وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تصاعد التوتر بين الأحزاب السياسية الرئيسية في المغرب

تصاعد الأحزاب السياسية
محتجون مناهضون للحكومة من حركة 20 فبراير، حركة الربيع العربي المغاربية، يصرخون أثناء مسيرة لآلاف المتعلمين المتدربين في الرباط ، المغرب، مستنكرين الإجراءات الحكومية التي من شأنها تقليل نفقات فرع التعليم للقطاع العام من خلال خفض الدعم وفرص العمل، 24 يناير.2016، Photo Abdeljalil Bounhar/ AP.

من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية الثانية بعد الربيع العربي في المغرب في السابع من سبتمبر 2016، حيث بدأت التوترات تتصاعد بالفعل بين الأحزاب السياسية الرئيسية. فلا تُشكل الانتخابات فحسب تقييماً لنجاح أو فشل الإصلاحات الدستورية التي تبناها المغرب في عام 2011، بل أيضاً اختبارٌ لمصداقية أداء أول حزب إسلامي في البلاد: حزب العدالة والتنمية، الذي أسس عام 1998، وشرعت له أبواب السُلطة بفضل الثورات العربية.

وتأتي هذه الانتخابات بعد سنة من الانتخابات البلدية التي أجريت في 4 سبتمبر 2015، والتي تنافس بها 140,000 مرشح من أكثر من 30 حزباً على 30,000 مقعداً في المجالس المحلية، و700 مقعداً في المجالس الإقليمية، والتي أسفرت عن علو شأن خصم حزب العدالة والتنمية، حزب الأصالة والمعاصرة الحديث الذي تأسس في عام 2008، كقوة لا يستهان بها في المعترك السياسي.

وبالإضافة إلى هذين الحزبين الرئيسيين، دخل حزبان آخران السباق الانتخابي لتأمين أكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان المقبل: حزب الاستقلال، وهو حزب قومي محافظ أسس في عام 1943، مما يجعله الأقدم في البلاد، والتجمع الوطني للأحرار، وهو حزب “إداري” (موالٍ للحكومة) أسس في عام 1978.

وفي حين يُعتبر كل من حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية من الأحزاب المحافظة ويتمتعان بشريحة كبيرة من المؤيدين، إلا أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى أسلمة المجتمع والسياسة المغربية في حين لا ينطبق هذا على حزب الاستقلال. وبالمثل، بينما يدعم النظام الملكي كلاً من حزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار، اجتذب حزب الأصالة والمعاصرة المزيد من الأنصار منذ تأسيسه من التجمع الوطني للأحرار الأقدم، كرد فعلٍ على الأحزاب المحافظة.

و قد بدأت الأحزاب الأربع التي تستحوذ على غالبية مقاعد البرلمان، حملاتها في أجواء يُمكن وصفها، على الأغلب، بالعدائية سواء على الصعيد التقليدي أو على وسائل التواصل الاجتماعي. وباعتباره الحزب الحاكم، يواجه حزب العدالة والتنمية من قِبل الأحزاب الثلاث الأخرى في المناظرات التي تجتذب الكثير من الاهتمام في أوساط المغاربة.

أحد أكثر “المعارك” أهميةً، والتي تألب الأعداء السياسيين القدماء، كل من حزب العدالة والتنمية ووحزب الأصالة والمعاصرة ضد بعضمها البعض، قضية زراعة الحشيش وغيرها من النباتات المُخدرة. فعلى الرغم من عدم قانونيته، يُنتج المغرب حصة كبيرة من الحشيش في العالم، الذي يُزرع معظمه في شمال البلاد. فقد تصدر المغرب في الأعوام ما بين 2002 و2010، الإنتاج العالمي للحشيش وفي عام 2012 حل في المرتبة الثانية بعد أفغانستان. و يختلف حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة حول كيفية استخدام إنتاج الحشيش، حيث عمد كلا الحزبين إلى تسييس القضية.

وحيث يؤكد حزب العدالة والتنمية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة الشمالية وتحسين البُنية التحتية والظروف المعيشية للسكان كوسيلة للتنظيم والتقليل من الحاجة إلى زراعة الحشيش، يؤكد حزب الأصالة والمعاصرة على السماح قانونياً ومراقبة زراعة الحشيش، بحيث لا يقتصر هذا على استخدامه، بل أيضاً تسعيره بهدف استخدامه في المجالات الطبية والصناعية، وهو الأمر الذي يُطلق عليه حزب العدالة والتنمية بـ”الأوهام التسويقية.” ويُصرح إلياس العماري، رئيس حزب الأصالة والمعاصرة، أن حزبه هو الحزب الوحيد الذي يمكنه إنهاء حكم حزب العدالة والتنمية من خلال فرض وجهات نظره حول اتفاق الحشيش.

كما يقود حزب العدالة والتنمية “معركةً” أخرى ضد منافسه الآخر، حزب الاستقلال. ففي حين أن هناك علاقة ضمنية “جيدة” بين الحزبين، إلا أن رئيس الوزراء- رئيس حزب العدالة والتنمية- لا يتوقف عن تذكير نظيره في حزب الاستقلال أنه لم ينبغي له الاستقالة من الولاية الإسلامية الأولى (2011-2013)، ملمحاً إلى أن هذه الاستقالة قد خلقت أزمة ثقة.

كما أن حزب العدالة والتنمية على خلافٍ مع التجمع الوطني للأحرار، حيث يتهم التجمع الوطني للأحرار حزب العدالة والتنمية بتبعيته للأخوان المسلمين التي فشلت في مصر.

وتتنافس الأحزاب الرئيسية الأربعة على 395 مقعداً في الانتخابات العامة. وعلى الرغم من أنّ المغرب يُعرف باستقراره، إلا أنّ الإصلاحات السياسية غير المستقرة وعدم وجود إجماع بين الأحزاب السياسية الرئيسية قد يخلق حالة من الجمود التي تنفر الشباب بشكلٍ متزايد.

وتُظهر لقطة من ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي على سياسات الحزب أنّ الديناميكيات “الخفية” التي اتسمت بها الانتخابات البلدية التي عُقدت في سبتمبر 2015 لن تكون غائبة عن الانتخابات العامة عام 2016 وأن الأحزاب السياسية تدرك تماماً هذه الحقيقة. ويخضع الناخبون المغاربة لتغيير ديموغرافي كبير وينتقل المجتمع من كونه مدني بشكلٍ أساسي إلى كونه ليس حضارياً ولا ريفياً في ضوء انتقال المزيد من الرجال والنساء من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية حاملين معهم أفكارهم الخاصة. وعلى هذا النحو، سيكون هؤلاء الناخبون أكثر إدراكاً من الناحية التكنولوجية والإلكترونية، وبالتالي أكثر تطلباً. ويجعل هذا التنافس على الأصوات أكثر ضراوة مما قد تكون عليه القضية. ففي نهاية المطاف، يسعى حزب العدالة والتنمية للحصول على ولاية ثالثة لإنهاء الإصلاحات التي أعلن عنها، في حين أن حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار مصممون على الحصول على أكبر عددٍ ممكن من المقاعد، الأمر الذي يُصعَّد من حدّة المعارك الكلامية بين الأحزاب.