وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مع تفاقم الصراع؛ لن يكون هناك “منتصرون” في الحرب السورية

الحرب السوري أفراد من الدفاع المدني ينقلون جرحى و قتلى
أفراد من الدفاع المدني ينقلون جرحى و قتلى بعد سقوط برميل متفجر أطلقه الجيش السوري على حي باب النيرب الذي تسيطر عليه المعارضة السورية في حلب، سوريا، في 25 أغسطس 2015. Photo Ibrahim Ebu Leys

بدعمٍ من القوات الجوية الروسية ومستشارين ومقاتلين إيرانيين وآخرين من حزب الله اللبناني، تمكّن الرئيس السوري بشار الأسد من استعادة السيطرة على المناطق التي طالتها يد الثوار وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”

فخلال النصف الأول من عام 2016، استولت قوات الأسد على ريف إدلب واستعادت السيطرة على مدينة تدمر. وفي أغسطس، حاصرت مدينة حلب التي يُسيطر عليها الثوار والتي تعدّ ثاني أكبر المدن في البلاد التي مزقتها الحرب.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان بمقدور الأسد استعادة السيطرة على هذه المناطق دون تدخل الآلة العسكرية الروسية؟

وفقاً لما قاله محللون لـFanack، فهم يعتقدون أنه بالرغم من مساعدة إيران منذ إندلاع الحرب عام 2011، وانخراط مقاتلي حزب الله في وقتٍ لاحق، إلا أن نظام الأسد كان على وشك الانهيار في عام 2015. إلا أن روسيا قلبت الطاولة عندما أرسلت قواتها الجوية في سبتمبر 2015.

وبعد شهرٍ من ذلك، اتهم الجنرال جون ألين، المبعوث الرئاسي الخاص السابق للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، روسيا بالتدخل لإنقاذ الأسد من الانهيار وليس لمحاربة الجهاديين.

وفي مقابلةٍ مع صحيفتي الرأي والجوردن تايمز في عمّان، قال ألن “أن القول بأن للروس دوراً استراتيجياً في المنطقة هو في اعتقادي يتوارى بحقيقة أن نظام الأسد كان يعاني من مشكلة كبيرة لعدة أسباب وما نراه هنا هو أن الروس يسعون في تدخلهم لحماية رجلهم من السقوط.”

وأضاف “أنه في الوقت الذي يقول فيه الروس بأن تدخلهم في سوريا هو لمحاربة داعش إنما هو في الحقيقة لمحاربة كل الاطراف وهذه هي المشكلة.”

ووفقاً لمركز أبحاث مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، تشير استطلاعات الرأي المختلفة أن حوالي خُمس الضربات الجوية الروسية فحسب استهدفت أهدافاً لداعش.

وقال أسعد الزعبي، وهو شخصية بارزة من المعارضة السورية وعقيد منشّق عن الجيش السوري، في لقاءٍ له مع قناة العربية، ومقرها دبي، أنّ غالبية الضربات الجوية الروسية تستهدف الثوار السُنّة في حلب ومحافظة درعا الجنوبية.

وأضاف “أتى الروس إلى سوريا فقط لحماية نظام الأسد، فهو رجلهم في المنطقة.”

واتهم الزعبي الولايات المتحدة بخذلان الشعب السوري بالسماح للروس بإدارة القضية السورية.

فالمكاسب التي أحرزها نظام الأسد ضد داعش والثوار السُنّة، بمساعدة روسيا، تخدم أجندة موسكو الإقليمية، وذلك وفقاً للمحلل السياسي، فيصل ملكاوي، المقيم في عمّان.

وأضاف ملكاوي في لقاءٍ مع Fanack أنّ “الروس يُريدون إقناع العالم أنه ينبغي بقاء الأسد في السُلطة حتى انتهاء ولايته عام 2017 على الأقل، وإلا ستقع سوريا بأيدي الإرهابيين.”

كما يعتقد أن موسكو تدرك تماماً أن التدخل العسكري لن يُنهي الصراع. “تُريد إدارة بوتين أن يظهر الأسد بمظهر القوي عند التفاوض على اتفاقٍ للسلام مع المجتمع الدولي وهم يعلمون تماماً أن التسوية السياسية هي الحل الوحيد لإنهاء الحرب في سوريا.”

ويقول رائد العمري، المحلل السياسي والكاتب الصحفي في قناة العربية الانجليزية أنّ الحرب الأهلية لن تتمخض عن أي منتصر، بما في ذلك الأسد، على الرغم من المكاسب التي أحرزتها قواته خلال الأشهر العشر الأخيرة.

وقال العمري عبر مقابلة هاتفية “إن السبيل الوحيد لتحقيق السلام في سوريا بتشكيل حكومة انتقالية من جميع الأطراف المتحاربة.”

ووفقاً للعمري، سيكون عام 2017 مصيرياً فيما يتعلق بالأزمة السورية، مع انتهاء ولاية الأسد.

وأضاف “لا أعتقد أن الروس سيصرون على إبقاء الأسد في السُلطة أو كجزء من الحكومة الانتقالية. فهم يريدون إبقاء شخصيات من النظام يمكن أن يكون لها قبول من قِبل لاعبين إقليميين ودوليين.”

لا تغيير على العلاقات التركية

اتفقت أنقرة وموسكو في يوليو 2016 على تطبيع العلاقات لإنهاء ما يقارب الثماني أشهر من التوتر بعد أن أسقطت طائرة إف-16 تركية مقاتلة سوخوي اس يو 24 روسية أثناء تنفيذها مهمةً في الأجواء السورية، مما أسفر عن مقتل طياريّ المقاتلة الروس.

وتخشى المعارضة السورية أنّ مثل هذه الخطوة تهدد الدعم التركي للثوار في قتالهم ضد الأسد.

إلا أن أنس العبدة، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومقره اسطنبول، قال لقناة العربية أن المعارضة السورية تلّقت تأكيداتٍ من مسؤولين أتراك أنه لن تطرأ “أي تغييراتٍ” على سياسة تركيا تجاه سوريا.

وفي تصريحٍ لمسؤولٍ تركي رفيع المستوى من حزب العدالة والتنمية الحاكم لرويترز قال “في نهاية المطاف ،الأسد قاتل، فهو يقوم بتعذيب شعبه، ونحن لن نغير موقفنا تجاه ذلك.”

بينما صرّح مسؤولٌ آخر لصحفية التلغراف، شريطة عدم الكشف عن هويته “نعتقد أن توثيق التعاون بين تركيا وروسيا يمكن أن يساعد في معالجة الوضع في سوريا،” مضيفاً أنه لا توجد أي “خطط ملموسة” حتى الآن للتعاون.

إعادة تسمية جبهة النصرة قد يُعيد رسم خطوط المعركة

في أوائل شهر يونيو، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن واشنطن طلبت من موسكو عدم استهداف جبهة النصرة، إحدى الجماعات الجهادية في سوريا، إلا أنه أصرّ على أن الولايات المتحدة أرادت من روسيا فحسب تحديد أهدافها بعناية لتجنب ضرب المدنيين وجماعات المعارضة المشروعة، وذلك وفقاً لأسوشيتد برس.

وقال لافروف أنّ روسيا أصرت دوماً على ضرورة مغادرة المعارضة المعتدلة، وهي جماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، المناطق التي تحتلها جبهة النصرة التي كانت في ذلك الوقت لا تزال تابعةً لتنظيم القاعدة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية، مارك تونر، للصحفيين في واشنطن أن وزير الخارجية جون كيري قد أكد على حاجة روسيا إلى التمييز بين داعش وجبهة النصرة من جهة، ووحدات المعارضة المشروعة من جهةٍ أخرى.

وفي 28 يوليو 2016، أعلنت جبهة النصرة فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، لدفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي لقصف سوريا، وذلك وفقاً لرويترز.
وفي أول بيانٍ عبر تسجيلٍ مصور يظهر وجهه الحقيقي، أعلن زعيم النصرة، أبو محمد الجولاني، إعادة تشكيل جماعة جديدة تحمل اسم جبهة فتح الشام، علماً بأن هذا التشكيل الجديد “ليس له علاقة بأي جهة خارجية”.

أيمن الظواهري، خطوة انفصال جبهة النصرة. وفي رسالته، توجه الجولاني بالشكر إلى قادة تنظيم القاعدة وعلى رأسهم زعيمها أيمن الظواهري على تقديم مصلحة اهل الشام على المصالح التنظيمية.

وبدى أنّ الخطوة بمثابة محاولةٍ لاستمالة السوريين الذين لطالما ساورتهم شكوك بارتباط جبهة النصرة بالقاعدة ووجود المقاتلين الأجانب في صفوفها. ووفقاً لرويترز، يمكن أن يغير هذا من التوافق الاستراتيجي على الأرض إذا ما اكتسبت جبهة النصرة، بعد إعادة تسميتها، القبول بين جماعات الثوار الأخرى.

ولكن من غير المرجح أن يقبل الأسد وحلفائه الروس بلعبة إعادة التسمية هذه كسببٍ لوقف العمليات العسكرية التي وضعت الرئيس السوري في أقوى مكانةٍ له على أرض المعركة منذ سنوات.

فقد تم استبعاد جبهة النصرة، التي تعدّ أحد أقوى قوات الثوار في الحرب الأهلية متعددة الأطراف المستعرة في سوريا منذ خمس سنوات، إلى جانب داعش من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دعمته كل من الولايات المتحدة وروسيا، هذا العام.

وتصنف جبهة النصرة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة باعتبارها جماعة إرهابية. ولطالما قال معارضون آخرون للأسد أن وجود النصرة منح الحكومة وحلفائها الروس ذريعةً للتخلي عن الهدنة وإحراز التقدم تحت غطاء عمليات مكافحة الإرهاب المسموح بها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أن مقاتلي النصرة يبقون هدفاً مشروعاً للطائرات الحربية الامريكية في الوقت الراهن.

تقافم الوضع الإنساني في حلب

يتواصل في أغسطس 2016 القتال العنيف في ريف حلب، حيث يحاول هجوم الثوار كسر الحصار الحكومي عن المناطق التي يُسيطر عليها الثوار في الجزء الشرقي من المدينة، وذلك وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وتُقدر الأمم المتحدة وجود حوالي 300,000 شخص محاصر في المنطقة مع تضاؤل الإمدادات الغذائية والطبية في هذا الجزء من حلب، وفقاً لقناة الجزيرة.

إلا أن الجزء الغربي من مدينة حلب، حيث تُسيطر الحكومة ويقطن مليوني نسمة، يعاني من المزيد من المتاعب. ففي 5 أغسطس 2016، طالبت الأمم المتحدة بوقفٍ كاملٍ لإطلاق النار أو وقفٍ إنساني أسبوعي مؤقت لمدة 48 ساعة للوصول إلى السكان المتضررين، إلا أنه لم تتم تلبية هذه المطالب حتى الساعة.