السعر. أما اليوم، يتم خفض التكاليف من جميع الجوانب، وهو أمرٌ جيد.”

في الواقع، لا يبدو الأمر بهذا السوء: قطاعان عام وخاص عازمان على العمل بفعالية من أجل المنافسة بنجاح، حيث تحقق قيمة الأموال، أخيراً، غايتها، وحيث يستيقظ المواطنون على واقع اضطرارهم لكسب لقمة العيش، وحيث ينخفض الاستهلاك إلى مستوياتٍ “طبيعية،” وحيث يتم بناء عددٍ أقل من الأبنية متعددة الطوابق (التي غالباً ما تبقى معظمها فارغة).

قد يكون الجانب السلبي أن أولئك الذين سيعانون في نهاية المطاف ليسوا من تسببوا بالمشكلة في المقام الأول. بل سيتأثر ملايين وملايين العمّال الأجانب الذين يعملون في المنازل، ومواقع البناء، والشركات في منطقة الخليج. وهم يدركون ذلك تماماً، ويشعرهم الأمر بالقلق. فضلاً عن ذلك، فإن سوق العمل آخذٌ بالتباطؤ بالفعل، وعلى وجه الخصوص في قطاع النفط.

ومع ذلك، إذا كان مجلس التعاون الخليجي جاداً في إصلاح اقتصاده، مع الاستثمار بثقلٍ أكبر بمواطني هذه الدول وإنفاق أموالٍ أقل على المشاريع غير المُنتجة، سيؤثر هذا في نهاية المطاف على الملايين من العمّال غير المهرة أو الذين يتمتعون بالقليل من المهارة.

ويوماً ما، قد يتحول الطهاة والسائقون والمراسلون في المكاتب، الذين لا غنى عنهم في الوقت الراهن، إلى قائمة الأشخاص الذين سيتم الاستغناء عن خدماتهم. ويوماً ما، سيتم استبدال أقسام المحاسبة بالمواطنين المحليين عوضاً عن الهنود. ويوماً ما أيضاً، على الرغم من إعتراف الجميع أنّ الأمر محتملٌ في المستقبل، قد يكون الناس على استعدادٍ لتعبئة مشترياتهم من المتاجر بأنفسهم وحتى حملها إلى سياراتهم.

بالنسبة لأولئك الذين تقع وظائفهم على المحك، فمن الصعب أن يستشعروا السراء بعد الضراء. فلا يعجبهم الجدل الحالي الدائر أنه بعد كل هذه السنوات من الكدح في الخليج، سيكون من الجميل عودتهم إلى ديارهم. بالنسبة لهم، الفكرة نظرية بحتة، فواقعم ليس أحد الخيارات أو النعم. أو كما يقول لسان حال إحدى عاملات التنظيف الهندية التي تعمل في الكويت منذ فترة طويلة “إذا عدت إلى الهند، من أين سيأتي الدخل يا سيدتي؟”

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles