وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الإمارات العربية المتحدة: ما بين المخاطر الجيوسياسية والسعادة

UAE Ministers of IC, Happiness, and Youth. Fanack, WAM.
شاركت كلٌ من وزيرة دولة الإمارات العربية المتحدة للتعاون الدولي- ريم إبراهيم الهاشمي، وزيرة الدولة للسعادة- عهود الرومي، وزيرة الدولة للشباب- شما المزروعي، ووزيرة الدولة لشؤون المجلس الوطني الإتحادي- نورا الكعبي، في أداء اليمين الدستورية للوزراء في الرابع عشر من فبراير 2016 في أبوظبي، في الإمارات العربية المتحدة.

أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة دبي، في 8 فبراير 2016، على تويتر استحداث مناصب وزارية جديدة. وتشتمل هذه على وزراء للسعادة والتسامح والشباب (بقيادة وزيرة شابة). وأوضح الشيخ محمد أثناء انعقاد القمة العالمية للحكومات أنّ استحداث “المنصب الجديد، وزير دولة للسعادة، مهمته موائمة كافة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع،” وأضاف “تم إقرار استحداث منصب وزير الدولة للتسامح، لترسيخ التسامح كقيمة أساسية في مجتمع الإمارات.”

تم تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971 من اتحاد سبع إماراتٍ هي أبو ظبي، ودبي، والفجيرة، وعجمان، ورأس الخيمة، وأم القيوين، والشارقة، والتي يحكم كلاً منها أمير بالوراثة. يشكّل الأمراء معاً المجلس الأعلى للإتحاد، الذي ينتخب رئيساً لحكم البلاد بأكملها. الرئيس الحالي هو خليفة بن زايد آل نهيان، أمير أبو ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة أيضاً. كما نجح نائب الرئيس الشيخ محمد في تحويل ثاني أكبر الإمارات، دبي، إلى مدينة عالمية.

برزت دبي في أفلام هوليوود وبوليوود الشهيرة، مثل الجزء الرابع من فيلم مهمة مستحيلية: بروتوكول شبح، بطولة توم كروز، وفيلم بانغ بانغ! بطولة محبوبيّ بوليوود هريثيك روشان وكاترينا كايف. تتصدر دبي باستمرار عناوين الأخبار بمشاريع التنمية ومؤسساتها واسعة النطاق. وبالإضافة إلى بناء أكبر ناطحة سحاب في العالم، برج خليفة، الذي يصل إرتفاعه إلى 2,717 قدم، تُعرف دبي في وسائل الإعلام بجزيرتها الاصطناعية، نخلة الجميرة، التي حطمت أكثر من مائة رقم قياسي في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، فضلاً عن خطط لبناء منحدر داخلي للتزلج على الجليد يبلغ طوله 1,2 كيلومتر في قلب الصحراء، الذي سيصبح أطول منحدرٍ في العالم. وكحال جارتها الخليجية، قطر، التي من المقرر أن تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، ستستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة حدثاً عالمياً ضخماً، ففي عام 2020، سيتم تنظيم معرض إكسبو العالمي في الإمارات العربية المتحدة. وستكون هذه المرة الأولى التي يُنظم فيها معرض إكسبو في منطقة “ميناسا” (الشرق الأوسط وشمال افريقيا وجنوب آسيا).

إلا أنّ المنطقة لا تنعم بالاستقرار الذي تنشده، إذ تستمر تداعيات الربيع العربي (الثورات والاحتجاجات التي اندلعت في مختلف أنحاء العالم العربي عام 2011)، بملاحقة منطقة الشرق الأوسط. كما تواجه دول مجلس التعاون الخليجيالسعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان- على وجه الخصوص مخاطر مشتركة، أبرزها انخفاض قيمة النفط في السوق العالمي، والتأثير المتواصل للأزمة الاقتصادية العالمية مع ما ترتب عليها من ضغوطاتٍ أثرت على الاقتصادات غير المتنوعة لمنطقة شبه الجزيرة العربية، فضلاً عن تنامي التعصب الديني والتطرف الذي تجسد في صعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على حدودها، والعنف الطائفي الذي أوهنّ البلاد من الداخل. وفي ضوء ذلك، خضعت بعض الحكومات، مثل حكومتي تونس ومصر، لتغييرات في النظام كنتيجة مباشرة للربيع العربي، فيما دخلت سوريا في براثن حربٍ أهلية منذ عام 2010.

ولمواجهة التهديد المباشر لتغيير النظام، أعلن أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي عن إصلاحاتٍ ووسعوا رعايتهم للمواطنين على شكل مكآفات حكومية للعاملين والمتقاعدين، بالإضافة إلى معونات إضافية لشراء موارد الدولة (مثل الكهرباء والوقود). ولكن، جاء الدعم الاقتصادي المعزز خلال فترة مضطربة. فقد اتحدت دول مجلس التعاون الخليجي بدايةً لقمع الاحتجاجات في البحرين، ومن ثم انخرطت في مارس 2015 في حربٍ مكلفة في اليمن، في محاولةٍ لموازنة النفوذ الإيراني الملموس في المنطقة. فضلاً عن ذلك، فقد ازدادت الضغوطات الاقتصادية بشكلٍ أكبر مع الانخفاض الكبير في عائدات النفط، ويرجع سبب هذا الانهيار بشكلٍ جزئي إلى طفرة النفط الصخري الأمريكي الناتج عن التكسير الهيدروليكي، مما يهدد هيمنة المملكة العربية السعودية باعتبارها رائدة في العالم في مجال تصدير النفط. تم إغراق الأسواق بالنفط السعودي في محاولةٍ لمواجهة المنافسة الأمريكية، مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط، المصدر الذي تعتمد عليه غالبية دول مجلس التعاون الخليجي.

ولذلك، تم استحداث مجلس الوزراء الجديد في الإمارات العربية المتحدة لمعالجة القضايا الخطيرة من منظور استشرافي. وفي 10 فبراير 2016 غرّد رئيس الوزراء على تويتر “التشكيل الجديد هو مرحلة جديدة عنوانها المستقبل والشباب والسعادة، وتطوير التعليم، والتعامل مع التغير المناخي لحماية بيئتنا.” فعلى سبيل المثال، يتوجب على وزيرة التسامح الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، التي كانت أول وزيرة في دولة لإمارات العربية المتحدة عام 2004 ومن ثم شغلت منصب وزيرة التجارة الخارجية، مواجهة أيديولوجيات التطرف والعنف في المنطقة. فدول الخليج السُنيّة منخرطة في حربٍ ضد الحوثيين الشيعة والقوات المتحالفة معها تحت قيادة الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، في اليمن، بالإضافة إلى مشاركتها بحربٍ بالوكالة في سوريا ضد نظام الرئيس العلوي بشار الأسد، إلى جانب محاربتها في نفس الوقت لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” السُنيّ، الذي يقوم بتنفيذ أعمالٍ إرهابية في دور عبادة الشيعة داخل أراضي دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المفترض أن تعزز وزيرة التسامح الشعور بالانتماء الوطني ليتجاوز الانتماء الطائفي، وإعادة صياغة الاضطرابات العنيفة في المنطقة بلغة العلمانية والقومية، وتلبية احتياجات 7,8 مليون وافد (من السكان البالغ عددهم 9,2 مليون نسمة)، وفقاً لاحتياجاتهم الدينية وخلفياتهم المتنوعة.

ووفقاً لتقرير السعادة العالمي لعام 2015، وهي دراسة استقصائية لحالة السعادة العالمية وأكثر الشعوب سعادةً فيما يتعلق بـ” الاجراء المناسب للتقدم الاجتماعي وهدف السياسة العامة،” احتلت الإمارات العربية المتحدة المركز العشرين كأكثر الشعوب سعادةً في العالم، على الرغم من الأحداث المضطربة التي تهز المنطقة. وفي مقالٍ يشرح أسباب المناصب الوزارية الجديدة، كتب الشيخ محمد “فالتغييرات تعكس ما تعلمناه من الأحداث في منطقتنا خلال الخمس سنوات الماضية.”

وبالفعل، حققت الإمارات العربية المتحدة العديد من التغييرات، بالتركيز على الشباب في البلاد إلى جانب تسليط الضوء على قيم التسامح والسعادة. وعند سؤال مراسل Fanack للشاعرة الإمارتية الرائدة، عفراء عتيق، حول استحداث منصب وزيرة السعادة، قالت “لطالما كانت السعادة عاملاً رئيسياً في الخطط الاستراتيجية لدولة الإمارات (يُسمى الضمان الصحّي للمواطنين في إمارة دبي “سعادة”)، لذا، في الحقيقة، لم تكن فكرة الوزارة مستبعدة. إنّ هذا مؤشر على أن الأفراد ورفاهيتهم، كانوا ولا يزالون، محور كل شيء تفعله هذه الدولة.” إنّ المزاج العام في دولة الإمارات العربية المتحدة نابضٌ بالحياة، كما يبدو مجلس الوزراء الجديد بأعضاءه الـ29، الذي من بينهم 8 نساء، ووزيرة الشباب شما المزروعي البالغة من العمر 22 عاماً، واعداً. ولتجسيد هذه اللحظة، ارتدت وزيرة السعادة، عهود الرومي، أثناء تأديتها اليمين الدستورية قلادة ذهبية كبيرة كُتب عليها بالانجليزية “Happy.”