وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب: دون حكومة إلى الآن

Abdelilah-Benkirane
رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران يلقي خطابا في البرلمان، الرباط، المغرب، 20 فبراير 2017. Photo Jalal Morchidi

في فبراير 2017، وبعد أربعة أشهرٍ من الإنتخابات التشريعية التي أجريت في 7 أكتوبر 2016، والتي شهدت فوز حزب العدالة والتنمية، لا يزال المغرب من دون حكومة. السبب في ذلك أن تشكيل ائتلافٍ حكومي أصعب بكثير مما كان متوقعاً. ونتيجةً لذلك، يشهد المغرب حالياً وضعاً سياسياً صعباً يمتاز بانعدام الثقة العامة بالسياسة والمؤسسات، بين الأحزاب السياسية وبين الأخير وأصحاب السُلطة (القصر وحاشيته، “المخزن”). ينعكس هذا أيضاً على فقدان الناس الأمل في الإصلاح والتغيير، الأمر الذي يؤدي بحد ذاته إلى التوتر. ومن هنا، تُشير مجموعة من القرائن إلى هذه الحقائق.

أولاً، فشل بنكيران، رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة، في تحقيق ذلك بعد ثلاثة أشهرٍ من المفاوضات مع مختلف الأحزاب السياسية. وعلى الرغم من فوز حزبه في انتخابات عام 2016، وبالرغم من خطابه التصالحي والسلمي، الظاهر، فيما يتعلق بالدولة، إلا أنه فشل في ضمان ثقة القصر. السبب الرئيسي في ذلك أن بنكيران لم يستطع إخفاء نيته ونية حزبه إضعاف النظام الملكي من خلال خلق جماعات ضغطٍ إدارية واقتصادية واجتماعية والتي من شأنها موازاة جماعات ضغط المخزن. تم التعبير عن هذه النية في الهجمات المتكررة الافتراضية وغير الافتراضية ضد القصر وأصبحت حاشيتها أكثر فتكاً من الحاشية الأولى. ومن الواضح أن حزب العدالة والتنمية يتصرف بشكلٍ مختلف عن الفترة السابقة التي كان خلالها في تناغمٍ كبيرٍ مع المخزن. ونتيجةً لذلك، ترى السلطات العليا أن حزب العدالة والتنمية الاسلامي لا يعمل ضمن حساباتها، الأمر الذي أدى بدوره إلى عزوف هذه السلطات عن الحفاظ على الإسلاميين في السلطة.

ثانياً، تقسيم الأحزاب الأخرى إلى مجموعتين: تتألف المجموعة الأولى من حزبين رئيسيين: حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال. فقد تحالف كل واحدٍ من هذين الحزبين مع حزب العدالة والتنمية لسببٍ معين. وبالتالي، أراد حزب التقدم والاشتراكية الاستفادة من النجاح الانتخابي لحزب العدالة والتنمية ودعم بعضهم البعض؛ بل في الواقع، أصبح هذا الحزب شبه تابعٍ لحزب العدالة والتنمية. أما بالنسبة لحزب الاستقلال، فقد اختار، على الرغم من تاريخه الطويل، دخول الحكومة دون شروط وذلك بشكلٍ أساسي لأنه أدرك أخيراً أنه لم يستفيد حقاً من عدم المشاركة في الحكومة عام 2013 والتأرجح نحو المعارضة، ويخشى أن يواصل ضعفه في حال لم يجد لنفسه مكاناً في الحكومة.

وقد تكون المجموعة الثانية من الأحزاب السياسية مؤهلةً كأحزابٍ “إدارية،” والتي تعتبر أكثر قرباً إلى القصر. مثل هذه الأحزاب الرئيسية هي حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار. ومن خلال اتحادها، أرادت هذه الأحزاب التضافر وتشكيل قوة من شأنها مواجهة الشروط القاسية لرئيس الوزراء. فقد أرادت هذه المجموعة الثانية إضعاف رئيس الحكومة وإجباره على إتخاذ أحد الإجراءات التالية: العمل من موقف ضعفٍ على الرغم من الإنتصار الإنتخابي، أو الاستقالة وترك القرارات في يد الملك، الكفيل الدستوري لاستمرارية المؤسسات. وفي مثل هذه الحالة، لن تكون العودة إلى صناديق الاقتراع حلاً بناءً لأنها ستؤدي على الأرجح إلى نفس الوضع.

دفع هذا بالمغرب إلى طريقٍ مسدود، وبالتالي يمكن تصور سيناريوهين فحسب:  اختيار حكومة من شأنها دمج القوى الديمقراطية (اليسار المتحد بشكلٍ أساسي)، وجميع الأحزاب التي تؤمن بالديمقراطية وتقبل بالعمل في إطار القواعد السياسية المغربية التي وضعها المخزن. هؤلاء الديمقراطيون بمختلف أطيافهم، وبخاص نبيلة منيب زعيمة اليسار الموحد، لم يؤيدوا بنكيران قط ولا يؤمنون بوجود إرادةٍ سياسية حقيقية لإصلاح القادة. فهؤلاء الديمقراطيون لم يثقوا بحزب العدالة والتنمية قط على أساس أن سياسات الإسلاميين تعارض حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. فبالنسبة لهؤلاء الديمقراطيين، حزب العدالة والتنمية أكثر انشغالاً بإقامة دولته الخاصة من إدارة الشؤون العامة.

دفع بنكيران للتراجع عن بيانه العلني. بالنسبة للديمقراطيين، لم ينجح لجوء بنكيران، طوال الوقت، لتأييد دور الضحية وهجماته على التحكم (هيمنة المؤسسة)، ذلك أنه هو وحزبه جزءٌ لا يتجزأ منه. فعلاقات الحزب الوثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي تخوض صراعاً مع الحكومة العسكرية التي تقود البلاد هناك، تدفعه إلى المزيد من العزلة.

ولا بد أن يأخذ هذين التصورين بعين الإعتبار الظهور المفاجىء لعزيز أخنوش، وزير الفلاحة في الحكومة السابقة، في طليعة المشهد السياسي المغربي. أخنوش رجل أعمالٍ ثري جداً انتخب الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، وهو حزبٌ ليبرالي يهدف إلى “تشتيت” الجمود الحكومي. وتجري أهم المفاوضات حالياً بين حزب العدالة والتنمية وحزب أخنوش، وعلى الرغم من أن المفاوضات الجارية لا تسير بالسلاسة التي كانت متوقعة، وبينما قد تبدو هذه الحسابات سياسية وحسابية بحتة، إلا أنها تكشف عن مسألةٍ جوهرية: الحاجة إلى إعادة التوازن إلى المشهد السياسي في المغرب باعتباره السبيل الوحيد لمعالجة المأزق الحالي.