وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل تطبيع العلاقات مع إسرائيل ثمنُ التصدي لإيران؟

International Affairs- Normalization
متظاهرون أردنيون يرفعون لافتاتٍ تحمل شعارات “لا لاتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني “(يسار)، “وغاز العدو احتلال (وسط)،” خلال مظاهرةٍ في عمّان احتجاجاً على اتفاقية شراء الغاز الطبيعي الاسرائيلي، 7 أكتوبر 2016. Photo AFP

أصبح مصطلح “التطبيع” جزءاً من القاموس السياسي للدول العربية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعد أن أبرمت مصر اتفاق السلام التاريخي مع إسرائيل عام 1979، مما أنهى عقوداً من الصراع العسكري وإعلان حقبة جديدة أنهت تعثر صنع السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب. وبعد قرابة العقدين، حذى الأردن وفلسطين حذوهما.

بيد أن مصطلح التطبيع بات مرادفاً تقريباً للخيانة والعَمَالة بسبب المعارضة واسعة النطاق لمعاهدات السلام في كلٍ من مصر والأردن.

هناك سببان رئيسيان لهذا، فأولاً، أبرمت اتفاقات السلام على يد الزعماء السياسيين ولم تحظى سوى بالقليل، أو انعدام، التأييد الشعبي. وثانياً، يقوّض الاحتلال الاسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية والسورية دعم السلام مع إسرائيل. وقد تفاقم ذلك جراء الحروب الاسرائيلية اللاحقة على كلٍ من لبنان وقطاع غزة، حيث عززت جميع هذه الأحداث جبهة مكافحة التطبيع في السياسة العربية. فلا يصعب العثور على المتشددين الذين لا يزالون، بشكلٍ أساسي، يعارضون وجود إسرائيل في مصر والأردن وخارجهما. وبعبارةٍ أخرى، فإن العداء تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل في الشرق الأوسط له العديد من المؤيدين، إلا أنه في الوقت نفسه آخذٌ بالتناقص، وبخاصة بين القادة السعوديين وغيرهم من الزعماء في الخليج، ذلك أن التهديد المشترك المتصور، المتمثل في إيران، قد تحقق.

وبالنسبة لأولئك الذين يعارضون السلام مع إسرائيل، أصبحت محاربة التطبيع تشبه نوعاً ما خوض معركةٍ بائسة؛ محاولة لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه بالحرب بوسائل أخرى. وتواصل الجماعات المعارضة للتطبيع حماية المقاطعة الشاملة لاسرائيل التي وجدت منذ إقامة الدولة. فعلى سبيل المثال، يرفضون أي تعاملٍ مع إسرائيليين سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ويرفضون حضور أي فعالياتٍ يستضيفها الإسرائيليون أو ترتبط بأي شكلٍ من الأشكال بمؤتمرات/ مهرجانات تنظمها إسرائيل.

أما أولئك الذين يخرقون المقاطعة، أو ما يُسمى بالمطبعين، يضعون بفعل ذلك سمعتهم على المحك. فقد نُبذ الكاتب المسرحي المصري الراحل علي سالم من قبل النخبة الثقافية والفنية لزيارته إسرائيل والتعبير عن دعمه لتطبيع العلاقات مع ذلك البلد.

وفي الآونة الأخيرة، تم حظر فيلم لبناني حائز على جائزة، يحمل عنوان الإهانة (أو قضية رقم 23)، من مهرجانٍ فلسطيني ليس بسبب أي محتوى مثير للجدل ولكن لأن المخرج زياد دويري، تجاوز خطاً أحمراً على حد تعبيرهم: فقد صوّر دويري فيلماً سابقاً، بعنوان الصدمة، في إسرائيل، والذي اعتبر شكلاً من أشكال التطبيع.

ومنذ توقيع اتفاقات السلام مع مصر والأردن، انشأت لجان مناهضة التطبيع لتحل محل لجنة الجامعة العربية المنسية التي أنشئت منذ عشرات السنين لتطبيق مقاطعة شاملة لاسرائيل. تراقب اللجنة الامتثال لمقاطعة أي شركة أو مؤسسة تعمل مع إسرائيل أو مالكيها من المؤيدين لإسرائيل. في الواقع، أولئك الذين يخرقون المقاطعة لا يعانون سوى من خزيّ تسميتهم والتشهير بهم، بعواقب قليلة أو معدومة.

وفي البلدان التي باتت فيها معاداة إسرائيل السمة المميزة للسياسة (بل في الواقع معياراً للوطنية) لعقود، يعتبر نعت المرء بالمطبع واحدةً من أسوأ الإهانات السياسية التي يمكن استخدامها لتشويه سمعة شخصيةٍ عامة.

International Affairs- Normalization
سبّاحون إسرائيليون يقفون لالتقاط صورة تذكارية في بطولة العالم العاشرة سباحة بالمجرى القصير (25 متراً) في مجمع حمدان بن محمد بن راشد الرياضي في دبي، في 14 ديسمبر 2010. Photo AFP

فقد ظهرت تقارير تفيد بأن السعوديين التقوا بمسؤولين إسرائيليين سراً بين الحين والآخر في وسائل الإعلام لسنوات. ومع ذلك، لم يحدث هذا باستمرار سوى في العام الماضي أو نحو ذلك، حيث تقارب البلدان في ظل مخاوفهما المشتركة من طموح إيران الإقليمي، لدرجة أن وسائل الإعلام العربية المعادية للمملكة العربية السعودية ذكرت أن ولي العهد نفسه، محمد بن سلمان، قد زار إسرائيل سراً – وهو ما ينكره السعوديون بشكلٍ قاطع.

وعلى الرغم من أن جميع المراقبين تقريباً يتحدثون عن تقارب المصالح بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية فيما يتعلق بإيران، إلا أن المسؤولين العرب لم يعترفوا بذلك علناً قط. بل واصلوا توجيه الاتهامات بوصفهم بعضهم البعض بـ”المطبع” كلما سنحت الفرصة لذلك. فعلى سبيل المثال، في ظل النزاع الحالي بين قطر وجيرانها الخليجيين، فمن الشائع جداً أن نسمع وسائل الإعلام من طرفيّ الانقسام السياسي يتهم كلٌ منهما الآخر بالتطبيع سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.

ومع مساعي طهران لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط من خلال تشجيع ودعم الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل حزب الله الشيعي اللبناني، أو الجماعات الفلسطينية المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي، أو المتمردين الحوثيين اليمنيين، أصبح التقارب بين المخاوف الأمنية لدول الخليج وإسرائيل أكثر وضوحاً. ازدادت المخاوف في الرابع من نوفمبر 2017، عندما أطلق المتمردون الحوثيون صاروخاً باليستياً إيراني الصنع باتجاه المطار الدولي في الرياض. اعترض السعوديون الصاروخ ولم يُبلغ عن وقوع أي أضرار. ومع ذلك، استمر تردد صدى التداعيات السياسية في جميع أرجاء المنطقة.

يُدرج على رأس قائمة هذه العواقب تنامي الشعور بأن السعوديين، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والبحرين، يسعون اليوم إلى التطبيع بحكم الأمر الواقع مع إسرائيل عن طريق توثيق الأمن والتنسيق السياسي لاحتواء التهديد الإيراني المتزايد. ولكن في حين بقي العرب متكتمين فيما يتعلق بهذه المسألة، يتحدث الإسرائيليون عنها علناً.

بل إن البعض اقترح أن السعوديين يحرضون إسرائيل على شن حربٍ من أجل القضاء على إحدى الميليشيات الإيرانية، بالوكالة، الأكثر فعالية، أي حزب الله اللبناني.

وفي حال نجحت إسرائيل في ذلك، ستضعف إلى حدٍ كبير من قضبة الإيرانيين على المنطقة، ولربما تقوّض تأثير طهران على سوريا التي مزقتها الحرب. وإذا ما كان تطبيع العلاقات مع إسرائيل الثمن لتحقيق ذلك، فهو ثمنٌ يستحق الدفع، حسب اعتقاد عرب الخليج.