وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الموافقة على حكومة إسرائيلية جديدة بإقالة نتنياهو

حكومة إسرائيلية بإقالة نتنياهو
الرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته ريوفين ريفلين (وسط) يحيط به رئيس الوزراء نفتالي بينيت (يسار) ورئيس الوزراء المناوب ووزير الخارجية يائير لبيد خلال صورة تجمعهم مع الحكومة الائتلافية الجديدة، في مقر إقامة الرئيس في القدس، في 14 يونيو 2021. (Photo by EMMANUEL DUNAND / AFP)

غاليا غولان

يعد الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد غير مألوفٍ من نواحٍ متعددة، بيد أن التناوب على منصب رئيس الوزراء ليس بالجديد. ومع ذلك، تعتبر حكومات الوحدة مألوفةً منذ الثمانينيات، إلا أن تقلّد رئيس وزراءٍ من حزبٍ حاز على ست مقاعد فحسب في الانتخابات الأخيرة هو بالفعل أمرٌ جديد. علاوةً على ذلك، ولأول مرة سيكون هناك حزبٌ عربي بعضويةٍ كاملة في الائتلاف، بخلاف مجرد دعم الائتلاف من الخارج فحسب، ونقصد هنا في هذه الحالة الحزب العربي المحافظ والصغير (الإسلامي)- حزب راعم (4 مقاعد)- الذي بالكاد يحظى بدعمٍ نسبي حتى بين قاعدة الجمهور العربي في إسرائيل. فضلاً عن ذلك، وربما الأمر الأكثر لفتاً للانتباه، هو أن الائتلاف يجمع أحزاباً من يسار الطيف السياسي الإسرائيلي (ميرتس) وصولاً إلى الجناح اليميني (حزب أمل جديد المنشق عن الليكود اليميني بزعامة نتنياهو)، وبقيادة زعيم صهيوني متدين لحزب يميني آخر (يمينا) الذي يعارض صراحةً معظم مواقف اليسار، وحتى يسار الوسط (حزب العمل)، بالقضايا المتمحورة حول الاحتلال والمستوطنات ونظام المحاكم وحقوق المثليين وغيرها من القضايا. وبصرف النظر عن توافق الآراء المحتمل حول إضفاء الشرعية على الماريجوانا، فإن ضم أفيغدور ليبرمان أيضاً يعزز دور أولئك في الائتلاف المعارضين للصلاحيات غير المتناسبة التي تحظى بها الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة في إسرائيل. وبالتالي، فإن الإنجاز المهم لاتفاق الائتلاف هو، في الواقع، وعوده بمد يد العون للتيارات الإصلاحية والمحافظة اليهودية في إسرائيل وتعزيز تجنيد الرجال الأرثوذكس المتشددين في الجيش. ومع ذلك، فإن الاختلافات العملية والأيديولوجية العديدة نفسها تشير إلى أنه سيكون من الصعب على الائتلاف أن يحكم أو أن ينعم بالاستقرار لفترةٍ طويلة. ولكن، أيضاً، يوفر اتفاق الائتلاف حق النقض المتبادل في العديد من القضايا للحزبين الرئيسيين، يمينا (بينيت) وهناك مستقبل (لبيد)، والقيود التي من شأنها أن تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على أحد الزعيمين، لبيد أو بينيت، تشكيل حكومة جديدة بمفرده.

تتمثل الصعوبات الأخرى في القضايا الساخنة التي تنتظر جدول أعمال الحكومة الجديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، شرعنة أو إخلاء بؤرة أفيتار الاستيطانية في الضفة الغربية، والجهود المبذولة للتهجير القسري للفلسطينيين من منازلهم (واستبدالهم بمستوطنين) في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. في واقع الأمر، لربما يلوح الاختبار الأول في أفق اليوم الأول لتولي الوزراء الجدد مهامهم، إذ قد تُشعل مسيرة أعلام اليمين المتطرف، المقرر إجراؤها في 15 يونيو، فتيل مواجهاتٍ بين الفلسطينيين في إسرائيل وحتى حماس، على غرار ما حصل عند اندلاع الحرب الأخيرة في مايو 2021. وعليه، مُنع السياسيون اليمينيون المتطرفون من المشاركة، وغيّرت الشرطة مسار المسيرة للحدّ من أي توتراتٍ في البلدة القديمة في القدس، لكن ما يزال من المتوقع أن يُمثل الحدث فتيل الانفجار لدى الفلسطينيين في القدس الشرقية.

حكومة إسرائيلية بإقالة نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحضر جلسة خاصة للتصويت على حكومة جديدة في الكنيست بالقدس، في 13 يونيو 2021. (Photo by EMMANUEL DUNAND / AFP)

وعلى صعيدٍ متصل، هناك العديد من المشاكل والعقبات التي يمكن توقعها من المعارضة بقيادة نتنياهو برفقة 30 عضواً من أعضاء الكنيست من الليكود – الذي ما يزال أكبر فصيلٍ في البرلمان. فالأمر الوحيد الذي بدا أنه يشد أواصر الحكومة الجديدة هو معارضتها بالإجماع لاستمرار حكم نتنياهو، إلا أن المعارضة الجديدة أيضاً متضافرة إلى حدٍ كبير وموالية لنتنياهو. ونتيجةً لذلك، قد يتوقع المرء مبادرات تشريعية من شأنها إحراج أحزاب الائتلاف، إلى جانب المحاولات المتكررة لتعطيل مشاريع القوانين الحكومية المحتملة، كنتيجةٍ لجهودٍ مستمرة تهدف إلى استقطاب الأعضاء بعيداً عن أحزاب الائتلاف.

وبالتالي، من الصعب بالفعل تصديق أن هذا الائتلاف سيستمر طويلاً، على الرغم من الحوافز للبقاء معاً وفي السلطة.

ومع ذلك، قد تكون هناك بعض الاحتمالات بأن القوة الواضحة للجناح اليميني في الحكومة الجديدة يمكن كبح جماحها. وبالطبع، ستكون هناك جهود من قبل الحزب العربي راعم وميرتس وربما حزب العمل (بقيادة ميراف ميخائيلي) لمنع المزيد من التوسع في المستوطنات أو الضم الرسمي لأراضي الضفة الغربية، ولكن لربما أن بينيت، بالرغم من كونه زعيماً لحزبٍ مؤيد للاستيطان وذو دوافع دينية مؤيدة للضم، سيفضل البراغماتية على حساب المواجهة مع شركائه في الحكومة (وربما الولايات المتحدة). ومع ذلك، وبالرغم من أن لبيد لا يسير على نفس المسار الأيديولوجي كحال بينيت، إلا أن قيامه بإطلاق حزبه في عام 2010 من مستوطنة أرييل في الضفة الغربية، يُشير على الأقل إلى ميله للناخبين اليمينيين إن لم يكن في واقع الأمر يدعم حقيقةً المشروع الاستيطاني. أما فيما يتعلق ببينيت، فلا شك في دعمه الحماسي للمستوطنات وما يؤمن بكونها حقوقاً يهودية في “أرض الميعاد.” ومن الجدير بالذكر هنا أنه تولى في الماضي إدارة المجلس الاستيطاني العام المسمى “مجلس يهودا والسامرة.”

وبالرغم مما ذكر، كان هناك سوابق لعددٍ من القادة الإسرائيليين المنحدرين من اليمين أو أولئك الذين يميلون في تفكيرهم للجناح اليميني وتبدلت أحوالهم، بل إن إسحاق رابين كان في الأصل ينتمي إلى الجناح اليميني “الناشط” في حزب العمل، بينما تحول سياسيون يمينيون تقليديون مثل إيهود أولمرت وتسيبي ليفني إلى مواقف مؤيدة للتسوية بمجرد وصولهم إلى السلطة. فقد سبق وأن قال أرييل شارون إن “ما تراه من هناك مختلفٌ تماماً عما تراه من هنا…،” إذ فضل شارون إخلاء المستوطنات والتوصل إلى تسوياتٍ عندما أدرك، كما قال، إن استمرار الاحتلال سيضر بالفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، بمعنى أنه سيؤدي إلى إنشاء دولةٍ ثنائية القومية وفقدان الأغلبية اليهودية من البحر إلى النهر. وهنا يجدر القول أن هذا النوع من البراغماتية ممكن، على الرغم من أن إضافة العنصر الديني الموجود لدى بينيت قد يظل عقبةً أمام أي تغيير في آراء بينيت.

حكومة إسرائيلية بإقالة نتنياهو
نفتالي بينيت (يسار) يتحدث مع منصور عباس، رئيس حزب راعم الإسلامي المحافظ خلال جلسة خاصة للتصويت على حكومة جديدة في الكنيست بالقدس، في 13 يونيو 2021. (Photo by EMMANUEL DUNAND / AFP)

وعليه، تنتشر التكهنات حول كل جانبٍ من جوانب الائتلاف الجديد. في واقع الأمر، هناك الكثير من الأمور الجديدة – بل الاستباقية، بما في ذلك إدراج تسع نساء في الحكومة الجديدة، وهو أكبر تمثيل نسائي في تاريخ إسرائيل، لكن الأمر غير المسبوق بشكلٍ خاص هو وجود شخص متدين يقود حزباً دينياً كرئيسٍ للوزراء. حزب بينيت، يمينا، هو وريث الحزب الديني القومي القديم (مفدال)، وهو حزب ديني صهيوني شكّل في كثير من الأحيان ائتلافات مع سلف حزب العمل السابق، حزب عمال أرض إسرائيل (مباي)، بيد أن الحزب الديني القومي الذي كان معتدلاً في السابق انحرف إلى أقصى اليمين، متبنياً مواقف قومية متطرفة على مدى السنوات التي أعقبت حرب عام 1967. بل إن حزب الليكود نفسه قد يتخلى عن نتنياهو ويختار زعيماً جديداً لتحويل مقاعده الثلاثين في الكنيست من الانتخابات الأخيرة إلى تحدٍ كبير لبينيت ولبيد. ودون المعارضة متوافقة الآراء ضد نتنياهو التي جمعت الائتلاف الجديد، قد يكتسب الليكود، بعد إعادة ترتيب صفوفه، قوةً كبيرة في الانتخابات المستقبلية، وربما يُسفر ذلك عن انشقاق بعض شركاء ائتلاف اليوم من الوسط واليمين، على سبيل المثال، من حزب أمل جديد بقيادة جدعون ساعر أو حتى من حزب أزرق – أبيض.

النظام الإسرائيلي معقدٌ للغاية، إذ سبق وأدى إجراء أربع انتخابات في غضون عامين إلى نتائج مماثلة لدرجة أن الانتخابات الخامسة لم تحظ إلا بقدرٍ ضئيل من الجاذبية للأحزاب أو حتى الجمهور. وفي الوقت الراهن، لا يسعنا سوى القول إنه يتعين علينا الانتظار لنرى ما إذا كان بإمكان الحكومة الجديدة الاتفاق على الميزانية والحفاظ على اتحادها في وجه التحديات العديدة التي ستواجهها منذ أيامها الأولى.