وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحكومة العراقية في ملاذٍ آمن- حتى الآن- بعد التعيينات الوزارية الرئيسية

Iraq- Iraqi government
أحد الفنيين يعيد تدوير طفايات الحريق في ورشة عمل بالعاصمة العراقية بغداد في 23 يونيو 2019، بينما يستعد الناس لحوادث الحريق المتكررة بسبب موجات الحرارة الشديدة المتزايدة. Photo AFP

وافق البرلمان العراقي في 24 يونيو 2019، أي بعد ثمانية أشهر من تعيين رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، على تعيين ثلاثة وزراءٍ جدد لرئاسة وزارات الدفاع والداخلية والعدل.

من جهةٍ أخرى، لا يزال منصب وزير التعليم شاغراً، إلا أن التعيينات الأخيرة خففت من المخاوف الوطنية والدولية بشأن مستقبل البلاد حيث الاستقرار المترنح، فضلاً عن تهديد رجل الدين الشيعي والزعيم السياسي مقتدى الصدر بسحب ثقته بالحكومة.

يأتي الوضع الحالي بعد انتخابات مايو 2018 التي شهدت عدة تحالفاتٍ تتنافس من أجل بسط سيطرتها. فقد رشح الرئيس برهم صالح، الذي انتخب في بداية شهر أكتوبر، عبد المهدي رئيساً للوزراء في غضون ساعتين من انتخابه.

ففي ظل النظام العرقي الطائفي المعروف محلياً باسم المحاصصة والذي يعود تاريخه إلى الإطاحة بصدام حسين في عام 2003، تتضمن عملية تشكيل الحكومة تحديد أكبر كتلة في البرلمان. وعليه، مُنح منصب الرئيس للأكراد، بينما يشغل منصب رئيس الوزراء شيعي، ورئيس البرلمان من الطائفة السُنية. وبالتالي، تم تكليف عبد المهدي، الذي يعتبر رجلاً مستقلاً إلى حدٍ مقبول مع دعم كلٍ من واشنطن وطهران – الحلفاء الدوليين الرئيسيين – بتشكيل الحكومة.

طرح 22 مرشحاً لمجلس الوزراء، إلا أن المُشرعين أيدوا تعيين 14 فحسب، مما ترك ثماني مناصب شاغرة. وعلى الرغم من وجود عدد كافٍ من المناصب التي تم تأييدها لتشكيل الحكومة، إلا أن الوزارات المهمة، بما في ذلك الدفاع والعدل والداخلية، ظلت شاغرة ليشغلها مؤقتاً رئيس الوزراء – الذي شغل في السابق منصب وزير النفط – إلى أن حلف المسؤولون المذكورون اليمين الدستورية.

وبحسب ما قاله عباس كاظم، مدير مبادرة العراق في مجلس الأطلسي لنا في فَنَك: “العراق نظامٌ مختلف عن روضة النظام البرلماني المتنوع لديكم… في العراق، يحصل الجميع على قطعةٍ من الحكومة.”

وأوضح كاظم أنه بصفته نظاماً متعدد الأحزاب، فإنه من الناحية التقنية رئيس الوزراء هو رئيس مجلس الوزراء ويمتلك صوتاً واحداً فحسب في مجلس الوزراء، وكل وزير بمجلس الوزراء إما أن يتم التصويت لصالحه بقاءه أو استبعاده أو حرمانه الثقة بالتحدث.

ومن الجدير بالذكرأن انتخابات عام 2018 لم تؤد إلى فوز حزبٍ واحد أو كتلةٍ واحدة بأغلبية، مما أدى إلى مساومة سياسية ومفاوضاتٍ على المناصب، وكما قال كاظم، “إذا قمت بالتصويت لمعسكري، فسأصوت لصالحك. هكذا تسير الأمور،” مضيفاً أن الأمر يتحول في النهاية إلى تنافسٍ سياسي.

فيما أخبر د. ريناد منصور، زميل الأبحاث في معهد تشاتام هاوس، صحيفة أراب ويكلي في وقتٍ سابق إن المناصب التي لم يتم شغلها توضح “التفتت” داخل الكتل البرلمانية المتماسكة سابقاً، إحداها هي كتلة البناء، وهي كتلة شيعية بقيادة هادي العامري، الذي رشح فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي سابقاُ، وزيراً للداخلية. فشل الفياض في الحصول على الأصوات، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتباط هيئة الحشد الشعبي بجماعاتٍ معينة متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان. كان ترشيح الفياض نقطةً شائكة حالت دون شغل منصب وزير الداخلية، إلى أن وافق البرلمان على ياسين الياسري في يونيو.

الاسمان الآخران اللذان تمت الموافقة عليهما في ذلك اليوم هما نجاح الشمري كوزيرٍ للدفاع وفاروق أمين عثمان كوزير للعدل. لم يتم تعيين نساء حتى الآن.

كما سيسبب الانتهاء من التعيينات شبه النهائية ارتياحاً لدى الكثيرين في المجتمع الدولي الذين أعربوا عن قلقهم من أن التأخير كان يمنع الحكومة من تلبية الاحتياجات العاجلة للمواطنين. ففي حين تم تدمير تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى حدٍ كبير، إلا أن الجماعة المتطرفة لا تزال تشكل تهديداً أمنياً في جميع أنحاء المنطقة، وفقاً للسيدة جينين هينيس-بلاسخارت، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق.

وقال كاظم إنه من الأفضل أن تدار البلاد بحكومةٍ كاملة، بيد أنه على أرض الواقع، حتى الوزارات التي كانت بلا رئيسٍ منذ أكتوبر لم تعان بشكلٍ مفرط. ففي حالة وزارة الدفاع، على سبيل المثال، المنصب بشكلٍ أساسي يتمحور حول تنسيق اللوجستيات، كما أوضح كاظم، في حين أن “اتخاذ القرار الفعلي بشأن العمليات والقيادة ينتقل مباشرةً من القائد الأعلى إلى القيادة الميدانية.”

وأضاف: “عندما كانت الحكومة تفتقر لثماني وزراء، كان ذلك كثيراً. ليس هذا فحسب، إذ لم تكن الوزارات مزودة بالعدد الملائم من الموظفين [و] كان وضع الحكومة متزعزعاً، لأنه إذا استقال وزيران فقط، ستنهار الحكومة، في حين أن هناك الآن هامشاً مريحاً لمنع حدوث مثل هذا الأمر.”

بالإضافة إلى ذلك، فإن الوزارات التي يمكن أن يكون لها أكبر تأثيرٍ على الحياة اليومية – مثل وزارات التمويل، والطاقة، والصحة، والموارد المائية – فقد تم منح وزرائها الثقة بشكلٍ مباشرٍ تقريباً.

يعتقد بعض المحللين أن الثقة في نظام المحاصصة وصل إلى أدنى مستوياته، والاحتجاجات ضد الفساد ونقص الخدمات والمرافق التي تعاني من نقص التمويل أحداثٌ تحصل باستمرار. وفي إشارةٍ أخرى إلى الكلل والملل من الوضع السياسي الراهن، دعا الصدر نفسه إلى تغييراتٍ تشهد استبدال من تم تعيينهم وفقاً للمحاصصة الطائفية بخبراء تكنوقراط لشغل بعض المناصب الوزارية.

وعلى الرغم من العملية المطولة، يشعر العراقيون بإيجابيةٍ كبيرة إلى حدٍ ما تجاه هذه الحكومة عند مقارنتها بالحكومات السابقة، وفقاً لكاظم، كما أن التنسيق بين الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان كان سلساً إلى حدٍ كبير، وهو أمرٌ ليس من المُسلمات. ومع ذلك، أشار إلى أن الوقت لا زال مبكراً وسيتمثل أحد المقاييس الرئيسية لتقييم الحكومة بالإجراءات التي ستتخذها في ما يتعلق بالكهرباء.

وبحسب قوله، “في العراق، خاصة الآن في أشهر الصيف، لا شيء يشغل بال الناس أكثر من الكهرباء وتشغيل مكيفات الهواء.”

كما يعتبر الاقتصاد وخلق فرص عملٍ من القضايا البارزة. ففي يناير 2019، كشفت الحكومة عن خطة إنفاق بقيمة 112 مليار دولار – واحدة من الأكبر منذ عام 2003 – والتي سيغطي نصفها، كما يُقال، رواتب الموظفين المدنيين. وفي الوقت نفسه، فإن المبالغ المخصصة للبنية التحتية وإعادة الإعمار والكهرباء أقل بكثير مما يعتبر ضرورياً. وعلاوةً على ذلك، فإن مشروع البنك الدولي الذي تبلغ تكلفته 200 مليار دولار، والذي تم الإعلان عنه في شهر مايو، والذي يعد بتقديم خدماتٍ أفضل للكهرباء في المناطق المعرضة للنقص في البصرة والمثنى وذي قار وميسان، يمكن أن يعوض بعض هذا النقص.

كما تعتمد الميزانية أيضاً بشكلٍ كبير على قطاع النفط، الذي يخضع لتفاوت الأسعار، مما يعرض كلاً من الميزانية ومصداقية الحكومة للخطر.

في الحقيقة، التشكيل البطيء للحكومة كان يمكن أن يكون نهايتها. وفي حين أن الحكومة لربما باتت اليوم في مكانٍ آمن، إلا أن الاختبارات الحاسمة لم تأتِ بعد ولم تختفِ الاختلافات الطائفية والسياسية بعد. وقد يؤدي هذا في النهاية إلى فقدان ثقة الجمهور إن لم تؤخذ اهتمامات المواطنين بعين الاعتبار.