وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

محمود عباس – الرئيس الفلسطيني تحت الضغط!

Mahmoud Abbas under increasing pressure
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (وسط) يحضر اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطنية في رام الله في الضفة الغربية,1 سبتمبر 2015. Photo by FLASH90

وصف أحد المثقفين الفلسطينيين الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه مناسب لحكم دولة مثل سويسرا، ولكنه اطلاقاً غير مناسب لحكم فلسطين، ويعود السبب في ذلك لأن فلسطين تفبع تحت الإحتلال، وعباس لا يمتلك تلك الشخصية الثورية التي عرفها التاريخ لعدد كبير من زعماء التحرر الوطني أثناء ثورات التحرر آبان فترة الاستعمار الاجنبي في دول أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية. مما لا شك فيه بأن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية لا يمتلك تلك الروح الثورية الكلاسيكية، ولكنه يمتلك نهجا سياسيا واضح المعالم يقوم على أساس الدبلوماسية والمفاوضات السياسية لتحقيق الرؤية الوطنية في التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية ، لكن النتائج على الارض تشير بأن نهج عباس السياسي القائم على المفاوضات منذ توليه السلطة الوطنية بداية عام 2005 لم يحقق نتائج حقيقية على الارض، على العكس فلقد توالت الاخفاقات وكانت اكثر بكثير من بعض الإنجازات التي تعتبر من وجهة نظر عدد ليس بالقليل من السياسيين والمثقفين بأنها انجازات ضحلة وغير ملموسة.

محمود رضا عباس الذي بلغ من العمر العقد الثامن من الزمن لم يعد عليه رضا كما كان في بدايات حكمه. وبنظرة سريعة على الانجازات والاخفاقات السياسية التي واكبته يرى المراقب للأمر بأن هناك العديد من الاخفاقات التي واكبت قيادته للمرحلة، فبعد عدة شهور من قيادته للسلطة خسرت حركة فتح منتصف عام 2005 العديد من مجالس الحكم المحلي التي يتزعمها وبعد أقل من عام على تولي عباس القيادة خسرت حركتة الانتخابات التشريعية امام حركة حماس بداية عام 2006 بنسبة مهولة. ولكن الأمر الذي سجله التاريخ كمأساة الشعب الفلسطيني الحديث التي تضاهي مأساة النكبة والنكسة، ومازال يعاني منها المجتمع الفلسطيني إلى يومنا هذا، هو الانقسام الفلسطيني بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بقوة السلاح. أضف إلى ذلك ثلاث حروبا طالت قطاع غزة بين عام 2008 وعام 2014 ولم يقف خلالها أي موقف حازم ضد الاحتلال الاسرائيلي، كما أنه لم يذهب إلى القطاع ليسجل زيارة تضامنية. هذا بالاضافة إلى ملف تقرير غولدستون الذي رفض عباس في بداية الأمر مناقشتة في مجلس حقوق الإنسان الدولي الذي يتَّهِم الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية خلال عدوانِه عام 2008 على قطاع غزة. وعلى صعيد الضفة الغربية والقدس الشرقية، تم تسجيل أكبر عمليات توغل للاستيطان الاسرائيلي، والتي زادت وتيرتها بشكل مهول جعلت التواصل الجغرافي في الضفة الغربية والقدس الشرقية دربا من الخيال. أما على صعيد جولات المفاوضات المتعددة مع الجانب الاسرائيلي، لم يستطع الفريق الفلسطينني أن يتقدم فيها خطوة واحدة للامام وفشلت جميع الجولات التفاوضية.

على الصعيد الآخر يسجل لعباس كأهم انجاز سياسي إعلان فلسطين كدولة غير عضو وحصولها على أغلبية ساحقة لعضوية مراقب في هيئة الأمم المتحدة في تصويت الجمعية العمومية بتاريخ 29 تشرين الثاني من عام 2012. يسجل للسيد محمود عباس أيضا توقيعه على مجموعة من المعاهدات الدولية ومنها معاهدة روما التي خولت دولة فلسطين الدخول في عضوية محكمة الجنايات الدولية ومنظمات أممية آخرى بداية عام 2015. هذان هما أهم انجازين سياسيين تم تسجيلهما لصالح عباس منذ توليه الحكم.

المراقب للشأن الفلسطيني يتفهم أن حركة حماس تنتقد عباس منذ توليه الحكم كونها الخصم اللدود لحركة فتح وبالتالي للرئيس الفلسطيني، ولذا كان هناك إنتقاد واضح زادت وتيرة منذ الانقسام الفلسطيني منتصف عام2007 بسبب التنسيق الامني مع الجانب الاسرائيلي ضد نشطاء المقاومة. لكن أن ترى الإنتقاد ضد محمود عباس قد أصبح سمة من قبل الجميع فهذا لم يكن بالشيء الممكن تصوره في مجتمع يعتبر محافظا كالمجتمع الفلسطيني من ناحية وبسبب إستمرارية الإحتلال الاسرائيلي من ناحية أخرى. فبعد حماس بدأ اليسار الفلسطيني وخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على لسان العديد من قادتها في انتقاد عباس بسبب مواقفه السياسية. تطور الأمر وجاء الانتقاد من شخصية لامعة من حركة فتح وهي محمد دحلان الذي وصل الخلاف بينه وبين عباس إلى حد تجريد دحلان من كل مراكزه وطرده من حركة فتح حتى تطور الانتقاد ووصل حد التشهير فيما بينهم. لم يبق الأمر مرتبطا بشخصية دحلان فحسب، وإنما تطور الانقسام داخل حركة فتح وأصبحت هناك شخصيات من الصفوف الأولى تنتقد الرئيس الفلسطيني كما حصل في مقابلة تلفزيونية مع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد نهاية عام 2014 أو من قبل شخصيات مثل جبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي بعد محاولة الرئيس تهميشهم وتفضيل شخصيات أخرى لتكون مقربه منه مثل صائب عريقات.

ومن الملفت للنظر أن عددا كبيرا من الساسة الاسرائيليين، ومنهم وزير الخارجية السابق ليبرمان، أبدوا إنتقاد شديد اللهجة لعباس واتهموه بالتحريض على إسرائيل خارجيا بعد كلمته في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في شهر سبتمبر العام الماضيً. حدة الانتقاد جاءت من رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو على مدى فترة حكمه وقد بلغت حد تهديد عباس في حال سعيه تحقيق المصالحة مع حركة حماس. بعض المراقبين للشأن الأسرائيلي رأوا في الموقف الاسرائيلي تمهيدا لإنهاء فترة عباس السياسية. هذا الانتقاد رافقه نوع من اللامبالاة من قبل الادراة الامريكية والقادة الاوروبيين، مما يزيد القناعة بأن المجتمع الدولي بدأ يرمي بورقة عباس ولا يكترث بالابقاء عليه.

لعل الدعم المجتمعي هو أهم عنصر يحتاجه قائد أو رئيس أية دولة، وهو الدعم الذي يفتقده عباس بشده. فموضوع إنتقاد شخصية الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدأ منذ سنوات من قبل مؤسسات وقادة المجتمع المدني، فصدرت العديد من البيانات الاعلامية من قبل مؤسسات حقوق الإنسان مثل التقارير الدورية للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التي انتقدت سلوك الاجهزة الأمنية في قطاع غزة و الضفة الغربية التي هي تحت قيادة الرئيس عباس.

تنامي التذمر الشعبي

ولكن الملفت للنظر هو المواقف الشعبية من قبل الناس عامة على صفحات التواصل الاجتماعي. فهناك العديد من الشخصيات التي تسمى بالشخصيات العامة التي لم تهدأ منذ فترة طويلة في توجيه إنتقادات حادة لسياسة أبو مازن وقادة السلطة الكبار الذين يتبعونه. ومن القضايا المطروحة الكشف حديثا عن فساد إدراي لدى مدير عام المعابر ومستشار الرئيس للشؤون الخارجية.إنتقاد نشطاء التواصل الاجتماعي وبعض الصحفيين، وخاصة تلك الفئة التي لا تقطن في مناطق الضفة الغربية، سواء في قطاع غزة أو خارج مناطق السلطة الفلسطينية، لم يخل من التحريض على فشل سياسة أبومازن، ولذا كانت هناك عدة كتابات على صفحات الفيس بوك والتويتر بعد استقالة رئيس بلدية نابلس غسان الشكعة تطالب الرئيس بالرحيل بعد فشله أيضاً في تحقييق انجازات على الأرض تماماً كما هو الحال بالنسبة للشكعة الذي فشل في توفير مياه كافية لسكان مدينة نابلس. لذا كانت جملة تم تداولها على صفحات الفيس بوك والتويتر تقول : “متى سوف يجمع الرئيس أغراضه ويرحل أيضاً”. وتيرة الانتقاد شهدت ارتفاعا ملحوظاً ضد شخص الرئيس لعدم زيارته عائلة دوابشه المنكوبة جراء جريمة الحرق التي ارتكبها المستوطنون الاسرائيليون نهاية شهر يوليو من عام 2015.

كما أن ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع وخاصة الشباب جعل حالة إنتقاد الرئيس على أجندتهم اليومية. عدد كبير من الشباب الذين تتحطم أحلامهم بسب حالة الجمود السياسي الذي لا يفضي إلى حالة إقتصادية مستقرة. أحد الطلاب الجامعيين من جامعة الأزهر بغزة يصرخ ويقول أنه لا مستقبل له وسوف يكون على قائمة الخريجين الذين لا يجدون فرصة عمل وعليه هو يتحمل المسؤولية الكاملة للقيادة الفلسطينية بسبب تقاعسها في التعامل مع الوضع الكارثي في قطاع غزة. هنا يجب الإشارة بأن نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب هي الأعلى في قطاع غزة، حيث بلغت حسب تقرير البنك الدولي الأخير حوالي 68%.

ومما لا شك فيه أن وسائل التواصل الإجتماعي قد أثرت بشكل كبير في المجتمع الفلسطيني. تكفي الاشارة هنا إلى عدد التعليقات التي تثيرها صفحات الفيس بوك مثل صفحة “عباس لا يمثلني” والتي يتابعها عشرات الألاف. هذه الصفحة وغيرها تثري الحوار الداخلي وتساهم بشكل كبير في زيادة حدة الإنتقاد الداخلي الذي يتعرض له الرئيس عباس. وقد اشتدت وتيرة الانتقادات منذ بداية عام 2015 وأصحبت بحق تهدد بإسقاط أبو مازن سياسيا، وخاصة أن الانتقادات تفقد أبو مازن الدعم الشعبي الذي يعتبر الركيزة الحقيقية لبقاء قيادة على رأس عملها، بغض النظر عن مستوى الضغوطات الخارجية. والمؤشرات كثيرة التي تدل على أن أبا مازن لن يتحمل الضغوط لفترة طويلة خاصة وأن عمره تجاوز الثمانين عاماً والوقت ليس في صالحة من أجل تعديل كفة الميزان. في هذا الإطار أظهرت نتائج إستطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بداية شهر آذار2015 بأن نسبة الرضا تجاه سياسة عباس قد بلغت حوالي 40% ، أي أنها ما زالت أقل بكثير مما كانت عليه أثناء إتفاقية المصالحة مع حركة حماس التي تعرف بإتفاقية الشاطئ، حيث بلغت النسبة 50% في ذلك الوقت.

أبو مازن أدرك حقيقة أن الوقت ليس في صالحه، ولذا يحاول ترتيب البيت الفلسطيني قبل رحيله. الترتيب الذي يطمح إليه عباس يهدف إلى توريث أشخاص معروف ولاؤهم له، مثل صائب عريقات، في تبوء المراكز الهامة في قيادة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. الكثير من التعليقات المنتقدة لعباس أمثال الوزير السابق حسن عصفور إنتقدت ما أسموها باللعبة التي يعبد بها عباس الطريق بتقديم عشرة أعضاء إستقالتهم من اللجنة التنفيذية، بمن فيهم الرئيس نفسه، من أجل إجبار المجلس الوطني على الإنعقاد خلال شهر واحد بهدف إختيار أعضاء لجنة تنفيذية جدد.

الخطوة السياسية الأخيرة التي إنتهجها عباس عبرت عن سلطة أبوية غير ديمقراطية. فلم يراع عباس بأن منظمة التحرير هي مظلة وبيت لجميع الحركات السياسية الفلسطينية، وأصر على عقد جلسة المجلس الوطني في مدينة رام الله، مما حرم قيادة قطاع غزة وقيادة الخارج من المشاركة في المؤتمر وبالتالي إقصاءهم بشكل غير مباشر بهدف إرساء المناصب المختلفة للموالين له فقط.

خلاصة القول بأن الرئيس محمود عباس لم ينجح في تحقيق هدفه الأساسي المعلن في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles