وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأزمة الأوكرانية تعمّق مأزق دول الشرق الأوسط

الأزمة الأوكرانية
صورة تم التقاطها يوم ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ لأوكرانيين يعيشون في اليونان وهم يخففون عن بعضهم البعض وسط أثينا، وذلك في أعقاب شن روسيا لهجوم على أوكرانيا. وأعلن الرئيس الروسي في ذلك اليوم عن عملية عسكرية في أوكرانيا، لتسمع بعدها أصوات الانفجارات في كافة مناطق هذه الدولة ويحذر وزير خارجيتها من تنفيذ “غزو واسع النطاق”. المصدر: Louisa GOULIAMAKI / AFP.

نشر الصحفي المعروف جيمس دورسي مقالة على مدونته الشخصية سلّط فيها الضوء على أثر الأزمة الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط والمنهجيات المختلفة التي اعتمدتها دول المنطقة للتعامل مع هذه الأزمة. وفي أعقاب الهجوم الروسي الأخير على أوكرانيا، تضاءلت احتمالات التهدئة وصارت التداعيات المحتملة على إسرائيل ودول الخليج وشيكة أكثر من أي وقت مضى.

ويرى دورسي أن فرص دول الخليج في النجاة قد تكون أفضل مقارنةً بإسرائيل. فهذه الأخيرة تعتمد على الولايات المتحدة من أجل ضمان تفوقها العسكري في المنطقة وتعوّل على دعمها السياسي في مواجهة انتقادات المجتمع الدولي لاحتلالها الضفة الغربية منذ 54 عاماً.

وهذا الموقف في أحسن الأحوال رهان طويل الأمد قد يكلفها كثيراً على المدى المنظور، ويعرّضها لمخاطر وتداعيات يصعب التنبؤ بها.

وحاولت إسرائيل في البداية أن ترضي الطرفين. فصرّحت بدعمها لوحدة الأراضي الأوكرانية وسيادتها ولم تذكر روسيا في البيانات الصادرة عنها قبيل هجومها على أوكرانيا. في الوقت نفسه، منعت دول البلطيق من نقل الأسلحة الإسرائيلية إلى أوكرانيا.

وتخشى إسرائيل ردة الفعل الروسي في حال انتقدت تحركاتها أو قدّمت الدعم المادي لأوكرانيا. فقد تتدخل روسيا في الأراضي السورية بطرق تمنع إسرائيل من ضرب مواقع القوات الإيرانية أو وكلائها.

ويرى المسؤولون الإسرائيليون أن السياسة المترددة لبلدهم لا تجدي نفعاً، وأن إسرائيل قد تنضم في النهاية مضطرةً إلى الحلف الدولي وتدين الأفعال الروسية إدانة صريحة.

لكن موقف هؤلاء المسؤولين لم يتضح منذ صعّد يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي، لهجة إسرائيل. فقد صرّح بعد ساعة من الهجوم الروسي قائلاً إن: “هجوم روسيا على أوكرانيا انتهاك صارخ للنظام الدولي. تدين إسرائيل الهجوم وتعلن استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين في أوكرانيا. تاريخ إسرائيل حافل بالحروب، ونحن نؤكد أن الحرب ليست وسيلة لحل النزاعات”.

وعلّق أنشل بفيفر، الصحفي الإسرائيلي البارز، في تغريدة معتبراً التصريحات “أقل حدة مقارنة بتصريحات الحكومات الأخرى، لكنها تظل خروجاً عن موقف إسرائيل المحايد الذي اتخذته طوال فترة حكم بوتين”.

ووضعت إسرائيل نفسها في موقف حرج بسبب مخاوفها من الانتقام الروسي في سوريا، وهي بذلك في سبيل حماية مصالحها تعرّض أكثر من 140 ألف يهودي في أوكرانيا للخطر، علماً بأن ذلك البلد كان في يوم ما ثالث أكبر تجمع لليهود في العالم.

وينوي المسؤولون الإسرائيليون مساعدة الإسرائيليين واليهود الفارين من أوكرانيا إلى رومانيا أو بولندا أو المجر أو سلوفاكيا أو مولدوفا.

ويبدو أن استراتيجية دول الخليج تختلف عن استراتيجية إسرائيل في التعامل مع الأزمة الأوكرانية. فبينما التزمت إسرائيل سياسة لا تعادي روسيا وتجنبت المواقف الصريحة، سعت دول الخليج مثل السعودية والإمارات إلى الحفاظ على توازن العلاقات من خلال التواصل مع روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.

ولا تسعى التحركات السعودية والإماراتية إلى تجنب المخاطرة فحسب، بل تستجيب أيضاً للرأي العام في المنطقة. فبعد مرور عقد على اندلاع الانتفاضات العربية عام 2011، تشعر شعوب المنطقة أن آمال الديمقراطية والتغيير السياسي قد فشلت في تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.

وقد أجرى الباحثان مايكل روبنز وأماني جمال تحليلاً لاستطلاعات الرأي على مدار العقد الماضي تحت مظلة مؤسسة “الباروميتر العربي”، خلص إلى أن “زهو التطلعات والحركات الديمقراطية فشل في إنتاج حكومات ديمقراطية مستقرة. بل فشل ذلك المناخ أيضاً –وهو الأهم في تحقيق قدر من التغيير الاقتصادي الذي يتوق إليه الناس في الشرق الأوسط”.

كما أشار التحليل إلى أنه في أعقاب تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط “أصبح النموذج الاقتصادي والتنموي الصيني، وبدرجة أقل النموذج الروسي، أكثر جاذبية للكثير من العرب… فهذه الأنظمة، وفقاً لبعض الآراء في الشرق الأوسط، تتجنب الاضطرابات السياسية التي تحدثها الديمقراطية وتعد بالاستقرار والتنمية الاقتصادية”.

وقد حذت السعودية حذو إسرائيل ولم تعارض المصالح الروسية حتى تحقق هدفين: الحفاظ على العلاقات مع موسكو، ومعاقبة الرئيس الأمريكي جو بايدن لرفضه التعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان. إذ يتعمد بايدن تجاهل محمد بن سلمان بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018.

وفي مكالمة تليفونية الشهر الماضي، رفض الملك سلمان طلب الرئيس بايدن زيادة إنتاج النفط حتى تنخفض الأسعار ويقل الدخل الروسي في أثناء حشد القوات على الحدود الأوكرانية.

ويُذكر أن روسيا جمعت للحرب 600 مليار دولار من مبيعات النفط والغاز، وهو ما يعني أنها قد تتمكن من تخفيف الآثار الأولى للعقوبات الأمريكية والأوروبية التي يُتوقع تغليظها بعد هجوم القوات الروسية الأخير.

ما يجعل رفض طلب الرئيس بايدن ملفتاً للانتباه هو أن السعودية قد حافظت لفترة طويلة على مستوى العرض والطلب العالميين بما يخدم مصلحة الاقتصاد الغربي حتى إذا تسبب ذلك في انخفاض دخل المملكة.

وعلى صعيد آخر غير متصل بالأزمة الأوكرانية لكن أهميته تكمن في التوقيت، أعلنت الإمارات هذا الأسبوع أنها حصلت من الصين على 12 طائرة هجومية خفيفة من طراز(L-15) مع احتمالية شراء 36 طائرة أخرى. ويُرجح أن تنزعج واشنطن من هذه الصفقة على إثر تعليق الإمارات قبل شهرين لمحادثات شراء الطائرات المقاتلة الأحدث في العالم (إف -35) الأمريكية.

ومشكلة التطورات الأوكرانية لدى السعودية والإمارات، وكذلك دول الشرق الأوسط غير العربية مثل إسرائيل وتركيا، هي أن هذه الأزمة قد تفتح أبواب المجهول. إذ يُحتمل عما قريب أن تستعمل القوى العظمى المتنافسة مقولة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر، “من ليس معنا فهو ضدنا”.

وما قد يدفع بهذا الاتجاه هو أن العقوبات الأمريكية العابرة للحدود بطبيعتها تجبر الدول المحايدة على الانصياع لها وإلا طالتها العقوبات.

وفي نفس الوقت، قد تبدو روسيا الآن وكأنها صاحبة اليد العليا في أوكرانيا، لكن هذا الوضع لن يدوم إذا ما انزلقت روسيا في صراع طويل ينهكها. كما أن الدعم الشعبي لتوغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا ما يزال غامضاً.

وخلاصة القول إن روسيا، خاصة في حال انجرفت في الصراع مع أوكرانيا، والصين ليس لديهما القدرة والرغبة على أخذ دور الولايات المتحدة باعتبارها ضامناً لأمن الخليج. ومن ثم فإن دول الخليج لا تملك رفاهية الحياد، فلا يمكن أن تلتزم بعدم معارضة المصالح الروسية دون أن تضر بالمصالح الأمريكية.

وفي النهاية، فإن خيارات دول الشرق الأوسط تضيق باستمرار مع تصاعد الأزمة الأوكرانية.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com/ في 24 فبراير 2022