وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الذكورية في سوريا وتغيّر أولويات نظام الأسد في زمن الجائحة

Syrian Army
صورة تم التقاطها يوم ٥ فبراير ٢٠٢٠ لجنودٍ تابعين للجيش السوري أثناء تقدمهم في بلدة تل سلطان باتجاه مدينة سراقب شمال غرب محافظة إدلب السورية. وعلى الرغم من التوترات المتنامية مع تركيا، فقد قامت قوات النظام السوري بشنّ هجوم أدى إلى نزوح نصف مليون شخص شمال غرب سوريا. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على مفهوم الذكورية في سوريا على وقع تعديل قانون الخدمة العسكرية في البلاد. وترى صاحبة المقالة رهف الدغلي، وهي محاضرة مختصة في سياسات الشرق الأوسط بجامعة لانكستر، أن صورة سوريا في الثقافة الشعبية ترتبط بالخطاب الذكوري وحالة الحرب. كما تتناول الدغلي في مقالتها أزمة الهوية التي بات يعاني منها بعض السوريين الذين يقيمون خارج سوريا بسبب سعي مؤسسات الدولة الدؤوب لتكريس هذا الخطاب، معرجةً في الوقت نفسه على دور جائحة كورونا في تغير تغيير بعض سمات هذا الخطاب. ويتمثل التغيير الأبرز في هذا الخطاب في التنازل عن أداء الواجب المقدس، أي التجنيد الإجباري، مقابل دفع مبلغ من المال.

وتبدأ الدغلي مقالتها بالتالي: “حين تمرّ صورة سوريا في خيالي، فإني أول ما يجول في خاطري هو تماثيل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في زيّه العسكري، سيّما وأن تماثيل الأخير تتواجد تقريباً في جميع الميادين والساحات. بيد أن التصوّر لا يستند فقط على امتلاء ساحات المدن بالتماثيل فحسب، بل إن هذه الصورة الذكورية للأمة تضرب جذورها في عمق الثقافة الشعبية. وجرت العادة على أن يتم تصوير سوريا في الأغاني والقصص على أنّها أمّة من المحاربين. ومنذ اندلاع الانتفاضة في عام 2011، زاد هذا الارتباط بين الصورتين؛ الصورة الذكورية السورية وصورة المحارب”.

لكن فيروس كورونا أصاب جميع الأطراف في مقتل. فإلى جانب عقوبات قانون قيصر الأمريكي التي تستهدف مصادر الدخل الخارجية لنظام الأسد ومساعديه، فقد تسبّب الفيروس في توقف الأعمال العدائية في الوقت الحالي.

وعلى خلفية هذه الاضطرابات الاقتصادية والسياسية، اضطر الرئيس الحالي بشار الأسد إلى اعتماد استراتيجيات جديدة لدعم نظامه مالياً. وشمل توجه الأسد ملاحقة ابن خاله الموالي للنظام رامي مخلوف من أجل تحصيل ضرائب بقيمة مئات الملايين من الدولارات.

وتنظر الدغلي إلى تعديل قانون الخدمة العسكرية كأحد الاستراتيجيات الأخرى التي اتبعها النظام لزيادة الإيرادات. وتضمّن هذا التعديل تطبيق نظام جديد لرسوم الإعفاء بحيث يكون هناك فئتين إحداهما مخصصة للسوريين المقيمين في الخارج والأخرى للسوريين داخل البلاد. وللمرة الأولى، بات في مقدور بعض الذكور المقيمين في سوريا – ومنهم الأكاديميين – التملّص من الخدمة العسكرية بدفع مبلغ معيّن من المال دون الحاجة إلى مغادرة البلاد.

كما فرض التعديل الجديد رسوماً على من أُعفي من الخدمة العسكرية لأسباب طبية، إذ بات يترتب على هؤلاء دفع المبلغ رغم عدم أهليتهم الجسدية لحمل السلاح (علماً بأن هؤلاء قد يؤدون أعمالاً مكتبية). وبحسب الدغلي، فإن هذا الأمر سيعزّز من الصلة القائمة بين ضرورة تمتّع السوري بالأهلية الجسدية وخدمته في الجيش، بالتزامن مع ضخّ المزيد من الأموال في خزائن النظام.

عسكرة الرجولة

نصّ الدستور السوري بنسختيه لعامي (1973 و2012) على أن تكون الخدمة العسكرية إلزامية للرجال. ويعتبر المفهوم المقدس للقتال والموت في سبيل الأمة جزءًا من دعاية النظام المفروضة على الأطفال، فهم ملزمون بارتداء الزيّ العسكري الخاص بالمنظمات التابعة لحزب البعث مثل المنظمة الوطنية للطفولة (طلائع البعث) في المرحلة الابتدائية واتحاد شبيبة الثورة (الشبيبة) المخصص للمرحلة الإعدادية والثانوية.

وشدّد الأسد في خطاب تاريخي ألقاه في يوليو من عام 2015 على العلاقة بين الانتماء الوطني والخدمة العسكرية، حيث قال: “الوطن ليس لمن يعيش فيه أو يحمل جنسيته بل لمن يدافع عنه ويحميه”.

كما أكّدت عقيلته أسماء الأسد هذه السردية الذكورية عندما التقت مجموعة من المجندات المتطوعات في عيد الأم في مارس من عام 2018. وأشادت أسماء بالمجنّدات وفضلتهن على الرجال المتهربين من التجنيد.

وقالت عقيلة الرئيس السوري حينذاك: “إن وجودكنّ في ميدان المعركة يعد فتحاً جديداً وعصراً جديداً. فحين تأتي الحرب وكل واحدة منكن مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل بلدها، بما في ذلك الروح، فهذا فتحٌ جديد وعصرٌ جديد وهذه هي المساواة الحقيقة بين الرجل والمرأة.. لقد أظهرتنّ للعالم أنكنّ بشرٌ أقوياء وتتمتعون بإرادةٍ صلبة لا تلين”.

الذكورية وسوريا في مرحلة ما بعد الحرب

ترى الدغلي أن الرجال سيعانون من أزمة هوية بسبب تكرار الصورة النمطية للذكور المحاربين. فقد اجتمع حوالي 50 رجلاً ممّن فروا من التجنيد الإجباري وأقاموا في المملكة المتحدة في حلقة نقاشية وأعرب كثيرٌ منهم عن شعورهم بالألم لفشلهم في الدفاع عن الأمّة.

وتوصّل بعضهم إلى نتيجة مفادها أنهم لا يستحقون الانتماء لسوريا دون شرف حمل السلاح للذود عن بلدهم، بينما أعرب آخرون عن رغبتهم في العودة للوطن والموت فيه. وقال أحد هؤلاء للكاتبة: “أشعر أننّي خذلت أمي… فسوريا هي أمّنا”.

وبحسب صاحبة المقالة، فإن التعديل الأخير لقانون الخدمة العسكرية في سوريا يعكس أولويات النظام الجديدة والتي تتمثل في محاربة فيروس كورونا، فهذا النظام يسعى للحصول على الأموال عوضاً عن قتال أعدائه الذي يستدعي وجود الجنود.

وتختم الدغلي مقالتها بالتالي: “من الضرورة بمكان ملاحظة أن التعديل يستهدف الرجال السوريين في الخارج وأولئك الذين يعيشون في سوريا ويستطيعون دفع التعويض بدلاً من تأدية الخدمة العسكرية (علماً بأن بعض الرجال قد اعتادوا دفع الرشاوى للتملّص من الخدمة العسكرية). أنه لعارٌ أن يبقى جسد الذكور وقوداً للحرب أو مصدراً لجني الأموال. ولن يتوقف الرجال عن الشعور بأنّهم أقل “ذكورية” إن هم لم يلتحقوا بالجيش ويدافعوا عن الأمة ما دام الدستور ينصّ على أن تكون الخدمة العسكرية “واجباً مقدساً” وأن يتعهد الرجال بتحسين “قدراتهم الجسدية”.

ملاحظة

* الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com في 24 نوفمبر 2020.