وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مبارك حراً.. مصر، ماذا الآن؟

supporters-celebrate-Mubarak-release
مؤيدون للرئيس المخلوع حسني مبارك يجتمعون أمام مستشفى المعادي للاحتفال بالإفراج عنه، في القاهرة، مصر، 19 مارس 2017.. Photo Anadolu Agency

لم تكن تبرئة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وإطلاق سراحه اللاحق، في الثاني من مارس 2017، أكثر مجازاً مما هي عليه. فبعد ما يزيد قليلاً عن ست سنواتٍ من الإحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد وأجبرت مبارك على التنحي وأشعلت شرارة الثورة في البلاد، عادت مصر مرةً أخرى إلى حكم العسكر الاستبدادي، وخفضّت وسائل الإعلام إلى حدٍ كبير لتقتصر على مكاتب الصحافة الحكومية، وفرّ النشطاء إلى الخارج أو سجنوا أو يعيشون في خوفٍ دائمٍ من الإعتقال، في حين أنّ البرلمان مجرد عرضٍ مسرحيّ جانبي يدعم الرئيس دون شروط.

وتماماً كما فعل مبارك، يحصد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي– بنجاح- دعم زعماء العالم بحجة أنه البديل الوحيد المعقول للتطرف الإسلامي وشريكٌ غاية في الأهمية في “الحرب على الإرهاب.”

واليوم، برأت محكمة الاستئناف العليا مبارك، الوجه المصري للقمع، من تورطه في مقتل 800 متظاهر خلال انتفاضة 2011 وأطلق سراحه من المشفى العسكري الذي كان محتجزاً فيه.

كما أصبح رجال مبارك في ذلك الوقت أحراراً. فقد أطلق سراح ابنائه، جمال وعلاء، من السجن في أكتوبر 2015، بعد قضائهما عقوبة بالسجن لثلاث سنوات بتهمة إختلاس الأموال العامة. كما تمت تبرئة وزير الداخلية السابق، حبيب العدلي، ومساعديه من تهمٍ تتعلق بموت بالمتظاهرين وأطلق سراحهم في عام 2015. وبهذا، يشعر الكثيرون أنّ الثورة المضادة قد انتهت.

فقد غردت الروائية المصرية أهداف سويف “قُتل 841 شخصاً في أول 18 يوم. أصيب 673 منهم بالرصاص. نحن نعرف أسمائهم وأين سقطوا. من أمر بعمليات القتل هذه؟”. “الثورة المضادة مستمرة. مبارك حراً. الشباب الذين أطاحوا به في السجن. بينما تواصل عصابة الضباط العسكريين الحكم منذ عام 1952،” هذا ما غرّد به تيموثي كالداس، الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط، في إشارةٍ إلى توالي خلافة حكم العسكر في مصر منذ استيلاء مجموعة من الضباط على السلطة عام 1952.

“إنها القشة التي قسمت ظهر البعير في الوضع الذي نعيشه اليوم،” يقول الناشط المصري وائل اسكندر لصحيفة واشنطن بوست. ويُضيف “يبرر هذا تاريخ مبارك الكامل بالفساد والديكتاتورية. كما أنها دلالة على أن النظام الحالي يوافق على جميع الممارسات الماضية ولا حاجة للإدانة.”

فيما وصفت الصحفية المصرية- الأمريكية، منى الطحاوي، إطلاق سراح مبارك بـ”الإهانة الموجعة،” في مقالٍ نشرته صحيفة نيويورك تايمز. واستذكرت “الفرحة” برؤية مبارك “تجسيداً لجميع الاستحقاقات المتراكمة على مدى 30 عاماً من الحكم،” في قفصٍ في قاعة المحكمة، ووصفت المشهد بأنه تعبيرٌ عن “الجرأة الثورية في مصر.” وتساءلت الطحاوي، إذا لم تتم محاسبة مبارك “كيف سنتمكن من محاسبة السيسي وغيره من كبار رجال الأمن عن مذبحةٍ أخرى؟” مشيرةً إلى مذبحة رابعة عام 2013، والتي قُتل فيها أكثر من 800 شخص في يومٍ واحد أثناء فض إعتصامٍ مؤيدٍ للإخوان المسلمين في القاهرة. كما طرح معلقون آخرون أسئلةً حول النوايا الحقيقة، في المقام الأول، للمحاكمة.

فقد كتب ميسيسلاو بودوسينسكي، الأستاذ المساعد في السياسة والعلاقات الدولية في كلية بومونا في ولاية كاليفورنيا، في صحيفة واشنطن بوست ” كانت محاكمة مبارك واحدة من التنازلات التي قدمها المجلس العسكري في محاولة لكسب الشرعية.” ووفقاً لبودوسينسكي، كان قرار الجيش بالسماح بالمضي قدماً بالمحاكمة لتحقيق “شرعية طويلة نسبياً” مستمدة من “الشارع” من خلال اختياره جانب الثورة لكسب الدعم والتأييد لخطة المرحلة الانتقالية المبكرة؟” وأضاف “قد مثل قرار تقديم مبارك وشركائه إلى المحاكمة استجابة واضحة للضغط الشعبي المُتزايد.”

ويتفق عمرو خليفة، المعلق السياسي المصري والمشارك المتكرر في عددٍ من وسائل الإعلام، مع وجهة النظر هذه ويرى المحاكمة كواجهةٍ سياسية. وفي رسالةٍ أرسلها عبر البريد الإلكتروني إلى Fanack، قال “لتهدئة الشعب الذي كان يغلي آنذاك، رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن من المناسب إخراج مسرحيةٍ تلبي احتياجاتهم السياسية وتسكت الجماهير الغاضبة.” وبالنسبة لخليفة، فإن تبرئة مبارك الأخيرة “هي بكل بساطة علامة تعجبٍ لفترةٍ من الزمن [حيث] حطمت الثورة المضادة أي ذكرياتٍ متبقية عن فترةٍ جميلة من الأحلام الثورية.”

وفي صميم الأمر تنعكس حقيقة أنّ الثورة المصرية لم تكن قط ثورةً حقيقية، بمعنى أنها لم تتمكن من إلغاء نظامٍ سياسيٍ معين. وعلى الرغم من إزاحة مبارك، كرئيسٍ للنظام، إلا أن النخبة العسكرية الحاكمة وأجهزة الشرطة والمسؤولين المنتسبين إلى النظام، لا يزالون في أماكنهم، وعلى الرغم من اضطرارهم تقديم بعض التنازلات لعامة الشعب، إلا أنهم بقوا مسيطرين على الدولة.

وقال خليفة معلقاً على تبرئة مبارك، أنّ “دولة مبارك واصلت الحكم على الرغم من عدم وجوده في السلطة، وكنتيجةٍ مباشرة، تأكد رجالٌ في المناصب العليا للبيروقراطية المصرية من استحالة وصول النيابة العامة إلى الوقائع.” وأضاف “على أولئك الذين يحلمون بثورةٍ أخرى العودة إلى الميدان الأول.”

ومع ذلك، لا يزال بعض النشطاء واثقين أن الثورة مستمرة. فقد قال محامي حقوقي مصري، أطلق سراحه مؤخراً من السجن وطلب عدم الكشف عن هويته لـFanack، أنه “لا يهمه” إطلاق سراح مبارك، الأمر الذي وصفه بـ”الشيء المضحك.” بالنسبة له، المهم، في المقام الأول، هو أن مبارك سُجن. “حتى وإن تم الإفراج عنه، فقد وضعناه في السجن لست سنوات. نحن فخورون بزجه خلف القضبان.” فقد تمحورت الثورة حول تحسين حياة المصريين وحقوقهم، وليس الثأر الشخصي، كما أنه مصممٌ على “مواصلة الكفاح من أجل العدالة،” على حد قوله.

ويعتقد أن الانتكاسة الحالية في الحقوق والحريات هي مجرد مرحلةٍ في عملية أطول، يتعلم فيها النشطاء من أخطاء الماضي ويستعدون للحظة سقوط النظام الحالي؛ الأمر الذي سيحدث بلا شك، برأيه. وأضاف “لقد تعلمنا أن المشكلة لا تكمن في من يتولى القيادة، بل بالأشخاص الذين يستفيدون من النظام، أمثال الجنرالات، وبعض رجال الأعمال والسياسيين.”

وفي الوقت نفسه، تلقى الشعب المصري أنباء الإفراج عن مبارك باستسلامٍ واضح، فقد ظلت شوارع القاهرة هادئةً تماماً. ففي نوفمبر 2014، عندما أسقطت التهم الموجهة لمبارك في المحكمة الابتدائية، توافد الآلاف إلى ساحةٍ بالقرب من ميدان التحرير، الذي أغلق في ذلك اليوم من قِبل قوات الأمن، احتجاجاً على الحكم. ولكن في هذه المرة، لم يكن هناك أي تواجدٍ يُذكر أو يلفت الإنتباه لقوات الأمن حول ميدان التحرير أو في وسط القاهرة. وكما وضح خليفة “هناك إرهاقٌ عام يرافقه جرعاتٌ صحية من الخوف العميق.”

ولعل الأهم من ذلك أنه بعد ست سنواتٍ من سقوط مبارك، يبدو أن المصريين تأقلموا من جديد مع عودة الوضع الراهن القديم. فالمشقة الاقتصادية والصراع اليومي من أجل البقاء هما مصدر قلقٍ أكبر من حرية الرئيس السابق.

وعلى الرغم من أن محاكمة مبارك كانت زائفةً منذ البداية، وإطلاق سراحة نتيجة منطقية لحقيقة أن النظام لم يتغير قط، إلا أنه لسنواتٍ عديدة كان على هذا النظام، على الأقل، الأخذ برأي العامة والأخذ بـ”سلطة الشارع” بالحسبان.

وربما يكون الجانب الأكثر رمزية من تبرئة مبارك هو أن الدولة قد استعادت السيطرة على الجماهير والشوارع إلى الحد الذي أمكنها فيه إطلاق سراح زعيمٍ، كان مكروهاً يوماً ما، دون أي اضطرابات.