وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خطر الأزمة الروسية الأوكرانية يهدد الشرق الأوسط

خطر الأزمة الروسية الأوكرانية
نشطاء يحملون لافتة تصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكتب عليها “الإمبراطورية يجب أن تموت” خلال مسيرة بنفس الاسم خارج السفارة الروسية في كييف في 22 فبراير 2022. سيرجي سوبينسكي / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

تحمل تهديدات روسيا بغزو أوكرانيا في طياتها تداعيات خطيرة على استقرار دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعاني بالفعل من أزمات إنسانية، فسوف تضطرب حتمًا إمدادات هذه الدول من القمح إذا ما وقع هذا الغزو، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار.

وقالت نائبة وزير الخارجية الأوكراني، أمينة جباروف، بعد لقائها مع يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي في القدس: “ستتأثر إسرائيل تأثرًا مباشرًا في حالة التصعيد، وإذا أردنا فهم ما سيصيبها، فلنتخيل اقتطاع نصف إمداداتها من القمح”.

وتحظى أوكرانيا بتربة غنية وخصبة جعلتها ثالث أكبر دولة مصدّرة للقمح في العالم، وتعتمد عليها معظم الدول لتلبية احتياجاتها من القمح والذرة والشعير وبذور اللفت. وتستورد إسرائيل مخلفات التصنيع الزراعي وفول الصويا ومخلفات إنتاج العسل الأسود والبرسيم الحجازي والجعة والفودكا، فضلًا عن أعلاف الماشية.

ورغم عدم تأثر الصادرات بغزو روسيا لشبه جزيرة القرم وضمها عام 2014، فقد تكون تداعيات هذا الصراع مختلفة.

فقد كتب شيمون بريمان، الصّحفي الإسرائيلي المتخصص في العلاقات الإسرائيلية الأوكرانية، في هآرتس: “يأتي ثلثا الإنتاج الزراعي الأوكراني من المناطق الشرقية والجنوبية، لا سيما تلك المهددة بالضربات الروسية. كما صنفت الاستخبارات الأمريكية الميناءين الرئيسيين لشحن الصادرات الأوكرانية إلى إسرائيل والشرق الأوسط، أوديسا وماريوبول، ضمن الأهداف المحتملة للغزو الروسي. وسيؤدي إغلاق الجيش والبحرية الروسية لهذين الميناءين في البحر الأسود إلى توقف الصادرات من المنتجات الزراعية والمعادن”.

ورغم استمرار الجهود الدبلوماسية بين روسيا ومختلف الأطراف بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فقد أثارت الانتهاكات الروسية للحدود الأوكرانية الشكوك في أوروبا. إذ تلوح في الأفق أكبر الحروب التي قد تشهدها القارة منذ الحرب العالمية الثانية. وقد أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحشد ما يقارب 150 ألف جندي على الحدود الأوكرانية. ومع دق طبول الحرب، يجب على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البحث عن مورد بديل لتلبية احتياجاتها من القمح.

وكتب بريمان في هآرتس: “إذا خرجت أوكرانيا عنوةً من سوق الغذاء العالمي بسبب الغزو الروسي المحتمل، فلن يقتصر الضرر على إسرائيل، بل سيطول كل دول المنطقة من شمال إفريقيا إلى الخليج العربي وحتى جنوب آسيا؛ أي كل مستهلكي الصادرات الأوكرانية”.

وكان الحصاد في أوكرانيا في 2021 قد شهد ارتفاعًا استثنائيًاً. وبالإضافة إلى ما سبق، تمر نحو 12% من تجارة الحبوب العالمية عبر مضيق البوسفور، بينما تمر 95% من الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود. وفي عام 2020، استوردت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نصف إنتاج الحبوب الأوكراني.

وتعتمد بلدان عدة في الشرق الأوسط على أوكرانيا لسد احتياجاتها مثل إسرائيل التي تستورد نصف احتياجاتها من القمح والحبوب الأخرى. ولبنان أيضًا يستورد حوالي 50% من الحبوب، أمّا ليبيا فتستورد 43%، بينما يبقى نصيب مصر في حدود 24%. والجدير بالذكر أن أوكرانيا هي المورد الرئيس لتلبية احتياجات مصر من الذرة. ولن يؤدي الاضطراب في أوكرانيا إلى أزمة غذاء فحسب، بل إلى مجاعة واضطرابات سياسية. فقد وصلت أسعار القمح في الشرق الأوسط إلى مستويات مماثلة لما كانت عليه قبل 10 سنين عندما اندلعت الثورات في العالم العربي. ويرى المحللون أن المنطقة تعاني بالفعل من نقص الغذاء بعد عام 2021 بعد أن ضربتها موجات جفاف غير مسبوقة.

وبعيدًا عن القمح، سيؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا على إمدادات الطاقة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن شأنه أن يثقل كاهل نظام الإعانات الدولي المنهك بالفعل. كما يمكن أن يؤدي الغزو الروسي إلى أزمة لاجئين جديدة، ومن ثمّ ستتأثر الموارد المخصصة للاجئين في الشرق الأوسط. ففي اليمن وحده يحتاج 71% من السكان إلى مساعدات إنسانية، ما يجعل البلاد تمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم على حد وصف اليونيسيف.

وكتب كريستيان دان تاتارو، الخبير في مجال الطاقة والعضو السابق في بعثة الاتحاد الأوروبي إلى موسكو، في تحليل نشره معهد الشرق الأوسط أن “الصراع في أوكرانيا سيزيد من الأعباء على نظام قد استنفد طاقاته بالفعل، في حين ما تزال دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل اليمن، تعاني من بعض الصراعات وتحتاج إلى مزيدٍ من المساعدات الإنسانية والى صناديق إعادة الإعمار والتنمية”.

في هذه الأثناء ما تزال الحرب الأهلية في سوريا مستمرة مخلفّةً ملايين النازحين داخل البلاد وخارجها، في بلدان  عدّة مثل تركيا والأردن ولبنان. وفي لبنان فقدت العملة 85% من قيمتها في آخر 18 شهرًا وأدت هذه الكارثة الاقتصادية، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، إلى معاناة 22% من الأسر انعدام الأمن الغذائي. بينما يعاني الفقر المدقع في لبنان تسعة لاجئين سوريين من بين كل عشرة.

ويعني احتمال الغزو الروسي لأوكرانيا -في ظل الاعتماد الكبير للشرق الأوسط على الصادرات الأوكرانية من الطاقة والحبوب- أن أي عدوان سيؤدي إلى أزمة في الأمن الغذائي تفوق الأزمات الموجودة بالفعل. وبالنظر إلى وجود ملايين اللاجئين الذين يعانون  من سوء في التغذية في المنطقة خصوصًا، وإن خطر تهديد إمدادات القمح وتشريد المزيد من الناس سوف يفاقم حتمًا المشكلات المستعصية التي يعانيها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتأمل دول المنطقة ألّا يحدث أي صراع في أوكرانيا. لكن هذه الأزمة المحتملة أبرزت حاجة دول المنطقة إلى تنويع مصادر استيراد القمح والحبوب. فقد تعمّ المظاهرات أرجاء هذه البلدان مرة أخرى مع اقتراب أسعار الخبز إلى المستوى الذي كانت عليه وقت اندلاع الثورات التي أسقطت الأنظمة الاستبدادية. وقد بدأ السخط والغضب يتصاعدان بالفعل ضد النظام في تونس نتيجة تصرفات الرئيس السلطوية. والحال في لبنان لا يختلف كثيرًا بسبب تفشي الفساد والتقاعس السياسي بعد عامين من تعرّض البلاد لتضخم كبير وانفجار المرفأ الذي أودى بحياة 200 شخص.

واختتم تاتارو تحليله الذي نشره معهد الشرق الأوسط: قائلًا “ليست منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنأى عن عواقب الحرب الروسية الأوكرانية المحتملة. وقد تستطيع دول هذه المنطقة، لا سيما الدول المنتجة للنفط والغاز، أن تخفف من وطأة العواقب. لكن الأولى بهم أن يبذلوا كل طاقتهم للحيلولة دون اندلاع الحرب”.